المشاهد نت

حتى لا تستنزف الحرب الشباب

صورة تعبيرية


محمد علي محروس

في الحرب ما ليس في غيرها، أنتَ لست مخيّرًا، عليك أن تدور في دائرتها، وفلك من يقودون دفّتها، ما لم ستعش تحت وطأة هواجس المرارة القسرية، إذ من المتوقع أن تُجبرك الظروف التي لم تكن طرفًا فيها على سلوك اتجاهٍ إجباري، لا ترضاه مشيئتك، ولا يتواكب مع طموحاتك، لكن كثيرين اتجهوا نحوه، وعليك أن تحذوا حذوهم..

الفرار من الجحيم
سنة كاملة، بأيامها ولياليها، أخذت من ريان الشميري تفكيره، كانت تحدّثه نفسه كي يُقدِم على الخطوة التي اتخذها كثيرون، وفي كل مرةٍ يقرر، يعود إلى البداية، حتى العروض التي وصلته من أصدقائه للانضمام إلى القوات الحكومية يومها، كان يقابلها بموافقة شفهية، وسرعان ما يتردد عنها دون تفسير.
بعد عام من المحاولات الفاشلة، استطاع ريان العودة إلى جامعته، وبدأ ممارسة هوايته المفضلة – كما يقول – كفاعل مدني، يجد نفسه أكثر انتماءً للحياة، ولا يتردد عن مساعدة محيطه في أوج الحرب وما نتج عنها، “كنتُ ككل من في هذه المدينة عرضةً للموت في أي وقت، ولا يعني هذا أن أفرّط بحقي في الحياة”، يقول ريان.
في إحدى ليالي عام 2017 استوقف ريان إعلان لمنظمة محلية على الفيسبوك لبرنامج تدريبي حول القيادات الشبابية في سياق النزاع، قرر التقدّم، وبُلّغ بعد فترة بقبوله، كانت هذه نقطة التحوّل الفارقة لريان، ليجد نفسه أكثر حضورًا وفاعليةً على المستوى المدني.
واصل ريان دون توقّف، لكن عام 2019 توّج نشاطه بحضور دورة تدريبية عن بناء السلام المجتمعي، وإليها يَنسِب ما هو فيه اليوم، فريّان بعدها خاض ثلاث تجارب تدريبية “TOT” في ذات السياق، أصبح بعدها مدربًا متطوعًا، استفاد منه شباب آخرون من محافظات عدة في أكثر من عشر دوراتٍ تدريبية، يضيف: أخطط للمضي قُدمًا في هذا المجال، واتخاذ خطوات تخصصية في تحويل النزاع وبناء السلام.

عودُ ثِقاب
تحتل اليمن مرتبة متقدمة من حيث البطالة على المستويين العربي والعالمي، فوفق معدّل البطالة جاءت اليمن في المرتبة الـ25 عالميًا، والسابعة عربيًا، بنسبة 13.42%، من بين عدد سكانها الذين يصل عددهم إلى نحو 30 مليون نسمة بحسب آخر إحصائيات البنك الدولي.
لا يكفي اليمن أنها في المركز 165 عالميًا على مؤشر الازدهار العالمي للعام 2020، إذ تُضاعف اتساع رقعة البطالة بين الشباب اليمني إلى صناعة واقع جديد تشكّله الحرب وإفرازاتها التي لا نهاية لها.
“الشباب هم المكون الأهم في المجتمع لكن في اليمن تعرضت هذه الشريحة للإقصاء والتهميش وانعدام الفرص منذ فترة ما قبل الحرب، ومع اندلاع الحرب في البلاد توسعت دائرة التهميش، وتحول الكثير من الشباب إلى مقاتلين؛ بسبب الحاجة أو التهميش”، هذا ما يراه مفيد الغيلاني، رئيس مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي.
وحتى لا يكون الشباب عودَ ثِقاب للوضع الراهن، يضيف الغيلاني: “نحن اليوم بأمس الحاجة إلى هذه الطاقات التي استنزفتها الحرب، والتي إن تم استثمارها بشكل جيد ستحدث فارقًا كبيرًا في عملية التغيير، وستساهم في صناعة السلام”.
أما الناشطة الشبابية ثريا الحكيمي فتذهب إلى “أن البرامج التدريبية الحالية المختصة ببناء السلام تعتبر ضعيفة، إذ تُركّز على الجانب التوعوي والتعريف بالسلام، ولا ترقى إلى الدفع بالشباب إلى مستوى المشاركة الفاعلة في صناعة وبناء السلام.
وتتطلع الحكيمي إلى حضور معرفي واسع للشباب يسهم في تمكينهم وصناعة الثقة فيهم من أجل صناعة التغيير والاستمرار في جهود تطبيع الحياة على مستوى البلاد، وحتى لا يكونوا لقمةً سائغة لأطراف الصراع.

