المشاهد نت

أزمة الممارسة الصحفية في اليمن في ظل جائحة كورونا

صنعاء – محمود سعيد

تعاملت السلطات المحلية المختلفة الحاكمة في اليمن بأسلوب قمعي ضد الصحفيين الذين يقومون بتغطية تفاصيل جائحة كورونا، و في صنعاء وعدن اتخذت السلطات اجراءات قامت بتقييد العمل الصحفي .

أعاقت هذه الاجراءات حصول الصحفيين على المعلومات الدقيقة التي توصف الجائحة وتقيس مدى انتشارها وخطورتها. واستطاعت السلطات التضييق على العاملين في المجال الإعلامي لاعاقتهم من التعاطي مع القضايا المرتبطة بالفيروس، واعتبرت هذه القضايا جزء من الامن القومي يحظر المساس بها.

ففي صنعاء قامت جماعة أنصار الله الحوثيين بحجب المعلومات الحقيقة التي تصف الوضع الصحي في مناطق سيطرتها.

بينما في عدن تلقى صحفيون تهديدات شخصية بسبب نقلهم لمعلومات تتعلق بانتشار فايروس كورونا في عاصمة البلاد المؤقتة من قبل جهات تابعة للمجلس الانتقالي الذي يسيطر على مدينة عدن.

أما الحكومة المعترف بها دوليا فقد شكلت لجنة عليا من مهامها الإفصاح عن حالات الإصابة وحالات الوفاةفي المناطق التي تسيطر عليها، إلا أن الصحفيين ظلوا مقيدين حيال تغطية انتشار العدوى ولاقت الارقام التي أعلنها اللجنة تشكيكا متواصلا في صحتها.

ونشر صحفيون ومدونون يمنيون شكاوي تتحدث عن تعرضهم لمضايقات وتهديدات من قبل أشخاص على صلة بالسلطات الحاكمة بسبب تناولهم لقضايا كوفيد ١٩.

وتظهر الشكاوي المنشورة أن السلطات في صنعاء وعدن قامت بتغييب المعلومات الحقيقة عن مدى خطورة وانتشار الفايروس.

وبحسب الشكاوي أن المضايقات تكون بشكل مباشر عن طريق بعض الشخصيات التابعة للسلطات أو من خلال التهديد الضمني في وسائل التواصل الاجتماعي.

منهم من توقف عن العمل

ولخص جمال حسن (الاسم مستعار) وهو صحفي يعمل في محافظة ذمار منذ العام 2003، الوضع الصحفي الذي رافق الجائحة وطريقة تعامل السلطات معه بالقول:” كان الصحفيون امام خيارين، إما الرضوخ لسياسية التكتم والاكتفاء بما يصدر من تصريحات عقيمة صادرة عن وزارة الصحة العامة والسكان واللجان المشكلة ومنظمة الصحة العالمية، أو البحث عن المشكلة وابعادها، لكن الخيار الأخير تسبب في احداث مشاكل امنية ونفسية”.

ويضيف أن السلطات فرضت رقابة شديدة وقيود امنية على كل من كتب أو تناول قضايا متعلقة بفيروس كورونا وأنهم يعتبرون موضوع جائحة كورونا موضوعا أمنيا وأنه من اختصاص المؤسسات الامنية.

حسن توقف عن العمل بعد تلقيه مكالمة هاتفية من قبل أحد المشرفين التابعين لجماعة أنصار الله الحوثية، أخبره فيها بالكف عن النشر حول فايروس كورونا.

وقد أكدت الأمر ذاته منظمة مراسلون بلا حدود، في تصنيفها العالمي لحرية الصحافة تحت عنوان “التصنيف في زمن كورونا” الذي صدر في أبريل من العام الماضي ٢٠٢٠.

وقالت المنظمة أن التصنيف يشير إلى وجود علاقة بين قمع حرية الصحافة في سياق وباء فيروس كورونا وموقع الدول على جدول الترتيب.”

ومثلت جائحة كورونا فرصة للدول الأسوأ مرتبة من أجل تكثيف إجراءاتها القمعية وهجماتها على الصحافة أو حتى لفرض تدابير من المستحيل اعتمادها في سائر الأوقات.

