المشاهد نت

محاكم الحوثيين.. إعدامات سياسية لتصفية الخصوم

صنعاء – أسامة فرحان:

بعد إعدام قتلة الشاب عبدالله الأغبري، بأيام قليلة، ارتكبت جماعة الحوثي مذبحة جماعية بميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، بحق 9 من أبناء تهامة، بينهم طفل قاصر، بتهمة كيدية ملفقة، وهيَ اشتراكهم في مقتل صالح الصماد الذي قتل بغارة جوية للتحالف العربي بقيادة السعودية، بحسب ما أعلنت جماعة الحوثي آنذاك.
ويقول المحامي عبدالمجيد صبرة، في تصريحه لـ”المشاهد”، إن الاتهام الذي وجه لهم لا أساس له من الصحة، ومخالف للحقيقة والواقع، وبأدلة مقدمة من سلطة الاتهام (النيابة العامة) ذاتها.
ويضيف صبرة أن هناك تفاصيل كثيرة في هذا الموضوع، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، تقرير الاتصالات الصادر من شركات الاتصالات ومن مكافحة الإرهاب بناء على طلب النيابة العامة، والذي ثبت من خلاله عدم تواجد معظم المتهمين في مدينة الحديدة يوم واقعة مقتل الصماد في 19 أبريل 2018.
وصرح علاء دينيش، محامٍ وناشط حقوقي، لـ”المشاهد” أن الاتهامات الموجه للضحايا غير صحيحة، وعلى ما يظهر أنه تم انتزاع الاعترافات بالقوة وتحت الإكراه، إذ تعرض المتهمون للتعذيب، ولعل السجن منذ 2018 حتى اليوم، إحدى وسائل الحوثيين في الضغط على المحتجزين، إضافة لوسائل أخرى كالتعذيب بمختلف الأشكال والأساليب.
وأعدمت جماعة الحوثي 9 أشخاص من أبناء تهامة، بعد اختطافهم وتعذيبهم، ومن بينهم الضابط برتبة عقيد عبدالملك حميد، الحاصل على ماجستير في القانون المدني، والذي شغل العديد من المناصب الأمنية خلال فترة حياته. وقبل إعدامه إلى جانب 8 آخرين من قبل جماعة الحوثي، كتب حميد، وصية مؤثرة إلى أهله، يؤكد فيها براءته من التهم الكيدية المنسوبة في قضية مقتل “الصماد”.

مما ورد في أقوال محمد نوح أمام الشعبة الاستئنافية في الجلسة السادسة المنعقدة في 13 جمادى الثانية 1442 هجرية الموافق 27/1/2021م، والذي تم تدوينه في الحكم الاستئنافي (ص24) بما لفظه: “وأفاد المتهم محمد يحيى نوح بأنه أخذ من الشارع وتم إغماء عينيه ووضع في سجن


وقال في وصيته: “ارفعوا رؤوسكم، هكذا حكم الله، وقدر لي أن أستشهد ظلمًا وعدوانًا، فلقاء الله حق. يعلم الله أني خدمت وطني بكل أمانة ونزاهة، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل على كل ظالم، وأسأل الله أن ينتقم من كل ظالم”.
وكان لمحمد يحيى نوح، أحد الذين أُعدموا، وصية أيضًا تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي، من بينهم المحامي صبرة الذي وصفه عبر صفحته في “فيسبوك”، قائلًا: “وقف شامخًا طوال إجراءات المحاكمة، بل إنه كان يهدئ من روع أخيه عبدالرحمن نوح في كل مرة يتحدث معه، خصوصًا عندما كان يرى عليه علامات القلق والخوف والضعف، وكانت معنوياته تناطح السحاب”.
وأضاف: “من تبقى هم أشخاص عاديون تم التضحية بهم مع البقية، أو أنهم لا ينتمون للجماعة سياسيًا كما هو حال المتهمين محمد نوح ومحمد المشخري، اللذين ينتميان للتجمع اليمني للإصلاح”.

