المشاهد نت

الأقاليم في اليمن.. كيف ولماذا؟

عدن – ريم الفضلي :


توصلت وثيقة مخرجات “مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن” إلى اعتماد شكل اتحادي للدولة اليمنية بعد انتهاء مؤتمر الحوار في يناير من العام 2014، ثم حدد عدد الأقاليم عبر اللجنة التي ترأسها وشكلها الرئيس هادي في يناير، لحسم مسألة عدد الأقاليم في الدولة الاتحادية المزمن إقامتها في اليمن، بعد أن فشل الحوار الوطني في التوصل إلى قرار توافقي حول الموضوع.
تم توزيع اليمن إدارياً إلى ستة أقاليم، على أن يكون لكل إقليم حكومة وبرلمان خاص به، تدار شؤونه بشكل منفصل، وتدير الحكومة الاتحادية مختلف شؤون البلاد الخارجية والدفاع.

جاء التوزيع كالتالي، إقليم أزال الذي يضم محافظات صنعاء وعمران وصعدة وذمار، وإقليم سبأ، الذي يشمل البيضاء ومأرب والجوف، وإقليم الجند الذي يضم تعز وإب، وأخيراً إقليم تهامة الذي يضم الحديدة وريمة والمحويت وحجة، وجميعها في شمال اليمن.
أما في جنوب البلاد فقد شمل التوزيع إقليم عدن الذي يضم عدن ولحج وأبين والضالع، وإقليم حضرموت الذي يضم حضرموت وشبوة والمهرة وجزيرة سقطرى.
وكان من المتوقع أن يتم الإقرار بأقاليم اليمن في الدستور الجديد في نهاية العام 2014، إلا أنه وبعد التوقيع على مخرجات الحوار، رفض حزب المؤتمر الشعبي العام و جماعة أنصار الله هذا التقسيم، وقاموا بانقلاب ودخلت البلاد في حرب أهلية.
بداية المشكلة
تعود جذور قضية الأقاليم إلى نظام حكم صالح، بالتحديد في 22 مايو 1990 بعد اندماج كلاً من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجارتها الجمهورية العربية اليمنية في الشمال لتعلن قيام دولة الجمهورية اليمنية ويشكل حينها نظام الحكم الباقي حتى اليوم بصورته.
أربعة أعوام فقط على عملية التوحيد التي لم تتخد شكلها الحقيقي بعد، لتندلع حرب أهلية دموية قصيرة كان الشمال هو الطرف الأقوى والمسيطر والمنتصر فيها، ولكن ذلك لم يغلق الملف وبدأت تظهر بوادر الصراع العميق في الحكم، وتسيطر فكرتان على الواقع السياسي اليمني، الأولى في الجنوب وتعتقد أن الحرب قد أبطلت فكرة الوحدة ورسمت بداية احتلال شمالي على الجنوب، والثانية تبرز فكرة كون الحرب قد أنهت أي مساعٍ للانفصال وعززت من الوحدة اليمنية.
مرت السنين وباتت مظالم الجنوب تبرز بصورة أكبر، ليظهر الحراك الجنوبي كأبرز التحولات السياسية التي أكسبت التطلعات الانفصالية في الجنوب صخباً أكبر، وتحديداً بإعلان مطالبه الواضحة بالانفصال في عام 2007 وهو ما شكل ضغطاً على كل الأطراف السياسية لتولية القضية الجنوبية اهتماماً أكبر وإعادة تعريف العلاقات السياسية للتحول نحو نموذج فيدرالي عادل كي لا يصبح الصراع أكثر دموية وحِدة.
حضرت “الأزمة الجنوبية” كقضية رئيسة في مؤتمر الحوار اليمني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة، وشاركت فيه معظم الأطراف السياسية في البلاد، إضافة إلى جزء من قوى الحراك الجنوبي.
وتضمنت وثيقة الحوار حلولاً للقضية الجنوبية، تحت سقف “دولة اتحادية” مكونة من ستة أقاليم لضمان إنهاء المركزية السائدة في البلاد منذ عام 1990.
كما نصت الوثيقة، على إنهاء كافة المظالم الواقعة على المحافظات الجنوبية منذ اندلاع الحرب في 1994، وإعادة كافة الممتلكات المنهوبة، وجبر الضرر، وضمان تنفيذ ذلك بشكل كامل وفق مبادئ العدالة الانتقالية، دون تمييز.

