المشاهد نت

اليمن … زمن بلا تنوع !!

صورة تعبيرية

تعز – محمد أمين  :

على مدى ما يزيد عن ستة أعوام من الحرب في اليمن كان أبرز مآلاتها في صعيد التضييق على الحريات؛ تصاعد نبرة الخطاب الديني المتشدد والتضييق على حريات الآخرين الدينية منها والإبداعية والثقافية والاجتماعية أيضًا، وقمعها سواء على مستوى أفراد أو جماعات، وهو بكل تأكيد المؤشر الأسوأ، الناتج عن خطاب التأجيج للكراهية من قبل أطراف الصراع في اليمن طوال الحرب، وهو ما يعني تضاؤل مساحة ثقافة التنوع في المجتمع اليمني الذي ظل من قبل مجتمعًا يحترم التنوع الثقافي والإبداعي والديني، فما الذي نسف هذه الثقافة ولماذا؟ وكيف تم ذلك؟ وما أبرز ما حصل في اليمن من أمثله في هذا الاتجاه؟

حدة الخطاب الديني

عام 2015 اندلعت الحرب في اليمن ومعها تزايدت حدة الخطاب الديني لمختلف الجماعات الدينية ضد الآخر المختلف مع هذه الجماعات تارة، وتارة أخرى ضد بعضها البعض؛ فبعد سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء ومختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وهي صنعاء والحديدة وذمار وإب وريمة وحجة والمحويت وصعدة وأجزاء من محافظة تعز، ظهرت بعض الأعمال التي تبنتها الجماعة تدخل في اطار التضييق ومصادرة حريات الآخرين ، ففي منتصف عام 2019 أصدرت جماعة الحوثي تعميمًا بمنع مكبرات الصوت في صلاة التراويح في شهر رمضان .

يقول محمد أحمد (اسم مستعار) وهو أحد المنتمين الى جماعة السلفيين (ينتمون الى المذهب السني)، وكان إمام أحد المساجد في صنعاء وما زال مقيما فيها، في حديثه لـ” المشاهد “”إن بداية التضييق على الحريات الدينية جاء عبر قيام جماعة الحوثي بمنع مكبرات الصوت في صلاة التراويح، تبعتها جملة من إجراءات التضييق والاعتداءات على بعض القائمين على المساجد، الذين حاولوا اقامة صلاة التراويح.

وفي ذات الإطار، تقول انتصار التي تسكن في مديرية الثورة بصنعاء، إنها كانت تذهب في كل مناسبات الأعياد الدينية، مثلها مثل المئات من النساء للصلاة في المصلى العام وهو مصلى يجمع النساء والرجال قبل سيطرة الحوثيين، حيث يؤدين صلاة العيد في مكان مخصص لهن.

 وتؤكد انتصار لـ” المشاهد” أنها لم تعد تسطيع الذهاب لصلاة عيد الفطر والأضحى منذ أربع سنوات. ولم يأتِ كما تقول منع صلاة العيد للنساء بشكل تعميم صريح من قبل جماعة الحوثي، لكن كما تؤكد هي والعشرات ممن تواصلنا معهن في صنعاء أنهن منعن من حضور صلاة العيد من قبل القائمين على المصليات العامة لصلاة الأعياد الدينية من جماعة الحوثي، وأنهن منعن في كل الأماكن التي تقام فيها صلاة بالعيد بدون توضيح الأسباب. وبحسرة تتابع: “حرمونا من متعة العيد، حين كنا نخرج كنساء للمصليات العامة”.

المشهد الإبداعي بأنه أصبح تحت سلطة قمعية تصادر كل ما يخالفها بحجة دينية أحيانًا كون من يقومون بهذه الأعمال يعتبرون في نظر جماعة الحوثي مخالفين لتعاليم الدين.

حالات التضييق على الحريات من منطلق ديني في مناطق سيطرة جماعة الحوثي انعكست أيضا على احترام التنوع الثقافي والفني والإبداعي، ففي شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، قامت جماعة الحوثي باقتحام فعالية لمجموعة من الصحافيين والناشطين وكان عددهم 18 شخصا، وقالت حينها منظمة “سام” للحقوق والحريات في بيان لها إن الفعالية التي ألغتها جماعة الحوثي واعتقلت القائمين عليها كانت حول “مشروع مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام”. وفي ذات الإطار أصبح هامش حرية الإبداع في مجال الفنون أقل مما كان عليه قبل الحرب وقبل سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء.

