المشاهد نت

الحصار الخارجي والداخلي.. قضية تعز حاضرة رغم النسيان الدولي

عدن – سامي عبدالعالم

الجدل السياسي في المشهد اليمني يبقى حاضرًا، بشأن الحصار الخارجي على اليمن، المفروض من قبل دول تحالف الشرعية اليمنية، والحصار الداخلي الذي تفرضه جماعة الحوثي الانقلابية، بخاصة على مدينة تعز.

وبرغم النسيان والإهمال، تبقى قضية حصار تعز حاضرة في
النقاشات الدولية التي تركز على مطالب جماعة الحوثي برفع كامل للحصار الخارجي البحري والجوي المفروض على اليمن، وتحديدًا على مطار صنعاء وميناء الحديدة، أمر يثير حفيظة شريحة سكانية واسعة في محافظة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين من ثلاث جهات، للعام السابع، بالإضافة إلى مناطق أخرى محررة في عدة محافظات يعاني سكانها بسبب فرض الحوثيين أشكالًا من الحصار والتضييق، منها على سبيل المثال قطع الممرات والطرق، مما يرغم المواطنين على عبور طرق شاقة ووعرة لساعات بدلًا من دقائق معدودة.

مثال ذلك قطع الطريق الرابط بين الشمال والجنوب بين محافظتي الضالع وإب، وكذلك الطريق الذي يربط بين المنطقة المحررة في مدينة تعز المحاصرة ومنطقة الحوبان شرقي المدينة، والذي يستغرق عبوره دقائق، بينما فرضت ظروف الحصار طريقًا جبليًا بديلًا وشاقًا يستغرق 6 ساعات.

ومع كل جولة من المساعي الدبلوماسية الدولية لإنهاء الحرب في اليمن، يتذكر الكثير من الناس معاناتهم، بينما يستمعون إلى الأخبار التي تركز غالبًا على مواضيع محددة تتركز حول مطار صنعاء وميناء الحديدة، في ظل مطالب متكررة لجماعة الحوثي برفع كامل الحصار الخارجي البحري والجوي.

ورغم إعلان مجلس الأمن الدولي رفضه تلبية طلب جماعة الحوثي رفع الحصار كليًا، قبل التزامهم وتوقيعهم اتفاقًا لوقف إطلاق النار، ينهي الحرب والمعاناة الداخلية لليمنيين.

وكان الحديث من قبل المبعوث الأممي في مجلس الأمن عن حصار الحوثيين لتعز وقطع الطرقات ومعاناة المدنيين، أمرًا لافتًا للنظر.

غريفيث: تعز مدينة محاصرة منذ سنوات

الحديث عن رفع الحصار الخارجي على اليمن، المفروض من قبل تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، دون مسار موازٍ لرفع الحصار الداخلي من قبل جماعة الحوثي، عن مدينة تعز، والمستمر للعام السابع، وإنهاء التضييق من جانب الجماعة على بعض المدن والمناطق الأخرى، يرى البعض أنه يفتقر للإنصاف.

تبقى مدينة كتعز محاصرة داخليًا منذ سنوات وحتى يومنا، وتعاني كثيرًا في ظل إشارات متزايدة من جانب المبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي قال في إحاطة لمجلس الأمن منتصف أبريل 2021، إن “حدة الاقتتال في تعز زادت، وتستمر التوترات بالتصاعد. ولايزال السكان المدنيون في المدينة يعانون من أسوأ ما جاء به النزاع وآثاره الملموسة والكبيرة التي طالت الخدمات الأساسية، وقيَّدت حرية الحركة.

وكما الحال في كثير من مناطق اليمن، فقد ضربت تعز موجة هائلة ومروعة من داء كوفيد-19. كما أن الطرق الرئيسية في تعز مازالت مغلقة منذ عدة سنوات، مما تسبب في عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة للسكان، فهي مدينة محاصرة”.

قضية حصار تعز

الناشطة السياسية وأستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتورة ألفت الدبعي، اعتبرت تناول المبعوث في إحاطته الأخيرة، قضية حصار تعز، بادرة جيدة، وكتبت على صفحتها في “فيسبوك”، تقول إن “الجهود الأخيرة التي بذلها محافظ تعز مع قادة الأحزاب السياسية، في إيجاد معادلة توحيد لمواقف تعز السياسية، جهود تُحترم، وهو ما عكسه الخطاب المرسل إلى المبعوث الأممي بمطالب تعز، وانعكاس ذلك على خطاب المبعوث لمجلس الأمن”.

يرى بعض المراقبين أن قضية حصار تعز ومعاناة السكان بسبب الحصار الحوثي، بدأت تظهر وتحظى باهتمام من قبل المبعوث الأممي.

يمنح ذلك شعورًا أفضل من أجل التعامل بإنصاف مع القضايا دون تمييز. وبالنسبة لشريحة واسعة من السكان، ومن خلال ما تعكسه آراء العشرات على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية النقاشات والجهود الدولية الجارية من أجل إنهاء الحرب في اليمن، فإن مطالب الحوثيين برفع الحصار الخارجي يجب أن تكون مقرونة باستعدادهم لرفع حصار تعز وإنهاء معاناة سكانها وفتح كامل الطرقات في باقي المحافظات.