ووفقا لتصنيف المنظمة فان عدد الاعتقالات والايقاف التعسفي بحق الصحفيين قد تضاعف أربع مرات بين شهري مارس/آذار ومايو/أيار 2020، وذلك تزامنا مع بداية انتشار فيروس كورونا عبر العالم.

ووثقت المنظمة اعتقال 135 صحافيا حول العالم لأسباب تتعلق بجائحة كورونا.
.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء يوسف الحاضري في تصريح له أن السلطات اتخذت إجراءات تمنع تناقل الشائعات التي تثير الرعب لدى السكان.

ويقول نبيل الاسدي عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين أن النقابة تلقت عددا من الشكاوى لصحفيين تعرضوا للتهديد والمنع من قبل السلطات في اليمن لأسباب تتعلق بتغطيتهم لجائحة كوفيد ١٩.

واضاف “السلطات في اليمن كانت وباءا على الإعلام والصحفيين خلال جائحة كوفيد ١٩، وحالة المنع والمضايقات تسببت في زيادة الوباء وبالتالي ارتكبت السلطات جريمة في هذا السياق،” بحسب وصف الاسيدي لاوضاع الصحفيين خلال جائحة كوفيد ١٩ في تصريحات إعلامية.

ومنهم من توفي

متأثرا بإصابته بفايروس كورونا توفي صحفي يمني في محافظة تعز جنوب غربي اليمن في ظل افتقار الإعلاميين لادوات ومعدات الحماية من الإصابة بالفايروس.

وقالت مصادر إعلامية إن نائب مدير الأخبار في قناة “يمن شباب”، الصحفي عبدالقوي العزاني، توفي في أحد مستشفيات تعز متأثرا بإصابته بفيروس كورونا خلال شهر ابريل نيسان الماضي.

وسبق أن عمل العزاني مراسلا ومتعاونا لعدد من وسائل الإعلام في تعز.

وتوفي العزاني في وقت كانت محافظة تعز تشهد نفسيا لفايروس كورونا وكانت مستشفيات المحافظة تمر بأزمة كبيرة تكاد تفقدها السيطرة على الوباء .

ومنهم من فقد القيم الصحفية ومنهم من عانى نقص البيانات

وصف الدكتور محمد الشميري رئيس نادي القراءة بمحافظة الحديدة في تصريح لموقع اخباري يمني قائلا: “لم أجد وسيلة إعلام واحدة تعاملت مع الوضع بمهنية، كلها موجهة بما يخدم سياسة راعيها، فالتابعة لجماعة الحوثي تنتهج التكتم والتضليل وتجارة الوباء، والتي مع الحكومة فقيرة المعلومات خجولة الطرح”.

إقرأ أيضاً  مرصد الحريات يصدر تقرير الحريات الإعلامية السنوي ٢٠٢٣

ويقول الشميري أن العمل صعب في ظل الجائحة، لكنه تمنى التزام الصحفيين الحد الأدنى من العمل المهني؛ حتى تعود بعض الثقة فيها.

وكتعاطيه مع الأزمة السياسية الحاصلة في البلاد، والصراع العسكري المتفاقم، تعاطى الإعلام اليمني مع أزمة تفشي فيروس كورونا، من حيث التغطية المنتقاة، والمعلومات الشحيحة، واصطناع موجة من الاتهامات المتبادلة بتحميل كل طرف للآخر مسؤولية توسع نطاق تفشي الفيروس، فيما انتهجت وسائل إعلام أخرى سياسة التهويل وإثارة الذعر، بعيداً عن نقل الواقع كما هو، ودون الأخذ بالقيم المهنية في مثل هكذا أزمات.

وقال حمدي رسام مدير البرامج في مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن ان هناك لغط لدى الكثير من الصحفيين في استخدام المصطلحات المتعلقة بكورونا، وهناك ممارسات صحفية لم تراعِ المبادئ، والأخلاقيات الصحفية في تناول موضوع كجائحة “كوفيد 19″، فكان الدليل استجابة لردم هذه الفجوة الموجودة لدى كثير من الصحفيين والناشطين في اليمن.

واضاف رسام أن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي كان له السبق في إعداد ونشر دليل التغطية الصحفية الجيدة لفيروس كورونا في اليمن، كوثيقة معرفية ومنهجية لتطوير مهارات الصحفيين اليمنيين في مجال التغطية الصحفية الجيدة للأمراض والأوبئة، وبخاصة جائحة كوفيد- 19. ولخّص الدليل أهم القواعد المهنية في التغطية حول فيروس كورونا.