الفن ممنوع

الممارسات التي قامت بها جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها كما يقول عادل هشام (اسم مستعار) وهو صحافي مهتم برصد الانتهاكات وممارسات التضييق بحق الحريات الإبداعية لـ” المشاهد” ، ان “الممارسات وصلت إلى حد الاعتقالات بحق فنانين غنائيين أو تشكيليين في عدة محافظات تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي”، ويصف هشام المشهد الإبداعي بأنه أصبح تحت سلطة قمعية تصادر كل ما يخالفها بحجة دينية أحيانًا كون من يقومون بهذه الأعمال يعتبرون في نظر جماعة الحوثي مخالفين لتعاليم الدين، وهو ما يأتي ضمن نهج إلغاء التنوع الثقافي والإبداعي في هذه المناطق، واقتصار المشهد على من يخدمون توجههم بشكل مختلف، كأن يتم التضييق على الفنانين الغنائيين ودعم من يعرفون بالمنشدين الذين يقدمون ما يعرف بـ”الزوامل” الشعبية (نوع من الاناشيد الدينية)، باعتبارهم “يخدمون الدين” ولأنهم لا يتناولون القضايا العاطفية كما في الأغنية العادية بحسب هشام .

على الصعيد ذاته لفت هشام الى أن “حالات كثيرة طالت فنانين كان آخرها الاعتداء على حفل يحييه الفنان أصيل أبو بكر في محافظة عمران في بداية شهر تموز/يوليو، وإجباره على توقيع التزام بعدم إحياء أي حفلات غنائية، وتابع أن هناك العديد من الفنانين تعرضوا للاعتقال؛ منهم عازف العود عبد الله الصاعدي، وأجبر على الالتزام بعدم إحياء حفلات غنائية في عام 2019. تزايد حالات مصادرة الحريات الإبداعية فيما يخص الفن بشكل عام، جاءت في ظل تزايد نبرة الخطاب الديني المتشدد في المساجد الواقعة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وهذا ما أجبر بعض الفنانين الشباب على مغادرة اليمن، أو التوقف عن العمل.

إقرأ أيضاً  رداع.. ضحية جديدة في قائمة «تفجير المنازل»

ومن الفنانين الذين اضطروا لمغادرة اليمن بسبب ما تعرضوا له من تهديد وتضييق فنان الراب محمد القباطي، الذي تمت ملاحقته بعد أن قدم أعمالًا غنائية بطريقة الراب في صنعاء، اتهم بسببها أنه يقدم فنًا لا يتوافق مع آداب الإسلام، ويتساءل القباطي: “لا أدري أي فن يريدون يكون على مقياس خطابهم المنغلق”.

وهذا الوضع اضطر الفنان أحمد عسيري عازف وفنان يمني أيضا الهروب من صنعاء الى المانيا، حيث يقول انه “بحث عن السلام، وحاول الهرب من القيود التي المفروضة على الحرية الشخصية والاجتماعية”.

ويستطرد عسيري حديثه لـ” المشاهد “بالقول: “كنت اتلقى اتصالات تهديد بالحبس والاخفاء القسري وتعرضت لمداهمات من قبل مسلحين في بيتنا الواقع في صنعاء، إضافة الى انتهاكات بالضرب لأعضاء الفرقة. كما، فقدت 3 منازل املكها في اليمن، تم مصادرتها”.

تضييق في مناطق الحكومة

لم يختلف المشهد كثيرا في مناطق الشرعية، حيث تقوم جماعات متشددة أو أفراد قائمين على مساجد ومنذ اندلاع الحرب وغياب سلطة الدولة على نسف قيم التنوع في المجتمع من خلال التشدد في خطب الجمعة وارتفاع نبرة الكراهية في انشطتهم التي يسمونها بـ “الدعوية”.

ففي عام 2017 قامت جماعات دينية متشددة في مدينة عدن بقتل الشاب أمجد محمد عبد الرحمن ومطاردة زملائه المؤسسين لنادي “الناصية الثقافي”، وهم مجموعة من المثقفين ورواة القصص والصحافيين.