إقرأ أيضاً  إعلانات زائفة وبرامج سطحية... عيوب الإذاعات في صنعاء


موافقات دولية


ومن ضمن بواعث ظهور قضية الأقاليم كان للأطراف الخارجية دور بارز، بينما كل القوى الخارجية كانت تدعم اليمن الموحد بمن فيهم أعضاء مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلا أن هذه القوى قد رأت حاجة ملحة لاستيعاب رغبة اليمنيين لإعادة التفاوض وبشكل شامل حول العلاقة بين الحكومة المركزية والكيانات المحلية ودعمت بتوصيات عدة لمختلف الكيانات السياسية والحكومة كان أهمها الموافقة بصورة عاجلة على التوصل إلى عملية انتقالية لتسهيل الشروع في حوار وطني شامل يهدف إلى مراجعة العقد السياسي والاجتماعي القائم. وشملت توصية الحكومة اليمنية بضرورة اتخاذ إجراءات بناء ثقة فورية لتهدئة التوترات في الجنوب.


آراء رافضة ومؤيدة


رأى الكثير من السياسيين والخبراء أن كان متعجلاً وسياسياً بامتياز، ومستجيباً لشروط الأحزاب والقوى التي كانت تتمتع بالقوة الأكبر آنذاك، ليرسم مصير اليمن و25 مليون إنسان من دون مراعاة للعوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية والسكانية والتاريخية.
و برغم أقرار “اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، في سبتمبر 2014، الذي أنهى حرب الأيام الأربع في العاصمة الاتحادية (المفترضة) قد فتح إعادة النظر في توزيع الأقاليم، إلا أنه كان برأي محللين ونشطاء، حدث في ضوء توازن القوة الجديد الذي أفرزته الحرب وليس توازن المصالح وعدالة توزيع الثروة بين سكان الأقاليم، والذين رؤوا ان هذا التعديل يمكن أن يأتي بمزيد من المشكلات والأزمات المستقبلية في بعض الأقاليم، وفي الدولة الاتحادية عموماً.
و من جهته، اعتقد الحراك الجنوبي، أن التحول إلى نظام الأقاليم لا يصب في مصلحة تعزيز سلطات المحافظات، وإن وجدت في ظل حكومة مركزية ديمقراطية فإن ذلك لن يتعدى كونه أمر شكلي لا يضمن حماية حقوقهم، واستمر غالبية كبيرة منهم بتفضيل عملية الانفصال الكلي وفي أدنى حد تشكيل فيدرالي من دولتين، يمتد لبضع سنين، يتبع ذلك استفتاء شعبي لحل الأزمة نهائياً في الجنوب.
وفي الجهة المقابلة لم تكن الأحزاب السياسية الأخرى على وفاق واضح لمشروع الأقاليم، حيث نظر له البعض كبداية خارطة إلى التقسيم الفدارلي كدولتين”شمالاً وجنوباً”، أي أنه بداية الانفصال الكلي لشمال اليمن عن جنوبه، وكان على رأس هذه الأحزاب، حزب المؤتمر الشعبي العام.
وأصدر حزب المؤتمر الشعبي العام أكبر الأحزاب اليمنية بيانا أعلن فيه رفضه مشروع دولة الأقاليم الستة، وأعلن تمسكه بالوحدة اليمنية واستعداده للدفاع عنها.
وكان لجماعة أنصار الله الرأي نفسه لكن بمنظور آخر، فقد اعتبروا الصيغة التي اعتمدت لتوزيع الأقاليم، والتي ستجعل البلاد من ستة أقاليم، ما هو إلا تقسيم اليمن إلى “أغنياء وفقراء”.
ولكن إقامة دولة اتحادية من عدة أقاليم، لاقى ترحيباً واسعاً بين بقية الأحزاب السياسية، حتى تلك المتعصبة للوحدة اليمنية كونه أقل الخيارات خطورة، ولكن على اشتراط الوضوح في تفاصيل تقديم هذا النموذج من الأقاليم قبل تحقيقه.

مقالات مشابهة