ما وراء القضبان؟

لم تكن السجون التي قضى فيها الضحايا لياليهم السود منذ اعتقالهم، مجرد سجون من حيطان وأعمدة فقط، بل كانت مزودة بأخبث وألعن وسائل التعذيب والترهيب في سبيل الضغط والاعتراف المكروه.
ويقول صبرة إن الضحايا تعرضوا قبل إعدامهم لأشد أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي، جميعهم دون استثناء، وقد توفي أحدهم في السجن نتيجة مضاعفات آثار التعذيب.
ويضيف أن مما ورد في أقوال محمد نوح أمام الشعبة الاستئنافية في الجلسة السادسة المنعقدة في 13 جمادى الثانية 1442 هجرية الموافق 27/1/2021م، والذي تم تدوينه في الحكم الاستئنافي (ص24) بما لفظه: “وأفاد المتهم محمد يحيى نوح بأنه أخذ من الشارع وتم إغماء عينيه ووضع في سجن في حمام دون أن يقترف أي شيء، وتم ضربه ضربًا مبرحًا من المحققين والمشرفين، ولا يعرف من هم الأشخاص الذين ضربوه، وأفاد أنه حبس ستة أشهر، وخلال تلك الفترة تم ضربه ضربًا مبرحًا بالكيبل وصفعه في الوجه حتى أغمي عليه، وقاموا برشرشته بالماء البارد وتعليقه، وتم ضربه في ركبته ورجله حتى شاهد الموت، وأكره على الإدلاء بأقوال لا صحة لها ولا يعلم شيئًا منها، وأكرهوه على البصمة والتوقيع عليها، وأكره على تصوير فيديو عندما أدلى بأقوال وتمسك ببراءته وطلب الإفراج عنه”.
واختطف العقيد حميد في 15 نوفمبر 2018، وتعرض خلال فترة الاعتقال للحرمان من النوم لمدة أسبوع، والغسيل بالماء البارد في أيام الشتاء، والتعليق بواسطة آلة ترفع يديه وإحدى رجليه إلى الأعلى، وتبقيه على رجل واحدة من المساء إلى الصباح.
وتحدث حميد أمام المحكمة بأن الأقوال المنسوبة إليه أُكره عليها ليتخلص من التعذيب المسلط عليه، وفق ما نشرته رابطة أمهات المختطفين.

