المشاهد نت

عمال النظافة: وسائل الحماية معدومة والنفايات غيّرتها الحرب

عمال النظافة يشكون تدني الراتب وانعدام أدوات الحماية

صنعاء-نهلة القدسي

مستنداً على مقشة مهترئة وبنصف انحناءة، يقوم عامل النظافة مازن قاسم (26 عاماً) بتجميع المخلفات من إحدى حارات شارع الدائري الغربي في أمانة العاصمة صنعاء.

يشعر مازن بحرارة الشمس تلفح جسده الأسمر النحيل، إلا أنه يواصل عمله ملتقطاً الأوساخ والأدوات الحادة من الطريق، دون أن يكون مرتدياً قفازات أو كمامة تجنبه الإصابة بالأمراض.

ينحدر مازن من محافظة الحديدة (غربي اليمن)، لكنه نشأ في صنعاء حيث يمتهن العمل في صندوق النظافة والتحسين منذ ست سنوات.

يقول مازن لـ”مشاهد”: “منذ وعيت على الدنيا وأنا أرى أغلب أفراد أسرتي يمتهنون هذا العمل الشاق، فوالدي رحمه الله كان عامل نظافة ووالدتي كذلك كانت عاملة نظافة، لكن نتيجة لمرضها وكبر سنها لزمت البيت وأصبحت مسؤولاً عن إعالتها، إلى جانب زوجتي وأطفالي”.

مازن هو واحد من بين كثيرين من عمال النظافة في اليمن الذين يعانون من أوضاع شديدة الصعوبة، ومن إهمال لأبسط مقومات عملهم، وهو ما يجعلهم عرضة لكثير من المخاطر والأوبئة في ظل انعدام أدوات السلامة كالكمامات والقفازات.

يمد مازن يديه ويرينا ما آلت إليه أحواله جراء عمله، قائلاً: “عندما ظهرت جائحة كورونا، تسلمنا من صندوق النظافة معدات حماية ووقاية، وكان ذلك لمرة واحدة فقط للأسف”.

في العاصمة صنعاء، يبلغ عدد عمال النظافة نحو 3200 عامل، ينتمي أغلبهم إلى فئة تُعرف بـ”المهمشين” ويُقصد بها ذوو البشرة السمراء الذين يصل عددهم إلى نحو 4 ملايين شخص، ويشكلون ما نسبته 10% من تعداد السكان.

عمال النظافة: وسائل الحماية معدومة والنفايات غيّرتها الحرب
يصل عدد عمال النظافة في صنعاء أكثر من 3 آلاف عامل ينتمي أغلبهم لفئة المهمشين

” مجبرون على هذا العمل ما باليد حيلة”، كلمات تخرج من شفتي مازن بحرقة ليتابع قائلاً: “لم نجد غيره و ليس معنا شهادات لنبحث عن مهنة أخرى”.

يُضاف إلى المخاطر الصحية المحيطة بهذا العمل، ضعف الموارد التي يؤمنها الأخير، فالراتب كما يقول مازن لا يكاد يكفيه لتوفير لقمة العيش، إذ لا يتجاوز الـ30 ألف ريال شهرياً (50 دولار)، يتم خصم أيام الغياب بشكل تعسفي منه.

إقرأ أيضاً  القيود الأسرية تمنع الفتيات من تحقيق أحلامهن

“يُطلب تقرير طبي بالمرض، وأنا في كثير من الحالات أكون طريح الفراش ولا أقدر على الذهاب للمستشفيات للعلاج بسبب قلة المال”، يعلق مازن.

يتفق عامل النظافة محمد درويش مع زميله في أن “العمل في رفع المخلفات شيء مرهق وصعب، فلا راتب كاف ولا أدوات حماية من الأوساخ، وحتى التأمين الصحي متوقف منذ ثلاثة أشهر من دون الإعلان عن السبب”.

يقول محمد: “تعرض الكثير من زملائنا عمال النظافة لحوادث مرورية أثناء تأدية عملهم في شارع الستين في صنعاء كونه من الخطوط السريعة، منهم من توفى ومنهم من فقد أحد أطرافه، وأذكر أحد زملائي الذي بترت يديه أثناء عمله في شاحنة تجميع القمامة”.

لم يكن الوضع جيداً بالنسبة لعمال النظافة في اليمن قبل الحرب، لكن بعدما بدأت الأخيرة تفاقمت الأوضاع المعيشية عليهم كما على معظم اليمنيين وزادت نسبة الفقر، حيث صنفت الأمم المتحدة الأزمة اليمنية بأسوأ أزمة إنسانية في العالم حيث يعيش حوالي 80% من اليمنيين تحت خط الفقر وهم بحاجة ماسة للغذاء.

” كان المواطنون يمنحوننا بعض الطعام أو النقود عند رؤيتنا نعمل في شوارعهم، لكن الآن أصبح الوضع صعب على الجميع تقريباً، و نادراً ما نجد يداً تمتد إلينا بمعروف”، يعلق محمد ساخراً: “حتى القمامة نفسها تغيرت من حيث نوعيتها، ففي السابق كنا نجد بقايا أطعمة كثيرة وبعض الملابس التي تكاد تكون جيدة، لكن الآن نكاد لا نجد أطعمة إلا بجوار بيوت الأغنياء.”

*أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيين من سوريا وغزة واليمن، من تنظيم “أوان” وبدعم من منظمة “البرنامج الدولي لدعم الإعلام” (International Media Support).

مقالات مشابهة