المشاهد نت

مع استمرار الحرب: كيف تبدو صحة اليمنيين النفسية؟


تعز – أسامة فرحان:


كونك في بلادٍ لم تتنفس منذ أكثر من 5 سنوات سوى رائحة البارود، ولم ترَ القتل والدماء عبر شاشات التلفزة، بل رأيت ذلك أمامك دون وسيط خارجي، فمن الطبيعي ألا تحظى بصحة نفسية سليمة. عمار محمد (30 عامًا) قضى 4 أعوامٍ للتنقل بين عيادات الطب النفسي، كما يقول. ويضيف لـ”المشاهد”: “بعد تخرّجي من الجامعة تخصص هندسة نفط، ظننت -كغيري- أن أحلامي التي لطالما كنت أرسمها في مخيلتي قبل أن أنام، ستبدأ بالتحقق، وسأكون أفضل مهندس نفط في اليمن، وليس هنالك ما هو محال، لكن الحرب والحصار شاءا عكس ذلك، ووجدتني مع تتابع سنوات الحرب، أمام حالة نفسية تسوء يومًا بعد يوم”. ودخل عمار في حالة من الحزن والكآبة والانطواء، خسر معها ذاته وأحبته، كما يقول.
آثار ملحوظة في وجوه الناس
وأثرت الحرب بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد في اليمن، حيث أصبح هناك حالة من فقدان القدرة على ممارسة النشاط اليومي المعتاد والإحساس بالخسارة والفاجعة والخوف من المجهول وفقدان الأمل والحزن ومظاهر النسيان واللامبالاة، ويصاحب ذلك الانكفاء والبعد عن الآخرين، بحسب عبدالقادر السروري، اختصاصي الصحة النفسية والسلوك الإدماني.
ويقول السروري لـ”المشاهد” إن كل ذلك يحدث لدى الشخص العادي، لكنه لا يشتكي، لأنه لا يستطيع التعبير عما في نفسه من ألم نفسي خفي يصعب التعبير عنه أو وصفه.
وخلال فترة الحرب ظهرت شكاوى بدنية لدى البعض لم يشكُ منها أصحابها في السابق، وهذه الشكاوى تتحول إلى عرض نفسي بدني حقيقي متبادل مثل الحزن والكآبة والانزواء واضطراب النوم والشهية والتبلد العاطفي وعدم الإحساس بالمسؤولية بسبب كارثة الحرب، بحسب السروري، قائلًا: “ولهذا نجد الناس يفرطون في تناول القات والتدخين، والتردد على الأطباء، مع كثرة الشكاوى البدنية والإحساس باليأس والحزن والخسارة والفاجعة”.
وتقول نسيبة العميسي، أخصائية تربية خاصة، لـ”المشاهد” إن معظم الأفراد في اليمن يواجهون ضغوطًا وخسائر وصدمات خطيرة تكون آثارها مباشرة أو على المدى البعيد، فتظهر اضطرابات بعد الصدمة، والتي تبدأ نتيجة التعرض المتكرر للعنف، وانعدام الأمن على نطاق واسع.
من جهته، يقول عدنان القاضي، مستشار الدعم النفسي بجامعة تعز، لـالمشاهد” إن هناك الكثير من الآثار النفسية على المواطن اليمني، إذ ظهرت الكثير من الحالات النفسية، منها حالات كرب ما بعد الصدمة والاكتئاب والوسواس القهري والهستيريا، وظهور كثير من حالات التجوال الليلي والشرود الذهني عند كثير من الطلاب والأهالي أيضًا، بالإضافة إلى ظهور حالات العنف بكافة أشكاله وانخفاض التحصيل الدراسي عند الطلاب، والتبول اللاإرادي عند الأطفال، والكوابيس الليلية، والعيش في حالة عزلة، فنجد الكثير من الأطفال لجأوا إلى الألعاب الإلكترونية التي تعبر عن حالة العنف لديهم نتيجة الحرب، وأيضًا ظهور حالات انتحار عند كثير من الشباب.


والذين عاشوا تجربة الحرب سابقًا أو مروا بتجربة مشابهة، فإن تكرار التجربة لديهم يؤدي إلى تحطيم الثقة والأمل بإمكانية حصولهم على الأمن من جديد، كما يجدون أنفسهم غير قادرين على تفسير ما يجري من حولهم، كما تقول شيماء سلطان علي، أخصائية نفسية، لـ”المشاهد”، مصيفة: “خلال فترة عملي كأخصائية نفسية خلال العامين الأخيرين، لاحظت بشكل كبير الآثار النفسية الكارثية للأفراد، إذ تختلف الآثار النفسية التي تخلفها الحرب بين الأشخاص الذين عاشوا بشكل مباشر أو غير مباشر، كما تختلف من حيث ردود أفعالهم أو مقدار تفاعلهم مع الحدث ومدى تأثرهم”.