شرط أممي محدد

بينما توقعت جماعة الحوثي أن تتم الاستجابة لمطالبها برفع كامل للحصار البحري والجوي المفروض علي مناطق سيطرتها، جاء الموقف الدولي مخالفًا لتوقعاتها. إذ دعا غريفيث الطرفين إلى التوقيع أولًا على اتفاق وقف شامل لإطلاق النار في عموم البلاد، والذي يعني، بحسب كلمة غريفيث، أن “تصمت البنادق، وأن يتم فتح الطرق التي أغلقتها جبهات القتال لوقت طويل، تدريجيًا للسماح بمرور البضائع، الإنسانية منها أولًا، ثم تمكين الناس من الحركة بحرية، ليتمكن الأطفال من الذهاب إلى المدرسة دون عوائق، وليعود العمال إلى أماكن عملهم عبر الخطوط التي أعاقت ذلك”.

اشترط غريفيث التوقيع على الاتفاق أولًا، وفي ما يشبه ردًا على مطالب جماعة الحوثي، قال إنه بمجرد التوقيع على اتفاق وقف شامل لإطلاق النار، فإن جملة خطوات ستتحقق من اليوم التالي: “في الحديدة ستتم إزالة عوائق دخول السفن، مما سيسمح لجميع السفن التي تحمل النفط وغيره من السلع الأساسية بالرسو وتفريغ بضائعها وحمولاتها، وسوف تُوجَّه الإيرادات من الضرائب على هذه السفن إلى رواتب موظفي الخدمة المدنية.

وسيشهد مطار صنعاء رحلات جوية إلى وجهات محلية ودولية. سيعود الطلاب إلى ديارهم، وسيسافر المرضى لتلقي العلاج”.

جماعة الحوثي: غريفيث يشرعن لاستمرار الحصار

عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي محمد علي الحوثي، انتقد الإحاطة، وقال في تغريدة له على “تويتر”، إن الإحاطة “علقت الاحتياجات الإنسانية جراء جريمة الحصار على الحل السياسي”، وأن “السيد غريفيث بموقفه في مجلس الأمن يشرعن لاستمرار جريمة الحصار، ويؤكد أن كل الإجراءات التي يستخدمها العدوان الأمريكي السعودي ضد الجمهورية اليمنية، غير مدانة بنظرهم، بل تجري بعلمهم وموافقتهم”.

على الرغم من تبني المبعوث الأممي في إحاطته وتبني بيان مجلس الأمن تلبية بعض مطالب جماعة الحوثي، والدفع لتسهيل مرور سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، أبدت الجماعة امتعاضها من الإحاطة ومن بيان مجلس الأمن الدولي حول اليمن، الذي صدر في 18 أبريل 2021.

إقرأ أيضاً  توقف الزراعة في بساتين صنعاء القديمة 

وتتمسك جماعة الحوثي برفع الحصار الخارجي، ولا تتحدث بشأن حصار تعز، وكل ما قامت به مؤخرًا في ذروة الحديث عن حصار تعز، السماح بإرسال 300 صندوق بلاستيكي للنفايات في المكاتب، تابعة لصندوق النظافة ومخزنة في مخازن بمنطقة الحوبان تحت سيطرة الحوثيين.

وتداول ناشطون على وسائل التواصل صورًا لشاحنات تحمل صناديق قمامة مكتبية فارغة وصلت إلى مدينة تعز، قادمة من الحوبان، وعبر الطريق الطويل الذي يمر بعدة مديريات.

وفقًا لعدد من سكان تعز، فإن جزءًا من معاناة مدينة تعز المحاصرة، منذ سنوات، تكدس القمامة وتفشي الأمراص، نتيجة منع جماعة الحوثي مرورها إلى مقالب القمامة في الطرف الغربي للمدينة في منطقة تحت سيطرة الجماعة.

موقف دولي موحد

بعد يومين على إحاطة غريفيث، ورغم موقف جماعة الحوثي التي انتقدت الإحاطة، واعتبرتها شرعنة “للحصار المفروض على اليمن”، بحسب تغريدة محمد علي الحوثي، أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا أدان التصعيد المستمر في مأرب، باعتباره تهديدًا لجهود السلام، ويفاقم الأزمة الإنسانية، ودعوا الحوثيين إلى إنهاء تصعيدهم في مأرب، وندد المجلس بالهجمات الحوثية عبر الحدود ضد السعودية.

المبادرة السعودية: ترحيب دولي ورفض حوثي

ورحب مجلس الأمن بـ”إعلان المملكة في 22 مارس، الذي تدعمه حكومة اليمن، حول إنهاء الصراع في اليمن، والتوصل إلى حل سياسي شامل”. المجلس اعتبر الإعلان “متماشيًا مع اقتراح المبعوث الأممي الخاص بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي والسماح بحرية حركة السفن لإدخال الوقود والسلع الأخرى عبر ميناء الحديدة وفقًا لاتفاق ستوكهولم.

