المشاهد نت

ما الذي يحدث في مدارس صنعاء؟

صنعاء – عصام صبري

تُعد العملية التعليمية لمدارس العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، هذا العام، مغايرة للأعوام التي سبقته، بسبب كثافة الدروس والنقاط التي وضعتها جماعة الحوثي في استكمالها لتعديل المنهج الدراسي الجديد.

واحتوى المنهج على دروس تمجد الأئمة الزيديين، والتاريخ الفارسي، فيما استبعدوا من المنهج دررسًا تذكر مآثر ثورة الـ26 من سبتمبر، التي قامت ضد الحكم الإمامي عام 1962.

تلك التعديلات التي تم تنفيذها على نحو بطيء في الكتاب المدرسي للمرحلتين الأساسية والثانوية، كانت وماتزال تواجَه برفض وسخط تربوي ومجتمعي، إذ يخشى أولياء أمور الطلاب أن يُرسخ المنهج الدراسي الجديد المُعد من الحوثيين، مفاهيم ذات أيديولوجية مذهبية متطرفة، في ذهنية أبنئءهم.

بينما يرى الحوثيون أن من حقهم إجراء تعديلات على منهج دراسي أقصى فئات معينة من المجتمع اليمني، واحتوى على مغالطات كارثية في ما يتعلق بتاريخ ودين الأمة اليمنية والإسلامية، كما يعتقدون.

خطط ممنهجة

منذ الأيام الأولى لسيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، سعت للسيطرة على عقول النشء والشباب، ففي أواخر نوفمبر 2016، بدأ الحوثيون إحكام قبضتهم الحديدية على قطاع التربية والتعليم، حينما عينوا يحيى الحوثي، شقيق زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وزيرًا للتربية والتعليم، تبع ذلك قيام الحوثي بتغيير وكلاء الوزارة ومدراء مكاتب التربية ومديري المدارس ووكلائها في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم.

وبدأت أولى خطوات الحوثيين بتعديل المنهج المدرسي في مواد التربية الإسلامية للصفوف الأولى، إذ قامت الجماعة بإتلاف كميات من كتب التربية الإسلامية الموجودة في مطابع الكتاب المدرسي، وسحب النسخ الموجودة منها في المدارس.

ما الذي يحدث في مدارس صنعاء؟

ومن ثم القيام بحذف أسماء رواة الحديث النبوي الذين تعدهم جماعة الحوثي أعداء لـ”آل البيت” أو بني هاشم، كالصحابي أبي هريرة والصحابي معاوية بن أبي سفيان، إضافة إلى تغيير الصور الإرشادية في كيفية تعليم الصلاة، حيث تم تغيير صور لأشخاص وهم يؤدون الصلاة وأيديهم غير مضمومة، وفقًا لتأكيد تربويين في عدد من مدارس العاصمة صنعاء، والذين التقاهم “المشاهد”.

هذا الأمر دفع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، في ديسمبر 2016، لإدانة تلك الأفعال.

وفي 2017، خرجت فضيحة تعديل الحوثيين للمناهج الدراسية للعلن، حينما وجه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام عارف عوض الزوكا، الذي قتل على يد الحوثيين في نهاية العام 2017، عبر وسائل الإعلام، انتقادات حادة لجماعة الحوثي، بسبب قيامها بتعديل المناهج المدرسية وفقًا لأجندة طائفية، إذ إن تعديل الحوثيين للمناهج يمكن أن يتسبب بوقوع فتنة، بحسب تحذيرات الزوكا، حينها.

في ذلك الوقت رد يحيى الحوثي، قائلًا بأن الرئيس صالح هو من قام بتزييف المناهج خلال فترة حكمه، واعترف الحوثي بإجراء تغييرات في جميع المناهج الدراسية.

وخلال حوار تلفزيوني في القناة التعليمية الواقعة تحت سيطرة الجماعة، أكد الحوثي أن التعديلات في المناهج الدراسية هي “عملية تصويب” للأخطاء المطبعية وللأخطاء التي زعم أنها تمت في التعديلات التي جرت بعد العام 2011، والتي تمت بسرية تامة، ولم ينتقدها أحد رغم الخطورة الكبيرة فيها، بحسب قوله.

وزعم أن عملية التصحيح لتلك الأخطاء في المناهج الدراسية، تمت من قبل اللجنة العليا للمناهج، التي تمثل كافة الأطراف السياسية.

وفي 2018، وعقب أيام على قتلهم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، فتح الحوثيون الباب على مصراعيه لتعديل المناهج الدراسية.

وبحسب المعلم حسان، المدرس في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، فإن الحوثيين قاموا بتعميم حديث ما يسمى “الغدير” أو يوم الولاية، في منهج التربية الإسلامية، وحذف اسم “عمر” من مقرر القراءة.

ما الذي يحدث في مدارس صنعاء؟

ويؤكد حسان، خلال حديثه لـ”المشاهد”، أن الحوثيين وضعوا شعار الصرخة الحوثية في مقرر الرياضيات للصف الثالث أساسيي، إضافة إلى تعديل اسم خارطة الخليج العربي إلى الخليج الفارسي في مقرر التاريخ للصف الأول الثانوي.

