المشاهد نت

اليمن طفولة مهدورة… محمد: “تركت الدراسة وذهبت للعمل”


تعز – مجاهد حمود:
يعمل الطفل محمد رشاد (13 عامًا) منذ الساعة السادسة صباحًا حتى التاسعة مساءً، في أحد معامل الكيك بمدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، بعد أن ترك مدرسته مجبرًا لإعالة أسرته المكونة من 5 أفراد.
ويقول رشاد لـ”المشاهد”: “قبل عامين أصيب والدي بمرض نفسي تسبب في عدم قدرته على إعالتنا والعمل للإنفاق علينا. تدهورت حالتنا المادية وأنا الولد الوحيد لأربع أخوات وأمي، حينها لم يتبق لي أي خيار آخر بين المدرسة والعمل سوى العمل للإنفاق على أسرتي”.
وبنبرة حزن يستدرك حديثه: للمشاهد “لا أريد أن اترك مدرستي أو أن أفارق زملائي. أريد أن أتعلم كبقية الأطفال، وأبني مستقبلي، ولكن لا شيء في يدي، فظروفي أرغمتني على اتخاذ هذا القرار الصعب”.
ويسرد بعضًا من تفاصيل قصته المضنية: “كنت أدرس في الصف السادس ابتدائي عندما ذهبت للعمل”.
وفي نهاية العام 2018، سافر رشاد إلى مدينة تعز، وحصل على عمل في أحد معامل الحلويات بصينة، بمبلغ بسيط لا يتجاوز 2000 ريال (ما يعادل دولارين أمريكيين) “أعمل بتكييس الحلويات مجبرًا على ذلك، فأنا لا أجيد أي مهنة أو عمل آخر، ولا أستطيع العمل الشاق. كنت أتمنى أن أكون كغيري من الأطفال، لا أحمل همًا سوى مدرستي والمذاكرة واللعب كبقية زملائي الذين فارقتهم وقلبي يتقطع وجعًا وحسرة على ذلك”.

تضاعفت عمالة الأطفال في سنوات الحرب بشكل كبير وملفت، بعد تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الفقر المدقع، بحسب تقرير لمنظمة اليونيسف في اليمن، والذي كشف أن ما يربو على مليوني طفل خارج المدارس


مثله الطفل وديع (15 عامًا) الذي ترك مدرسته في 2017، واتجه للعمل في أحد محلات الجوالات في مدينة تعز.
ويقول وديع: “بعد ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل عند والدي الذي يعمل في البناء، كان قراري أن أترك المدرسة وأذهب للعمل لمساعدته وإسعاد أمي وإخواني رغم أني لست سعيدًا، ولكنها الظروف”.
ويضيف وديع قائلًا: “أعمل في محل الجوالات بمدينة تعز براتب 60 ألف ريال يمني (ما يعادل 50 دولارًا)، أصرف منها حوالي 10 آلاف ريال، والبقية أرسلها لأبي نهاية كل شهر، لأخفف عن كاهله ما استطعت، لتعود الابتسامة إلى وجه أبي الذي كنت أراه عابسًا أكثر الأوقات، ومن أجل هذا أرى أن العمل يكون واجبًا حتى على الأطفال حين يستدعي الأمر ذلك”.

تفاقم عمالة الأطفال

وتضاعفت عمالة الأطفال في سنوات الحرب بشكل كبير وملفت، بعد تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الفقر المدقع، بحسب تقرير لمنظمة اليونيسف في اليمن، والذي كشف أن ما يربو على مليوني طفل خارج المدارس بسبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم. ويُعتبر هذا العدد أكثر من ضعف عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس عام 2015، إذ بلغ عددهم حينها 890,000 طفل.

اليمن طفولة مهدورة… محمد: "تركت الدراسة وذهبت للعمل"


أشارت اليونيسف إلى أن 8,1 مليون طفل بحاجة إلى مساعدة تعليمية بصورة عاجلة، ونزوح 1,71 مليون طفل، منهم 523.000 طفل نازح لم يتمكنوا من التعليم بسبب عدم وجود مساحة في الفصول الدراسية الحالية.
وأكدت اليونيسف أن 3,1 مليون طفل يعمل في اليمن منذ بداية الحرب في العام 2015 حتى يوليو 2021.
وأشار التقرير إلى مقتل 3336 طفل خلال الحرب، وتجنيد 36.000 طفل، وتدمير 2500 مدرسة، وتوقف صرف رواتب 171,600 معلم ومعلمة لم يتسلموا رواتبهم منذ 4 أعوام بشكل منتظم، مما جعل تعليم 4 ملايين طفل على المحك.
ويقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميد، في تصريح لـ”المشاهد”: “لا توجد أرقام دقيقة لذلك لعدم وجود جهات يمكن الرجوع إليها، ولكن الأرقام تشير إلى تسرب أكثر من مليوني طفل من المدارس، يمكن أن تعطينا مؤشرًا على حجم الأطفال الذين يكونون ربما في سوق العمل”.
وأكد الحميدي “للمشاهدأن عدد الأطفال قبل الحرب تجاوز 4000 طفل في سوق العمل، مما يؤكد تضاعفهم بشكل كبير، مما يجعلنا أمام كارثة حقيقية قد تصل إلى أكثر من مليون ونصف.
وأوضح توفيق الحميدي جملة من الأسباب التي تدفع الأطفال إلى سوق العمل، منها العجز عن دفع المرتبات للموظفين، والوضع الاقتصادي البائس في اليمن، وارتفاع معدل الفقر إلى 80% في بعض المناطق.
وأشار إلى أن من بين الأسباب في تفشي الظاهرة، غياب رب الأسرة سواء بالاعتقال أو القتل أو الاغتراب، مضيفًا أن غياب الدولة أدى إلى ضعف النظام التعليمي الذي أصبح غير موثوق به في بعض المحافظات، والذي أصبح مصيدة، حد تعبيره، لاستقطاب الأطفال إلى التجنيد والقتال، إضافة إلى النزوح بسبب الحرب، وعدم توفر مدارس في بعض مخيمات النازحين.

إقرأ أيضاً  معاناة جلب الماء في معافر تعز

تأثيرات سلبية للظاهرة

وتؤكد منظمة اليونيسف أن الأطفال هم أول الضحايا لهذه الأزمة الفظيعة، اذ يحتاج 11.3 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية أو الحماية.
وعندما تتوقف العملية التعليمية في المدارس، يكون الأطفال أكثر عرضة لمخاطر عمالة الأطفال أو الالتحاق بالجماعات المسلحة.
ووفقًا لتقرير اليونيسف، خلال الفترة الواقعة بين مارس 2015 وفبراير 2021، تم تجنيد أكثر من 3,600 طفل في اليمن ضمن القوات والجماعات المسلحة. وفي 2013، انخرط 17% من أطفال اليمن ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا. ومن المحتمل أن يكون هناك المزيد من الأطفال العاملين في الوقت الراهن، بسبب الانهيار الاقتصادي الذي يشهده اليمن.
وشددت اليونيسف على أن التعليم الجيد هو حق لكل طفل، ويجب أن يضعه صناع القرار. داعية جميع الأطراف في اليمن إلى وقف الهجمات على المدارس وأماكن التعليم.
وحذر الحميدي من الأثر السلبي والخطير الذي قد يجعل من الطفل وقودًا للحرب، بحيث إن سوق العمل غير آمن وغير لائق، لذا قد ينخرط الأطفال في أعمال خطيرة كأن يقعون فرائس للمخاطر التي انتشرت في المجتمع كالتسول والسرقات وغيرها من الأعمال غير الأخلاقية.

مقالات مشابهة