المشاهد نت

باعة قات في سجون الانتقالي بعدن

ذمار – ضياء حسين:

كان حزينًا بما يكفي ليعجز علي بن علي الحيي عن الحديث، فعام كامل من غياب أبنائه الثلاثة وعدم معرفته مصيرهم كافٍ ليخلف حالة من القهر طويل الأجل. الحيي مزارع من أبناء منطقة آنس بمحافظة ذمار، اعتقلت قوات أمنية تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، ثلاثة من أبنائه، ورمت بهم في السجن، وسط أنباء عن وفاة أحدهم يدعى “عبدالله” جراء التعذيب.
تم اعتقال أولاد الحيي و5 آخرين، قبل عام، من قبل قوات تابعة للمجلس الانتقالي المنادي بانفصال جنوب اليمن عن الشمال، في عدن، وتم إخفاء مكان احتجازهم حتى اليوم. وقوات الانتقالي لا تخضع لإمرة الحكومة اليمنية بقيادة عبد ربه هادي، وفشل اتفاق برعاية السعودية وقعه الانتقالي مع الحكومة اليمنية، قبل نحو عامين، في دمج هذه القوات غير النظامية ضمن قوات الحكومة اليمنية.

زوار الفجر” يعتقلون باعة القات ونساءهم

ووفقًا للشهادات التي أوردتها منظمة سام للحقوق والحريات، فقد قام عدد من الأفراد المسلحين التابعين لقسم شرطة البساتين التابع للمجلس الانتقالي، في 16 أكتوبر 2020، باعتقال تعسفي لكل من عبدالله علي الحيي (35 عامًا)، جبر علي الحيي (16 عامًا)، سنان علي علي الحيي (17 عامًا)، علي عبدالملك الحيي (15 عامًا)، علي عبدالكريم الحيي (16 عامًا)، جبر ناصر سريب، غالب علي الضبياني، والجشمي أحمد حسين الجشمي، من منازلهم الواقعة في مدينة إنماء السكنية بمحافظة عدن، الساعة الثالثة فجرًا.

عبدالله” الذي لا يُعرف مصيره حتى الآن، وربما يكون قد قتل تحت التعذيب، هو خريج كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار، عمل في مهنة بيع القات


وتم اعتقال النساء والأطفال دون أي سبب قانوني، وتم اقتيادهم إلى قسم البساتين في دار سعد بمحافظة عدن، على يد مدير قسم البساتين مصلح الذرحاني، التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقاموا بتعذيبهم حتى خرجت الدماء من أجسادهم، كما قاموا بالاعتداء على النساء بالضرب وشتمهم بألفاظ خارجة، حسب منظمة سام وأسرة عبدالله الحيي في ذمار التي تحدثت مع “المشاهد”.
و”عبدالله” الذي لا يُعرف مصيره حتى الآن، وربما يكون قد قتل تحت التعذيب، هو خريج كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار، عمل في مهنة بيع القات، لترمي به الأقدار إلى أحد أسواق بيع القات بمدينة عدن، استقر هناك، وبدأ يشق طريق حياته، وتتحسن ظروفه المادية، ليستقر مع أسرته (زوجته وطفليه) في عدن.
وكان ضمن العشرات من أبناء محافظة ذمار، الذين استقروا في محافظة عدن، وعملوا في مهنة بيع القات، وكانوا بعيدين عن الخوض في تفاصيل الحرب وجدل السياسة، ويحظون بتقدير المجتمع المحلي.
في 11 أكتوبر العام الفائت، داهمت قوة أمنية منزل “الحيي”، واعتقلت الجميع، بينهم زوجته وطفلاه وشقيقاه واثنان من أقربائه كانوا يعملون معه في سوق القات.

باعة قات في سجون الانتقالي بعدن


يقول الحيي لـ”المشاهد”: كان عبدالله في مدينة ذمار عندما اتصلت به زوجة الجشمي أحمد الجشمي، تخبره أن قسم البساتين اعتقل زوجها، أخبرها أنه عائد إلى عدن بعد يومين، وسيتم حل الموضوع. “كان يظن أن الموضوع صغير، وسيتم حله، ولا يعرف أنهم يدبرون لهم مكيدة ويرتكبون بحقهم جرائم”، يضيف والده بحرقة وهو ينتظر أن يرى أبناءه أحياء وسط أحاديث الموت المتواترة القادمة من عدن.
“سنان” و”جبر” شقيقا عبدالله، كانا للتو أنهيا المرحلة الأساسية، وانضما إلى شقيقهما الأكبر، لتوفير مصاريف الدراسة للمرحلة الثانوية، وفق رواية الأب.