إقرأ أيضاً  دور المرأة اليمنية في مواجهة تغيرات المناخ

أهمية محورية
تذهب مؤشرات عدة وتقارير مخصصة إلى إن معدل النمو السنوي في اليمن انخفض من 4,6% في التسعينيات إلى 2,7% عام 2010، ولكنه لا يزال مرتفعًا في المقياس العالمي، ففي عام 2010 بلغ متوسط العمر17,8، وهو أعلى من المتوسط في التسعينيات (14,3)، إضافة إلى ذلك فإن أكثر من نصف اليمنيين وُلدوا خلال العشرين سنة الأخيرة، وهذا يعني أن اليمن دولة في مقتبلِ العمر، ولديها كثافة شبابية بمقدورها فعل الكثير لبلادها المنهكة بالحروب.
“بات السلام مطلبًا ضروريًا وملحًا لكل اليمنيين؛ لذا فمن المهم أن يُصنع توجه شبابي من أجل ذلك”، هكذا يقرأ الدكتور ياسر الصلوي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز أهمية ما يجب أن يكون عليه الشباب اليمني اليوم.
يعيد الدكتور الصلوي الأهمية التي يمثلها الشباب إلى كونهم شريحة فاعلة، ولا يمكن تجاهل مطالبها، وما تريد أن تكون عليه، “على المنظمات المهتمة والفاعلة ضمن مشاريع السلام أن تولي الشباب الأولوية في مشاريعها؛ لأن بيدهم حلولًا محورية للواقع الذي نحن فيه، وبحاجة إلى أن نسمع منهم، ونمكنهم أكثر من أي وقت مضى؛ حتى يكونوا فاعلين أساسيين في القرار السياسي من أجل صناعة السلام”، حسب قوله.
“الديناميكية والحيوية التي يتمتع بها الشباب، وهم في مرحلة تتسم بالعطاء، تحتّم عليهم لعب أدوار محورية لتجنب المزيد من الانهيار الحاصل، وبالتالي الخطوة الأولى التي يجب أن يناضل من أجلها الشباب هي إيقاف الحرب في جميع أنحاء البلاد، والعمل على تطبيع الحياة”، والكلام هنا للدكتور الصلوي.
وبالعودة إلى ريان الشميري فإنه ينصح من هم في سنه باستغلال الفرص المتاحة لبناء قدراتهم وتطوير مهاراتهم، وعدم الانجرار وراء خطابات الجهل والكراهية، وأن لا يكونوا وقودًا للحرب، ولا يسمحوا لأحد أن يفسد حياتهم ويستغلهم في مشاريع ذات أهداف خاصة، كما يقول.
ويعول كثيرون أن يلعب الشباب دورًا فاعلًا لإنهاء حرب عمرها سبع سنوات، خلّفت أكبر أزمة إنسانية وأسوأ أزمة أمن غذائي في العالم مع احتياج أكثر من 20 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة، وهو ما يعني مزيدًا من البرامج التأهيلية والتمكينية للشباب اليمني من قبل المنظمات الدولية والمؤسسات الفاعلة في مجال صناعة السلام وحل النزاع، وذلك إن تم فإنه يعني حضورًا شبابيًا واسع الطيف، سيسهم حتمًا في الوصول إلى سلام طال انتظاره.

منظمة رنين – مشروع إنتاج مواد في صحافة السلام

مقالات مشابهة