إقرأ أيضاً  خديجة.. قصة التغلب على العنف وخذلان الأسرة


وتؤكد الدكتورة نبيلة الشرجبي، أخصائية نفسية وعميدة كلية الآداب، لـ”المشاهد” أن النزاع الدائر في اليمن أثر على إمكانية الحصول على الرعاية الصحية نتيجة الأضرار التي لحقت بالمنشآت الصحية؛ ونقص الإمدادات العيادية، والوقود والكهرباء والسلع الأساسية، فضلًا عن مخاطر السلامة الجسدية لأخصائيي الرعاية الصحية.
تأثيرات مباشرة لتداعيات الحرب

نبيلة الشرجبي : تعرض الكثير من اليمنيين بشكل مباشر أو غير مباشر لأذى وخطر شديدين، وتهديد حياتهم من قبل جماعات مسلحة، واختفاء الأقارب، والغارات الجوية، والاعتقال التعسفي أو التعذيب”.


إن الآثار الخطيرة والعديدة لحرب اليمن، والتي تبدأ من التعرض المتكرر للعنف وانعدام الأمن على نطاق واسع، وتشمل نقص الأغذية، والأمراض، والفقر المتفشي والمتسارع، وصولًا إلى تحطم الروابط الاجتماعية، وانعدام الخدمات الاجتماعية الأساسية، تشكل بمجملها ضغوطًا هائلة على اليمنيين، مما يفاقم بشدة من تدهور الصحة النفسية على أوسع نطاق.
وتؤكد الدكتورة الشرجبي “تعرض الكثير من اليمنيين بشكل مباشر أو غير مباشر لأذى وخطر شديدين، وتهديد حياتهم من قبل جماعات مسلحة، واختفاء الأقارب، والغارات الجوية، والاعتقال التعسفي أو التعذيب”.
ولا تتوفر حاليًا بيانات كافية عن الوضع العام للصحة النفسية في اليمن، إذ تشير المعلومات المتاحة إلى أن الكثير من السكان يعانون على الأرجح من التبعات السلبية النفسية والاجتماعية والعاطفية، فعلى سبيل المثال أفاد مسؤول في مستشفى الأمل للطب النفسي في صنعاء، عن وجود زيادة كبيرة في عدد المرضى بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب.
ومن أسباب تفاقم حالات المرضى النفسيين في فترة الحرب باليمن، تردي الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار وانقطاع كثير من الخدمات التي كان يحصل عليها المواطن، إذ انعدمت وسائل الرفاهية النفسية والاجتماعية التي كانت متوفرة قبل الحرب، وأيضًا فقدان الأعزاء وفقدان الأعمال، كل ذلك جعله يشعر بالاكتئاب وعدم الأمان والأمل، كما يقول القاضي.
ويضيف: أدت الحرب إلى توقف كثير من الشباب عن التعليم لعدم قدرتهم على مواصلته، وانتشار حالات العنف الأسري والمجتمعي، وانتشار الصراع المسلح بين المجاميع المسلحة داخل أو خارج المدينة، بالإضافة إلى التحاق كثير من الشباب بمجاميع مسلحة في وقت لا يستطيع الشباب أنفسهم تحمل أعباء هذه الجماعات.
ويتابع أن عدم قدرة الأهل على توفير متطلبات أبنائهم أدى بدوره إلى التفكك الأسري، وظهر على شكل الهجرة والاغتراب والنزوح، بالإضافة إلى تدهور خدمات الصحة العامة بشكل عام، وخدمات الصحة النفسية بشكل خاص، مع العلم أنها محدودة جدًا في اليمن، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في اليمن 44 طبيبًا، ما ساعد بدرجة كبيرة على تفاقم حالات المرضى النفسيين في اليمن.
ولا توجد إحصائيات رسمية لعدد المرضى النفسيين في اليمن، لكن يمكن القول بأن الحالات زادت بنسبة 200%، بخاصة في السنوات الأخيرة من الحرب، وفي المناطق التي تشهد استمرارًا في الصراع، وفق القاضي.

مقالات مشابهة