المشاهد نت

يمنيات يبحثن عن الحياة وأُخريات يفكرن بالانتحار

في كل صباح تمر أم إبراهيم على أبواب البقالات والمحال التجارية في الحي الذي تقطن فيه بصنعاء وتأخذ المخلفات الملقية من “أوراق الكارتون” الخاصة بالبضائع لتستفيد منها في طهي طعامها بعد أن وجدت نفسها غير قادرة على شراء غاز الطهي منذ أكثر من عام.

توقف راتب أم إبراهيم من الضمان الاجتماعي الذي كانت تتسلمه من الدولة قبل عام ونصف، وتوقف راتب طفليها من مؤسسة اليتيم التنموية، وباتت تعتمد على ما تجمعه من بقايا علب البلاستيك ومايجمعه  طفلها ذو العشر سنوات من أرباح لاتكاد تذكر من بيعه للآيسكريم.

نزحت أم إبراهيم مع إبنها وإبنتها من حرض بمحافظة حجة مع بداية “عاصفة الحزم”، وتم نقلها مع عشرات النازحين إلى صنعاء وإيوائها بمدرسة حسان في هبرة، لكن مع بداية الدراسة العام الماضي تم إخراجهم وإيقاف المساعدات عنهم ما دفعها لاستئجار حانوت صغير يأويها هي وطفليها.

الآلاف من الأرامل تضررن

أم إبراهيم واحدة من آلاف النساء “الأرامل” اللواتي وجدن أنفسهن ربات أسر بلا معين، وسط حرب تسببت في توقف ما كانت تجود به المنظمات الخيرية  ورجال الخير لهذه الفئة الاجتماعية، وضعف دور المنظمات الدولية في تقديم المساعدات الإنسانية خصوصا مع زيادة حالات النزوح واتساع دائرة الاقتتال.

لا توجد حتى الآن إحصائية بعدد الأرامل في اليمن، المؤكد أن ما تشهده اليمن من حروب لم تخمد نارها منذ  2004م خلفت وراءها آلاف الأرامل والأيتام، إذ تسببت هذه الحروب في مقتل أكثر من 30 ألف شخص خلال حروب صعدة، ومايزيد عن ستة آلاف قتيل منذ بدء عاصفة الحزم.

آلاف النساء فقدن عائلهن في الحرب، وهناك آلاف أخريات فقدن عائلهن لأسباب وفاة أخرى.

تعددت القصص والمعاناة لنساء اليمن.

وتختلف معاناة الأرامل في اليمن في ظل ظروف الحرب التي تشهدها البلاد، وقد تكون (أم إبراهيم) أسعد حظا من كثيرات ممن فقدن عائلهن.

“أم هاشم المشرقي” نزحت من صعدة إلى صنعاء لم تفقد زوجها فقط في الحرب الرابعة، بل إن نجلها الوحيد قتل خلال عملية أمنية في صنعاء بعد شهرين فقط من تخرجه من الثانوية العامة.

ورثت أم هاشم من زوجها بيتا في صنعاء، وتعيل ابنتها المطلقة إلى جانبها، ومشكلتها ليس فقط في أنها أصبحت بلا معيل، بل إن أبناء زوجها من زوجته الأولى استحوذوا على ما ورثته عن زوجها، وما ورثه ابنها هاشم تاركين إياها بلا مأوى وبلا معيل.

تتهم أم هاشم إخوان ابنها غير الأشقاء بالزج بابنها مع أنصار الله (جماعة الحوثي) بعد أن وعدوه بتوظيفه  في الجيش، وعندما قتله من أسمتهم بـ “الدواعش” في عملية أمنية بصنعاء لم تجد سوى 200 ألف ريال وسلة غذائية.

أما راتب زوجها فتؤكد أم هاشم أن زوجها قتل عندما كان يقاتل مع جماعة الحوثي في صعدة في الحرب الرابعة، ولا يوجد له راتب شهري، لكنها قالت إنهم وعدوها باحتساب زوجها وابنها شهداء واعتماد راتب أساسي لهما بعد انتهاء هذه الحرب.

عندما يصبح الموت أمنية

وبعيون ملؤها الأسى والدموع تروي (أمة الرحيم حسين) معاناتها لـ”المشاهد”، متمنية لنفسها “الموت” بعد أن ضاق بها الحال وأصبحت في عيشة لاتطيقها.

أمة الرحيم – التي نزحت هي الأخرى من حرض– باتت أمام خيارين أحلاهما مر،  فإما أن تقبل مرارة العيش وبؤسه وتربي أطفالها، أو تترك أطفالها وبؤسهم وتقبل بالزواج كخيار يقيها بؤسها.

تعول أمة الرحيم ولدين وبنت أكبرهم في سن التاسعة وأصغرهم ثلاث سنوات، ونزحت إلى صنعاء مع بداية الحرب الحالية، وسكنت إلى جانب أخيها وتمكن أخيها من توفير فرصة عمل لها في مصنع لإنتاج “المقرمشات”.