إقرأ أيضاً  «أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

محاكمات لتصفية الخصوم

يرى ناشطون ومحللون سياسيون أن ما قامت به جماعة الحوثي من إعدام لضحايا قضية الصماد، مجرد تصفيات وتغطية لجرائمها. وفي هذا الصدد يقول علاء دينيش: “يبدو أن جماعة الحوثي اختارت القضاء كغطاء لجرائمها ووسيلة للضغط على خصومها وكذا تصفيتهم، وللأسف من المتوقع صدور قرارات إعدام جديدة مستقبلًا، فيما الحكومة والمجتمع الدولي يقف بشكل سلبي دونما اتخاذ إجراءات”.
ويقول عبدالواسع الفاتكي، محلل السياسي: “أرادت جماعة الحوثي من خلال إعدام قتلة الأغبري، إقناع الشارع اليمني بعدالة إعدام التسعة التهاميين، وامتصاص ردة فعل اليمنيين الغاضبة”.
ويضيف الفاتكي لـ”المشاهد”: أعدم 9 مواطنين تهاميين بعد محكمات صورية افتقدت أدنى معايير العدالة، وحرم فيها المتهمون من حقهم القانوني في الدفاع والترافع، ناهيك عن حرمانهم من زيارة أقربائهم، وإخفاء أماكن احتجازهم، وتعرضهم للتعذيب والتنكيل والإرهاب النفسي، والحالة المأساوية للطفل عبدالعزيز الأسود أنصع دليل على ذلك، فقد ظهر لا يستطيع الحركة ولا يقوى على الوقوف مصابًا بشلل شبه تام نتيجة تعرضه للتعذيب.
ويؤكد أن جماعة الحوثي تستخدم المحاكم التي أنشأتها كغطاء يشرعن لها تصفية خصومها تحت مظلة القضاء والنيابات، وإيهام المجتمع اليمني والرأي العام بأن ما تقوم به ليس إلا إحقاقًا للحق وتحقيقًا للعدالة.
ويقول صبرة: “لا يستبعد أن تنتهج جماعة الحوثي نهج الإعدام لتصفية خصومها السياسيين أو للتغطية على متهمين كبار ضالعين في بعض الجرائم كما هو حال هذه القضية، ولو كان من تقوم بالتضحية بهم عناصر ينتمون إليها كما هو حال هذه القضية أيضًا، فبعض المتهمين فيها كانوا ممن يعملون معهم ويتولون مناصب قيادية كما هو حال الضحية علي بن علي القوزي”.
وتم إعدام التسعة التهاميين، وترك العديد من منفذي الاغتيالات لقيادات في الجماعة، بحسب علاء دينيش، مضيفًا أن ما يحدث مجرد تصفيات حتى داخل صفوفهم.
ويؤكد الفاتكي أنه تم اغتيال عدد من القيادات الحوثية، ولم تجرؤ الجماعة على أية محاكمات لمتهمين في تلك الاغتيالات، فضلًا عن إجراء تحقيقات في اغتيال حسن زيد في صنعاء، دون نتائج. ويقول إن هذا يفتح باب التكهنات لتساؤلات عديدة حول تصرفات المليشيات الانتقائية في ما يخص الاغتيالات.

سخط شعبي واستنكار أممي

وليقت هذه المذبحة سخطًا واسعًا من الشعب اليمني، وتفاعل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعلها قضية رأي عام.
ونشر هشام المسوري على صفحته في “فيسبوك”، مستنكرًا حكم الإعدام، قائلًا: “الاستعراض بالجريمة على هذا النحو يعكس مدى إيمان السلالة الحوثية بامتلاكها أجساد وحياة اليمنيين، وحقها في التحكم بالحياة والموت. تتصرف كآلهة. تتأله على هذا الشعب. تريد سلالة الحوثي أن تقول لليمنيين: أنا أحيي وأميت، وأستطيع أن أعذب من أريد وأذبح من أريد متى ما أردت. ومن لايزال حيًا منكم أيها اليمنيون الأشرار فهو كذلك لأني أمهل ولا أهمل”.
وقالت كاثي ويستلي، القائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن، عبر رسالة بشأن الإعدامات التي نفذتها جماعة الحوثي: “أعدمت سلطات الحوثيين في صنعاء في 18 سبتمبر 2021، 9 أفراد بوحشية بعد محاكمات صورية، وبعد سنوات من التعذيب والانتهاكات. كان أحد الذين تم إعدامهم قاصرًا”. مضيفةً أن هذا العمل الشائن هو دليل آخر على عدم اكتراث الحوثيين بحقوق الإنسان الأساسية. ويأتي هذا بعد أيام فقط من هجومهم على ميناء المخا التجاري، وهو نقطة عبور للإمدادات الإنسانية والواردات الغذائية التجارية.. “هذه الهمجية يجب أن تتوقف” تقول ويستلي.
ودعا البرلمان العربي “كافة المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، إلى إدانة هذا العمل الإرهابي الجبان، واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لضمان محاكمة مرتكبي هذه الجريمة ضد الإنسانية، التي تضاف إلى السجل الإرهابي لمليشيا الحوثي الانقلابية”.
وبحسب منظمة سام للحقوق والحريات، أصدرت جماعة الحوثي منذ بدء النزاع في اليمن، نحو 400 حكم بالإعدام في المناطق التي تسيطر عليها.

مقالات مشابهة