عمل رسام أيضاً على تصميم قاعدة بيانات تفاعلية تضم إحصائيات المصابين على مستوى الجمهورية، معتمداً في ذلك على المعلومات المقدّمة من الجهات الرسمية.

وعن الهدف من ذلك يقول: “في البداية كنت أبحث عن جهة توفر إحصائيات شاملة، لكني لم أجد، فقررت تصميم قاعدة بيانات شاملة للمحافظات اليمنية، وتُحدَّث بشكل يومي، وهي تفاعلية، وفي متناول الجميع، للاطلاع على البيانات، سواء على المستوى العام أو على مستوى المحافظات”.

على النسق ذاته، وبنطاق أوسع، نظمت القرية الإعلامية للتنمية والمعلومات، حملة رقمية على منصات التواصل الاجتماعي، للتعريف بممارسات التغطية الصحفية الجيدة والمسؤولة لجائحة كورونا (كوفيد 19).

حملة “الصحافة مسؤولية” شارك فيها عدد من الصحفيين والصحفيات، في إطار فيديوهات قصيرة وبوسترات رقمية، كموجهات وإرشادات تخص التغطية الجيدة والمسؤولة للفيروس التاجي.

المشهد الإعلامي يتسم بالقمع

أعلن مرصد الحريات الاعلامية التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي عن تسجيل 36 حالة انتهاك تعرض لها صحفيين يمنيين ومؤسسات إعلامية خلال النصف الاول من العام الحالي 2021م، تنوعت بين اختطاف واصابة واعتداء وتهديد واستهداف مؤسسات اعلامية.

وتنوعت الانتهاكات بين 7 حالات اعتقال وحالة اختطاف واحدة وحالة اصابة و7 حالات تهديد و4 حالات اعتداء و4 جلسات محاكمة وحالة انتهاك مورست ضد وكالة سبأ للأنباء الرسمية و11 حالة اخرى.

ويؤكد التقرير بأن جماعة انصار الله الحوثيين تتصدر قائمة الانتهاكات ضد الصحفيين بواقع 15 حالة انتهاك من إجمالي الحالات المسجلة، و 9 حالات انتهاك مارستها أطراف تابعة للحكومة المعترف بها دوليا، و 2 حالتي انتهاك مارستها أطراف تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، و6 انتهاكات قام بها مجهولين، و4 حالات انتهاك مارسها متنفذين.

وفي ذات الوقت ما تزال جماعة أنصار الله الحوثيين ترفض الافراج عن 8 صحفيين مر على البعض منهم أكثر من خمسة أعوام حكمت على اربعة منهم بالإعدام.

و بحسب تقرير المرصد فإن المشهد الإعلامي يتسم بوقائع القمع والانتهاكات وصدور احكام اعدام بحق صحفيين الى جانب شعور الجناة أنهم بعيدون عن يد العدالة والعقاب.

ورصد التقرير خلال النصف الأول من العام الحالي 13 حالة انتهاك بمدينة صنعاء، و11 حالة انتهاك بمدينة تعز، و 4 حالات انتهاك بمدينة عدن، و3 حالات انتهاك بمدينة حضرموت، و 2 حالتي انتهاك في كل من مدينة اب ومارب، حالة انتهاك واحدة بمدينة شبوة.

وقالت نقابة الصحفيين اليمنيين إن ” كل الجرائم المرتكبة بحق الصحافة والصحفيين لا تسقط بالتقادم”.

وشددت خلال بيان لها بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة خلال العام الجاري ٢٠٢١ على أنه ” لابد لأعداء الصحافة أن ينالوا عقابهم، ولحالة الإفلات من العقاب أن تنتهي”.

وجددت نقابة الصحفيين دعوتها لكافة الأطراف لإيقاف الحرب على الصحافة، وإنهاء حالة الطوارئ غير المعلنة تجاه الحريات، والسماح بعودة التعددية الصحافية كخطوة أولى منها لإثبات حسن النية لاستعدادها للسلام وإنهاء الحرب.

“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.

مقالات مشابهة