المشاهد نت

شاعرات يمنيات ينحزن للسلام

غلاف الديوان الشعري هكذا حدثني الغيم للشاعرة مليحة الاسعدي

صنعاء – عصام صبري

كما هو حال السياسيين والمقاتلين في اليمن، تمترست شاعرات يمنيات مع طرف ضد آخر من أطراف النزاع المسلح الذي اندلع قبل أكثر من 6 سنوات. تلك الأطراف فتحت لهن المنابر الإعلامية التي حققن من خلالها شهرة واسعة في مجال التحشيد للحرب، سواء من وضعن قضية مقاومة جماعة الحوثي في صلب مشروعهن للحرب، مثل برديس السياغي، وريم بحيبح، وسماح الشغدري، أو من اصطففن مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران كالشاعرات خولة العُفيري، ووفية العمري، ومليون العنسي، وابتسام المتوكل. بينما ناصرت الشاعرات أماني مهيوب، وصابرين الحسني، وماريا النهدي، المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات. وشاعرت أخريات دعمن جهود إحلال السلام في اليمن، مثل مليحة الأسعدي، ونجلاء العمري، وسهير السمان، وبلقيس الحضراني، ورغدة جمال.

الانحياز للسلام

مع تصاعد العمليات العسكرية في اليمن، هاجرت بعض الشاعرات اليمنيات إلى بلدان عربية وأجنبية، حتى تضع الحرب أوزارها، كما فعلت نجلاء العمري الشاعرة المولودة في محافظة تعز، إذ هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت العمري شاركت في ملتقى عُقد في تركيا، ضم نخبًا يمنية، بحثوا سبل ووسائل مساندة مخرجات الحوار الوطني المتعلقة بفض النزاعات وبناء السلام في اليمن.

وفي حديثها لـ”المشاهد” تقول الشاعرة العمري: “كان للحرب في اليمن أكبر الأثر في عودتي لكتابة الشعر بقوة، لأن الحرب أوجعتنا بشدة وشردتنا، ونكثت بأحلامنا التي أوقدنا لها قلوبنا منذ ثورة فبراير 2011، وكنا نظن أننا وصلنا إلى ملاذنا الآمن”. معتبرة الحرب الحالية في اليمن بأنها قائمة بين كل من انقلب على الحياة وعاث في الأرواح الفساد، وبين من يتلمس فرجة للنور، لذا فهي لا تُخفي مناهضتها لجماعة الحوثي، لأن هذه الجماعة -بحسب رأيها- أعادت اليمنيين إلى عقود سوداء استلبت منهم الماضي والحاضر والمستقبل، وأوجعتهم، ولاتزال تضرب في الأرض والإنسان، وتقامر بكل شيء لمصالحها الشخصية.

شاعرات يمنيات ينحزن للسلام
الشاعرة نجلاء العمري

ولأن العمري تعتير نفسها جزءًا من الوطن الذي يذبح على مهل، كانت لها نصوص وقصائد تعبر عن كل ذلك الألم، ومن بين تلك القصائد: “لا حنينا يدب فأحيا ونشيد فبراير، ويداي موثقتان”. معبرة في هذه القصيدة، عن حنينها لوطنها، وحزنها لما يحدث له، وفي نص القصيدة كتبت: “كيف مادت به الأرض! كان التقاء المدى بالخيوط الحزينة في مغرب القلب حيث استباح العدى موطني واستباح الهوى حلمي.. كيف غار به الموج هاجت به الذكريات.. تشظى وانطوى تائهًا في المساءات. لا غنوة ينتقي من سماها الثريا ولا عاد لي.. كيف مرت مجازاته من فؤادي ولا شيء ظل.. غادرتني القصائد ملتاعة.. غادرت أفقي..”.

تعيش الشاعرة العمري خارج اليمن، في قلق، لأنها في أرض غير أرضها، وتربة ليس لها رائحة الوطن، ودائمًا تشعر أنها في سكة سفر طويلة تنتظر المحطة التي تستقر فيها روحها لتنزل فيها، كما تقول لـ”المشاهد”.

ورفضت الشاعرة مليحة الأسعدي، المولودة في منطقة خولان الطيال بصنعاء، أن تكون ضمن مجموعة من الشعراء والأدباء المنضوين تحت راية جماعة الحوثي، حينها علقت الأسعدي على صورة فوتوغرافية لمجموعة من الشعراء الرافضين للحرب، والمؤيدين في الوقت ذاته لجماعة الحوثي، قائلة: “يتجمهرون ضد الاعتداء الخارجي، ويغضون الطرف عن الاعتداء الداخلي! كنت أتمنى فقط أن أقرأ في اللافتات رفضًا للعدوان الخارجي والداخلي، احترامًا للدور التنويري المنوط بالمثقف حمله، لكي لا يقال بأنهم يكيلون بمكيالين! إنهم كمن يقول “قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار”، متناسين أن الدم اليمني المراق على هذه الأرض، دم واحد”.