يقول محمد عبد الرحمن لـ” المشاهد” والد الشاب أمجد: في عام 2015 كان لابني أمجد دور تنويري واسع في المدينة من خلال أنشطة مختلفة، تمثلت في الندوات والأمسيات والفعاليات الثقافية المختلفة، وهو ما قوبل بالرفض من قبل جماعات دينية.

وأوضح ، أن التهديدات بدأت تتوالى حتى وصل الأمر بهم إلى قتل نجله أمجد واعتقال اثنين آخرين فيما اضطر اثنان من مؤسسي النادي إلى مغادرة اليمن.

وأضاف عبد الرحمن أن الجماعات الدينية اعتبرت نادي “الناصية” خطرًا عليهم، فكان هدفهم إيقاف النشاطات التي يقوم بها النادي باستهداف القائمين عليه باعتباره مشروعًا تنويريًا يخالفهم توجههم.

في الإطار نفسه، وفي مدينة تعز الواقعة أيضًا تحت سيطرة القوات الحكومية كان للخطاب الديني المتشدد من قبل بعض خطباء المساجد دور كبير في التحريض على فعاليات قام بها مجموعة من الشباب والشابات في عيد الحب، حيث قام مجموعة من الشباب بالاحتفال مع قريناتهم بعيد الحب في مكان عام في المدينة، لكن هذه الخطوة كان لها انعكاس سلبي على محمد الحريبي أحد المنظمين للفعّالية وهو صحفي ، حيث أصبحت تحركاته داخل المدينة محفوفة بالمخاطر بعد حملة تحريض قام بها إمام أحد الجوامع كما يقول .

ويضيف الحريبي لـ” المشاهد” أنه وزملاءه عاشوا أيامًا من الرعب والخوف من أن يطالهم اعتداء من قبل متشددين من أتباع هذا الإمام. فالتحريض الذي تعرضوا له كان نفسه قبل سنتين قام أحد المتشددين بإحراق سيارة مدير مكتب الثقافة بالمدينة باعتباره من يرعى هذه الفعاليات.

تفجير أضرحة دينية

ومن الممارسات التي تم رصدها في مناطق سيطرة القوات الحكومية في مدينة تعز هو تفجير قبة ومزار “عبد الهادي السودي” أحد علماء الصوفية في اليمن من قبل متشددين عام 2016م، حيث كان أتباع الطائفة الصوفية يقومون بزيارته وممارسة طقوسهم في المزار، وهذا لا يعتبر الحادث الوحيد في تعز بل توالت هذه النوعية من الحوادث في الساحل الغربي لليمن مع تدمير عدد من المساجد والمعالم التاريخية التابعة للطائفة الصوفية من قبل متشددين بحجة أنها “بدعة” في المذهب السني.

ويرى عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في محافظة تعز ماهر العبسي لـ” المشاهد “ أن المشكلة في وقف مثل هذه الممارسات، هو في أن الدستور اليمني لا يوجد به نص صريح يدعو لاحترام الأديان والمعتقدات والمذاهب، ويكفل احترام الشعائر الدينية لكل المواطنين أو المقيمين في الدولة والحد من هذه الانتهاكات والممارسات يأتي عبر إيجاد نصوص صريحة تجرم هذه الأفعال، وتدعو لاحترام كل الأديان والمعتقدات والشعائر الدينية والمذاهب.

الدستور اليمني لايوجد به نص صريح بالقانون يدعو لإحترم الاديان والمعتقدات والمذاهب، ويكفل احترام الشعائر الدينية لكل المواطنين او المقيمين في الدولة.

نتائج كارثية تسببت بها الحرب على صعيد الحريات الدينية والإبداعية والثقافية والاجتماعية، في ظل استمراره وغياب سلطة الدولة وسيطرة الجماعات المتشددة، تتضاعف إجراءات التضييق على الحريات لتتزايد معها معاناة اليمنيين، ويبقى السؤال المطروح، ماذا تخبئ الأيام القادمة، في ظل هذه الصورة القاتمة، على مستقبل الحريات والتنوع في اليمن؟

المادة ضمن مخرجات زمالة الصحافة الدينية بدعم من منظمة انترنيوز

مقالات مشابهة