إقرأ أيضاً  تضييق الخناق على السلفيين في شمال اليمن 

التهديد بالاغتصاب

عندما عاد عبدالله إلى عدن، وضع زوجته لدى زوجة صديقه “الجشمي” الذي يتنمى إلى منطقة آنس كذلك، لمواساتها في غياب زوجها، لكن قوة أمنية داهمت منزل الجشمي ومنزل الحيي، ونقلت الجميع إلى السجن. هددوهم باغتصاب زوجاتهم أمامهم، وتعرضوا لتعذيب وحشي.

كل أصدقاء الحيي والجشمي، الذين يذهبون إلى شرطة البساتين للمراجعة عنهم، يتم تهديدهم بوضعهم معهم في السجن، على اعتبار أن من تم القبض عليهم “حوثيون”، وهي تهمة ينفيها الأب تمامًا، ” لا هم حوثيين ولا هم مع أحد، هم طالبين الله، وتهمتهم الوحيدة أنهم شماليين”.


يتفحص الأب صور أبنائه، ويمسح بوجع ملامحهم الباسمة في صورة التقطت قبل زجهم في السجن، ويطلق تنهيدة اختلطت بالغصة، ويقول: “أحرقوا قلبي”. تعيش أسرتا الحيي والجشمي، ظروفًا اقتصادية ونفسية مُرة، منذ أكتوبر من العام الفائت، وماتزال.
كل أصدقاء الحيي والجشمي، الذين يذهبون إلى شرطة البساتين للمراجعة عنهم، يتم تهديدهم بوضعهم معهم في السجن، على اعتبار أن من تم القبض عليهم “حوثيون”، وهي تهمة ينفيها الأب تمامًا، ” لا هم حوثيين ولا هم مع أحد، هم طالبين الله، وتهمتهم الوحيدة أنهم شماليين”.


8 أشخاص، مكثوا 6 أشهر في شرطة البساتين، وحاليًا -وفق الأخبار التي تصل الأسرة من أصدقائهم من أبناء عدن- تم نقل الجميع إلى سجن بئر أحمد، السجن سيئ السمعة بتعذيب المعتقلين، وهناك يواجهون تعذيبًا متواصلًا.
وجدت زوجتا وأطفال الحيي والجشمي، طريقهم إلى مدينة ذمار، بعد تهديدهما بالاغتصاب وهتك عرضهما أمام زوجيهما في مساعٍ لنزع اعترافات من الزوجين، وكان لهم ما أردوا، فقد فضل الجشمي والحيي الاعتراف بكل جرائم الدنيا، على ألا يشاهدا زوجتيهما تتعرضان للإهانة والذل على مرأى ومسمع من أطفالهما.
وفي هذه الجزئية من القصة، يتوقف الأب عن الحديث لـ”المشاهد”، ويضيف بألم: “خلاص انتهى عمري، لي سنة لم أستطع النوم”.
عام والحزن لم يفارق سقف منزل الحيي، حتى إن والدتهم تصحو يوميًا في الليل وهي تبكي وتصرخ “عيالي”، يقول الأب، ويضيف: ليس بأيدينا شيء، نحن ندعو الله كل دقيقة أن يعجل في الإفراج عنهم، وينتقم ممن ظلموهم، ونأمل من الخيرين مساعدتنا للضغط على المجلس الانتقالي للإفراج عن “عيالنا”.
في 11 أكتوبر الجاري، قالت منظمة سام للحقوق والحريات، في بيان بشأن وضع باعة القات المخفيين في سجون الإنتقالي بعدن، إن “الوضع الأمني والسياسي المضطرب في عدن أسهم في تفشي ظاهرة الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري، ودفع الكثير من قيادات المعسكرات والألوية التابعة للمجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات العربية، للتنافس على هذه الانتهاكات من أجل فرض سيطرتها على مناطق معينة من عدن، حيث تنتشر السجون غير القانونية والنقاط المسلحة في العديد من مداخل عدن وداخلها”.
وحسب بيان المنظمة على صفحتها في الإنترنت، فإن شرطة قسم البساتين في عدن اعتقلت عددًا من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، بتاريخ 16 أكتوبر 2020، واختفوا منذ ذلك التاريخ، ولم يسمح لأهاليهم بزيارتهم، وتعرضوا للتعذيب. ويُخشى أن يكون أحدهم قد توفي تحت التعذيب.
ودعت المنظمة، المجلس الانتقالي للإفصاح عن أماكن اعتقالهم، والإفراج الفوري عنهم دون اشتراطات.

مقالات مشابهة