المشاهد نت

“المغرر بهم ” … مواطنة على الهامش وحياة في ثوب الخيانة

صنعاء – عبدالله خالد :

عشرات الاتصالات تلقاها النازحون الذين فروا من جماعة الحوثي، بعد سيطرتها على صنعاء ، إلى محافظة مأرب (شرق اليمن)، من قيادات ووجاهات اجتماعية ومشائخ وعقال حارات، تطالبهم بالعودة، والكثير من الوعود التي تسبق لغة التهديد والوعيد.
محمد (اسم مستعار، بناء على طلبه) واحد من الذين تم التواصل معهم من قبل قيادي في الجماعة يطالبه بالعودة، مقابل الأمان والحفاظ على منزلته ومكانته التي حصل عليها في مأرب، لأن اقتحام المحافظة لا رجعة عنه، وعليه اغتنام الفرصة، كما أخبره الرجل.
وقال محمد: “لم أستطع إقناعه أني لست قائدًا عسكريًا كما وصفني، ووعدني بالحصول على نفس الرتبة العسكرية والسيارة، وتلبية جميع طلباتي، وعندما يئست من إقناعه حاولت مجاراته بالكلام، وقدمت الكثير من الطلبات، فوافق عليها جميعًا”. وعلى الرغم من تأكيد المتصل تقديم الضمانات والحماية، إلا أنه لم يفصح عن اسمه ومحافظته، واكتفى بذكر كنيته، مما أثار استغراب محمد، فسأله ما الذي يجعله خائفًا من التعريف بنفسه؟ وكيف سيحميه وهو لم يجرؤ على إخباره بمن يكون؟

ترغيب وترهيب

طالت مدة الاتصال والشد والجذب بين القيادي الحوثي ومحمد الذي راح يعدد مزايا مدينة مأرب، وكيف صارت آمنة تحتضن الجميع، ومشاريع البناء والعمران، وتوفر المشتقات النفطية بأسعار مقبولة، والخدمات الأساسية والكهرباء المجانية، ويقارنها بالوضع في صنعاء التي يسكنها الخوف والظلم والأسواق السوداء، فارتفعت نبرة الغضب بصوت المتصل، لكنه حاول تصنع الهدوء، بحسب محمد.
وخلال النقاش أخبره محمد بتاريخ الغدر والخيانات التي تحفل بها سيرة جماعة الحوثي، وضرب أمثلة من المشائخ والشخصيات الاجتماعية التي تمت تصفيتها على الرغم من ولائها للجماعة، فتغيرت لهجة المتصل، وتحولت الوعود والأماني إلى تهديد، سيدفع ثمنه محمد غاليًا عند اقتحام مأرب، وسيخسر كل ما تركه خلفه في صنعاء، كما أخبره المتصل.

استراتيجية حرب لجماعة الحوثي

“المغرر بهم” هو المصطلح الذي أطلقه الحوثيون على الملتحقين بركب الحكومة، لكن استخدامه توسع مع بدء الهجوم على مأرب، كإحدى الاستراتيجيات المتبعة لزعزعة المحافظة من الداخل، وتحييد أكبر قدر ممكن من المدافعين عنها.
وفي سبيل تحقيق الغاية، عقد مجلس النواب بصنعاء والحكومة التابعة لهم، اجتماعات مكثفة لتشكيل لجان التواصل على مستوى المحافظات والمديريات والأحياء، وطلب من المشائخ التواصل مع كل المنتمين لقبائلهم في مأرب، وحثهم على العودة بشتى الوسائل.
وبحسب مراقبين، لم تكن استراتيجية التواصل مع من سموهم المغرر بهم، الوسيلة الوحيدة للإسهام في اقتحام مأرب، فقد سبقتها اجتماعات ولقاءات تحشيد وإعلان النفير العام في كل المحافظات.

تعامل الحوثيون مع كل العائدين إلى صنعاء والمحافظات الخاضعة لهم، كخونة ومواطنين من الدرجة الثانية، حتى وإن لم تكن لهم أية علاقة بالمؤسسة العسكرية والمشاركة في المعارك القتالية. وبحسب أحد العائدين (رفض ذكر اسمه)


ويؤكد المراقبون أن حادثة اعتقال أجهزة الأمن بمأرب لخلية نسائية متهمة بزراعة وتوصيل الألغام والمتفجرات، استُغلت كوسيلة إضافية لتحريض الناس على مأرب وأهلها بحجة الاعتداء على النساء والعرض، وللدفاع عن الشرف، مستغلين الحادثة في دغدغة عواطف اليمنيين وإثارة مشاعر النخوة لتحقيق أهدافهم العسكرية.
ولم تقف جماعة الحوثي عند هذه الأساليب، واستخدمت الدين لتحقيق انتصاراتهم، إذ اعتبرت الحرب على مأرب تقوم على توجيهات إلهية كما ذكر علي البخيتي، محافظ ذمار، خلال لقاءاته بالقبائل، وأكد أن “النصر فيها انتصار للأمة الإسلامية قاطبة”.

إقرأ أيضاً  مطابخ خيرية تخفف معاناة الأسر الفقيرة في رمضان

تجارب مريرة لعائدين سابقين

وتعامل الحوثيون مع كل العائدين إلى صنعاء والمحافظات الخاضعة لهم، كخونة ومواطنين من الدرجة الثانية، حتى وإن لم تكن لهم أية علاقة بالمؤسسة العسكرية والمشاركة في المعارك القتالية. وبحسب أحد العائدين (رفض ذكر اسمه) إلى صنعاء بعد فترة نزوح في محافظة عدن (جنوب اليمن)، فإنه بسبب عدم قدرته على تحمل نفقات العيش والنزوح، فقد تعرض للعديد من الإجراءات الأمنية والاضطهاد، وفرضت قيود على تحركاته وتواصله مع الآخرين، ويتم التعامل معه كجاسوس وخائن وليس له حق المواطنة، كما يقول.
ويتفق معه مصدر مطلع في الإعلام الأمني بصنعاء، إذ يقول لـ”المشاهد”: “العائدون من صفوف ما يسميه العدوان ومرتزقته، تطبق عليهم قيود أمنية تبدأ بترقيمهم وفق آلية خاصة بالعائدين، وتتم مراقبة تحركاتهم وتواصلهم لضمان عدم استخدامهم وتجنيدهم مع الطرف الآخر”.
ويعيش العائدون أو من يسمونهم المغرر بهم، حالة من الخوف والترقب وسط قيود تحرمهم حق المواطنة المتساوية، وتجعل حياتهم مسلوبة بإجراءات أمنية مشددة تحكمها نظرة التخوين والعمالة.

مقالات مشابهة