ودعا جميع الأطراف إلى الانخراط البناء في جهود المبعوث غريفيث، والتفاوض من دون شروط مسبقة على وقف فوري لإطلاق النار على مستوى البلاد والتوصّل إلى تسوية سياسية بإرادة يمنية، بما يتفق مع الأحكام ذات الصلة من قرارات مجلس الأمن الدولي بما في ذلك القرار 2216 (2015) والقرار 2565 (2021)”.

موقف جماعة الحوثي من بيان مجلس الأمن، عبر عنه القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي، في تغريدة على “تويتر”، قال فيها إن “مجلس الأمن يتحمل مسؤولية المجاعة التي يخشاها في اليمن”.

بناء السلام يوجب عدم إغفال قضية حصار تعز

وتقول الدبعي لـ”المشاهد” إن “مبادرة السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن إيجابية، وتضع الحوثيين في اختبار حقيقي إن كانوا ينشدون السلام حقًا، أم جماعة تسعى لحروب مستمرة، لكنها مبادرة فيها قصور، إذ غضت الطرف عن قضية هامة، وهي الحصار الداخلي الذي تتعرض له تعز منذ سنوات”.

مضيفة: “ينبغي لأية مبادرة دولية أو إقليمية للسلام، ألا تهمل قضية حصار تعز، لأنه لن يكتب النجاح لأية مبادرات للسلام دون فك حصار تعز”.

السلام الحقيقي يعني إنهاء الحصار الخارجي والداخلي

يتشارك كثيرون وجهة النظر القائلة بضرورة إنهاء الحصارين الخارجي والداخلي بوقت واحد، كبوابة نحو سلام حقيقي.

ترى الدكتورة الدبعي لـ”المشاهد” إن تركيز المشاورات والنقاشات بين الأطراف الدولية والإقليمية على مطار صنعاء وميناء الحديدة فقط، دون الإشارة إلى قضية حصار تعز، هو تعامل غير متوازن ومنظور لا يؤسس لسلام حقيقي ينفع اليمن واليمنيين.

خطاب إيراني للخارج

وفي مواجهة خطاب دبلوماسي تتبناه الدبلوماسية الإيرانية خارجيًا، باعتبار أن الشعب اليمني يتعرض لحصار خارجي ظالم يجب أن ينتهي، يلاحظ أن الإشارة من قبل المبعوث الأممي أو أي من المسؤولين الدوليين إلى حصار تعز، يعيد تصويب الصورة المجتزأة التي يروجها محور إيران في الخارج عن الحصار الخارجي على الشعب اليمني المظلوم، لإخفاء المقتضيات التي فرضت ذلك، وأبرزها دور إيران السلبي في اليمن، وانتهاكاتها وللتعتيم على الحصار الداخلي الأكثر ظلمًا الذي تفرضه جماعة الحوثي على تعز ومناطق أخرى.

ويرى مراقبون أن ملف حصار تعز يشكل فرصة حقيقية للمعالجة كطريق نحو السلام، ولإسقاط خطاب إيران والحوثيين عن جريمة الحصار الخارجي الظالم على اليمن، بينما يمارس الحوثيون المدعومون من إيران حصارًا جائرًا على تعز، وتضييقًا على ملايين اليمنيين في عدة محافظات أخرى.

إصرار حوثي على رفع الحصار الخارجي أولًا ورفض دولي

مطالب الحوثيين برفع الحصار البحري والجوي عن اليمن، تعود لوقت مبكر، لكنها وفق مراقبين تفتقر للوجاهة، لكون جماعة الحوثي تصر على حصار تعز، ولا تبدي استعدادًا لأية خطوات تعالج مخاوف رفع الحصار في ظل تزايد نفوذ إيران في مناطق سيطرة جماعة الحوثي شمال اليمن. في ديسمبر 2020، قال المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام، للمبعوث غريفيث، إن “أية مقاربة بدون رفع الحصار عن اليمن، ستفشل”.

وأعلنت جماعة الحوثي رفض المبادرة السعودية التي أعلنت في 22 مارس، لوقف إطلاق النار واستئناف الرحلات إلى مطار صنعاء وفتح ميناء الحديدة وفق اتفافية ستوكهولم.

وكان لافتًا إعلان جماعة الحوثي رسميًا موقفها من مبادرة السعودية، بعد خطاب لزعيم حزب الله حسن نصر الله، حثهم فيه على الرفض والتمسك بالرفع الكامل للحصار على اليمن.

كما أن ترحيب مجلس الأمن الدولي بالمبادرة السعودية يشير بشكل غير مباشر إلى الطرف أو الأطراف التي تعوق مسار السلام وتصر على الحرب.

موقف المجلس اعتبره مراقبون في مجمله رفضًا دوليًا لشرط الحوثيين برفع الحصار الخارجي أولًا قبل أية مفاوضات سلام، وتضمنته إحاطة غريفيث في مجلس الأمن، عن معاناة مدينة تعز في ظل حصار الحوثيين لها، بمثابة تذكير للحوثيين الذين يتحدثون عن جريمة الحصار الخارجي من خلال تذكيرهم بجريمة الحصار الداخلي لتعز.

مقالات مشابهة