كانت أمة الرحيم تقضي 12 ساعة خلال الليل في المصنع وتتقاضى راتبا شهريا مقداره 21 ألف ريال أي مايعادل” 70 دولارا”، وكانت تغطي بهذا الراتب مصاريفها ومصاريف أبنائها.

إقرأ أيضاً  نظرة قاصرة تجاه الصيدلانية في اليمن

تقول: “هذا الراتب رغم أنه بسيط إلا أنه كان يخفف علينا كثيرا، رغم أن أخي يبذل كل ما بوسعه لكي يساعدني، لكن منذ ثمانية أشهر توقف المصنع بسبب الحرب، ولم أجد أية فرصة عمل تغطي مصاريفي، فقمت بإخراج ابني من المدرسة ليذهب للعمل ويوفر مصاريفه هو على الأقل”.

تحكي للمشاهد والحزن ياكل وجنتيها: “أخي أصبح متعب جدا بسببي، وأصبحت أشعر أنني سبب في إدخال التعب عليه .. صرت أشعر أنني عبئ على الحياة وأنني موش بني آدم”. وتتساءل مستدركة: “لكن أين أذهب؟ .. هل أنتحر؟  .. يارب مسني الضر وأنت ارحم الراحمين”.

وعن دور المنظمات في تقديم الإغاثة لها باعتبارها نازحة تؤكد أمة الرحيم أنها لم تلتحق بأية منظمة إغاثة، لأنها بحسب تأكيدها لم تجد منظمات تقدم الدعم للنازحين.

غياب للنشاط الحقوقي

وأمام هذه المعاناة التي تعيشها شريحة الأرامل خصوصا منهن النازحات جراء الحرب يظل العثور على نشاط حقوقي في أوساط هذه الفئة أمر في حكم العدم،  إذ لا توجد منظمات أو حتى مبادرات شخصية تنشط في هذا المجال وبالكاد وجدنا من يتحدث لنا عن قضية الأرامل وأثر الحرب عليهن بعد تواصل شمل عدة منظمات من بينها مواطنة لحقوق الإنسان، واليونيسيف وكل البنات للتنمية  ومنظمات أخرى.

في البداية شكت أمل حسان الناشطة في منظمة “سواء” المعنية بمناهضة التمييز من خفوت النشاط الحقوقي في أوساط فئة الأرامل في اليمن بشكل عام منذ سنوات، وزاد خفوت النشاط الحقوقي وتراجع دور المنظمات مؤخرا نتيجة نقص التمويل وإغلاق أبرز المنظمات الحقوقية في اليمن.

وبحسب حسان فإن فئة الأرامل التي “كانت من أبرز شرائح المجتمع اليمني معاناة في الأوضاع الطبيعية، أصبحت في ظل أوضاع الحرب أكثر معاناة وأكثر بؤسا، فإضافة إلى معاناتها بسبب فقد من يعيلها فإن التشرد أضاف لها معاناة أخرى هي أشد وطأة من معاناتها السابقة”.

وتضيف في حديثها لـ”المشاهد”: “ما يفاقم من مشكلة الأرامل في اليمن أن معظمهن لم يلتحقن بالتعليم وهذا تسبب في حرمانها من فرصة الحصول على وظيفة سواء حكومية أو في القطاع الخاص، ودفع الكثير منهن للبحث عن الزواج بأية طريقة كانت حتى ولو على حساب أطفالها لأنها لاتستطيع إعالتهم”.

أما الأراملة المشردة نتيجة الحرب فهي – بحسب أمل حسان – قصة معاناة من نوع آخر، فإضافة إلى كونها تعيش المعاناة في منزلها إلى جانب أبويها أو إخوانها، فإنها تصبح بعد التشرد بلا معيل وبلا مأوى.

وتضيف: “أعرف نازحات بينهن أرامل نزحن من الحدود السعودية إلى صنعاء، الكثير منهن لم يجدن أمامهن من طريق سوى اللجوء للتسول لسد حاجتهن، حيث تم نقلهن من الحدود دون توفير مخيمات نزوح سوى لفترة خمسة أشهر أثناء توقف الدراسة، وعندما عادت الدراسة العام الماضي تم إخراج النازحين من المدارس دون توفير بدائل مما جعل النازحين بلا مأوى والكثير منهم لجأ لبناء بيوت الصفيح مثلما هو حاصل في جولة عمران”.

هل من حل؟

تتساءل أمل حسان عن الحل لهذه المشكلة، وتجيب في ذات الوقت عن تساؤلها بالدعوة لإيقاف الحرب، لأن إيقاف الحرب في رأيها سيمكن الأرامل النازحات من العودة إلى مناطقهن، كما أنها تأمل من المنظمات الدولية أن تضيف في أجندتها شريحة الأرامل باعتبارها من أكثر الشرائح تضررا من الحرب.

وتتمنى أمل حسان في ختام حديثها لـ”المشاهد” أن تجد في صنعاء دارا يأوي النساء الأرامل لأنهن – بتأكيدها – يتعرضن للظلم والاضطهاد والعنف. لكن هذا الحلم في نظر أمل بعيد المنال في ظل هكذا ظروف تعيشها اليمن.

مقالات مشابهة