وفي المنهج الجديد وضع الحوثيون صورة القيادي الحوثي أبو حرب الملصي، في غلاف كتاب التربية الوطنية للصف الثامن أساسي، الأمر الذي أثار الجدل ما بين مؤيد ومعارض غاضب عبروا عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً  حماية الشباب من التطرف في المهرة

فرض المعتقد بالقوة

لم تفلح جهود جماعة الحوثي في تطويع المعلمين العاملين في معظم مدارس العاصمة صنعاء، وجعلهم ناطقين باسم الجماعة، ومتبنين أفكارها، وبسبب ذلك توفد الجماعة بشكل يومي، وبحسب جدول معد مسبقًا، عددًا من المرشدين والتربويين الذين يطوفون مدارس الذكور والإناث الحكومية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إذ تنحصر مهام أولئك المرشدين والتربويين الموالين للحوثيين على تقديم محاضرات داخل الحصص الدراسية، مضمونها الدعوة لاتباع ملازم حسين بدر الدين الحوثي، ومعاداة كل من يعارض أفكار وتوجهات الجماعة الحوثية، وسرد أحداث الحرب التي ماتزال جارية في اليمن.

وهو ما تؤكده عدد من المعلمات في صنعاء، واللواتي فضلن عدم الكشف عن هويتهن لاحتياطات أمنية، خلال أحاديثهن مع “المشاهد”.

وتقول التربوية أمل: “لا أحد من المعلمات تجرؤ على أن تعارض خطوات الحوثيين، ومحاولاتهم تشييع طالبات المدارس، أنا بذاتي تأكدت من قيام الحوثيين بتغيير منهج التربية الإسلامية للصف الرابع، رغم أنهم حاولوا إيهامنا بأن لا تغيير قد حصل حينما كتبوا بأن الكتاب تمت طباعته بتاريخ قديم”.

و”يتم تسليط الطالبات علينا، إذا تجاهلنا تدريس التعديلات الطائفية التي أجرتها جماعة الحوثي على المنهج، إذ يتم التطاول علينا، دون أن نجد من ينصفنا أو ينصف سنوات عمرنا التي قضيناها في تعليم الجيل، وهذا الانتهاك يحدث مرات عدة، لذا نتجنب الدخول في أية مهاترات خشية اعتقالنا من قبل الزينبيات”، تضيف أمل لـ”المشاهد”.

وتتابع: “حتى الأنشطة اللاصفية والإذاعة المدرسية حولتها جماعة الحوثي إلى منبر سياسي وطائفي توجيهي للطالبات”.

قلق مجتمعي

أدخل الحوثيون المنهج الذي طبع في الآونة الأخيرة بكثافة في المدارس الخاصة، وألزموا مدراء المدارس على شراء الكتاب الواحد بمبالغ تتراوح ما بين 300 و500 ريال.

وأصبح المنهج المعدل من قبل الحوثيين متوفرًا في المدارس الخاصة والأهلية أكثر من المدارس الحكومية، تنفيذًا لسياسة اتبعتها مكاتب التربية والتعليم وفقًا لتوجيهات يحيى الحوثي وزير التربية والتعليم الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كما يؤكد أحد مدراء المدارس الخاصة في صنعاء، في حديثه لـ”المشاهد”.

التعديلات التي أدخلها الحوثيون في المنهج الدراسي أثارت قلق أولياء أمور الطلاب، إذ يرون أنها ستحدث مشكلات كبيرة في المستقبل القريب.

ويقول عبدالعزيز الجمال، أحد سكان صنعاء: “جاءت اللحظة التي أصبحنا محتارين في اتخاذ القرار المناسب حيالها، فإما أن نبقي أبناءنا في المدارس التي يُدرس فيها المنهج الحوثي المتعصب للطائفية والمذهبية، أو أن نهاجر ونترك البلد للحوثيين، وهو الخيار الأصعب”.

“كيف يمكنني أن أقنع ابني أن من درس عنهم في كتابه المدرسي بأنهم أعداء ويجب قتلهم، هم يمنيون؟ ستكون المهمة صعبة، ويمكن أن أتجرع مرارة تلك التعيئة الخاطئة التي تلقاها في مدرسته”، يقول عباس الكولي، احد سكان صنعاء.

ويضيف في حديثه لـ”المشاهد”: “يجب إيقاف مخططات الحوثيين بتغيير المنهج وتجريف عقول الطلاب. لا شأن لي في السعودية وأية دولة منخرطة في الحرب التي دمرت كل اليمنيين، المشكلة تخصنا نحن اليمنيين القابعين في أرضنا، والذين لا نرضى بتدخلات الحوثيين في شؤوننا”.

ولم تسلم المنظمات الإغاثية الدولية من الاتهامات بمساعدتها للحوثيين، وآخر تلك الاتهامات تم توجيهها من قبل مواطنين وناشطين ضد منظمة اليونيسف، المتهمة بتمويل طباعة كتب مدرسية تم تعديلها من قبل الحوثيين، وهي التهمة التي نفتها المنظمة، وقالت عبر حساب بعثتها على “تويتر”، إنها “لا تشارك في إنتاج أو توزيع الكتب المدرسية في اليمن”.

موضحة، أنها “تؤمن بشدة بوجوب ألا يخضع التعليم للاستخدام السياسي أو الطائفي. حيث يجب أن يظل التعليم أولوية لضمان مستقبل الأطفال ورفاههم”.

مقالات مشابهة