إقرأ أيضاً  الأسر المنتجة تسعد الفقراء في العيد

كان ذلك مفتتح مشوار مشروع الشاعرة الأسعدي في مساندة الجهود الرامية لإحلال السلام في بلادها، والذي خرج للنور بعد سنوات من اندلاع الحرب الدامية.

“بلا شك، تركت الحرب في اليمن أثرًا عميقًا في النفس، لا يمكن توصيفه بكلمات أو عبارات، لكنها بكل تأكيد تخرج على هيئة نفثات شعورية بين القصائد، فقد عشت في أسرة محبة لتراب هذا الوطن، وتراه عزها وسندها وظهرها، ولم أفكر ليوم واحد أنا او أحد أفراد أسرتي، بأن يأتي اليوم الذي نفكر فيه بالبحث عن وطن بديل، مع كثرة الاستقطابات المهينة لكل معاني الحب والوطنية والانتماء”، تقول الأسعدي متحدثة لـ”المشاهد”.

وتضيف: “نتاج الشاعرات اليمنيات في زمن الحرب في البداية تراجع كثيرًا، وعكس حالة الانكسار التي أصابت النفوس وأعيتها، لكن مع كل انكسارة كن يبحثن عن بصيص ضوء تنفذن منه للتعبير عن أنفسهن، فلم يغب صوتهن كليًا، كما أنه لم ينل حقه من الحضور”.

“هكذا حدثني الغيم”

أدركت الشاعرة الأسعدي ورفاقها أن الحرب قتلت كل الفرص التي كان يمكنها أن تفتح مجالًا للشاعرات والشعراء، قررت عبر مركز وجوه للثقافة والتراث الذي ترأسه، خلق فرص لإعلاء أصوات الشاعرات اليمنيات اللواتي تقطعت بهن السبل، ولم يجدن منصات بديلة عن الصحف والمجلات والفعاليات، لنشر أعمالهن الأدبية في كتاب خاص ضمن مشروع “رفع أصوات الشعراء الشباب”، الذي انتهى في شهر مارس الماضي، بتأهل 15 شاعرة يمنية مقيمة في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي.

وعطفًا على تأثير الحرب على الشاعرة مليحة الأسعدي، فقد انكفأت على ذاتها كما فعل بعض ممن أثرت فيهم الحرب سلبًا، ومع هذا حرصت على المقاومة بكل ما أوتيت من قوة، وأصدرت قبل شهور قليلة ديوانًا شعريًا جديدًا بعنوان “هكذا حدثني الغيم”، ولا تكاد تخلو فيه قصيدة من أنة ووجع ينزف من القلب على الوطن الذبيح، ودعم تحقيق السلام فيه.

حصد جوائز عالمية

وفي تجربة مقاربة لشاعرات يمنيات كُثر، تحكي الشاعرة سهير السمان لـ”المشاهد” كيف دفعت بها الحرب في اليمن لمغادرة العاصمة صنعاء باتجاه العاصمة المصرية القاهرة.

شاعرات يمنيات ينحزن للسلام
الشاعرة سهير السمان

السمان التي كانت تشغل منصب مدير إدارة النشر في الهيئة العامة للكتاب، ورئيس دائرة المرأة في نقابة الهيئة العامة للكتاب، تقول: “للحرب تأثير كبير على الناس بشكل عام، سواء من هم في داخل اليمن أو الخارج. وطالما كانت مثل هذه الأحداث مادة غزيرة للكثير من الأدباء العالميين، فالشاعر والأديب هو أشد حساسية لما يحدث من دمار في وطنه، أو حتى في أي مكان في العالم. المأساة والمعاناة تولد النص الأدبي والقصيدة واللوحة، والفن بشكل عام”.

وفي نصها الشعري “ورقة من فصول السنة”، تقول:

سندورُ يومًا بين هذه الكلمات

التي قد لا تلقى الجريح

أو القتيل

لتهْديهِم فصولَهم الأربعة

أو تعلِّقَ على تاريخهم

شهادةَ الوفاةِ المختصرة

لا أعاتبُ الحياةَ المؤجلة

ولا الموتَ المحتفي بوصولنا سريعًا.

توجت الشاعرة والأديبة سهير رشاد السمان، غربتها في مصر، حينما حصلت على الماجستير بامتياز من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة بجمهورية مصر العربية، أواخر يناير الفائت.

واستطاعت شاعرات يمنيات حصد جوائز عالمية وعربية مرموقة في مجال الشعر، كالشاعرة ميسون الإرياني، التي حصلت في الآونة الأخيرة على جائزة “توليولا” الإيطالية السنوية عن ديوانها “حِيَل”، ومن قبلها الشاعرة سوسن العريقي التي فازت بجائزة دار نعمان للثقافة في لبنان، عن مجموعتها الشعرية “أكثر من اللازم”.

مقالات مشابهة