المشاهد نت

عندما يكون الوطن محطتك الأخيرة إلى الموت

قتل المسافر عبدالملك السنباني بعد احتجازه من قبل نقطة تفتيش غير رسمية في محافظة لحج


صنعاء – فاطمة العنسي:


“بينما كنت منهمكة في ترتيب أمتعتي لعودتي إلى بلادي، وقعت حادثة عبدالملك السنباني، حينها دارت الدنيا من حولي، وظللت لأيام بلا نوم، أتخيل نفسي مكانه، متسائلة: ماذا لو حدث هذا معي في حال عودتي؟”، تقول جميلة العثماني، الناشطة والمدربة الاجتماعية المقيمة في تركيا، مضيفة لـ”المشاهد”: “تواصل معي الأهل والأصدقاء عقب الجريمة، طالبين مني عدم العودة، لأن اليمن السعيد لم يعد صالحًا للعيش”.
واستطردت العثماني: “أنا في حيرة من أمري، وقلقة من وضعنا كمقيمين خارج البلاد، وكيف سيكون وضعنا في حال عودتنا؟ لا شك أن غياب الدولة وانتشار الجماعات المسلحة سيجعل حياتنا في خطر مستمر في الداخل والخارج”.
وتحولت حادثة مقتل الشاب عبدالملك السنباني، العائد من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى بلاده، عقب 7 أعوام من الغياب، في نقطة أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في منطقة الفرشة بطور الباحة بمحافظة لحج جنوب البلاد، إلى قضية رأي عام.
وعبر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن غضبهم واستهجانهم لما تعرض له الشاب اليمني على يد أبناء بلده، مطالبين بالانتصار للضحية، ووضع حد للانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها اليمنيون في بلدهم.
حوادث مشابهة أيضًا استهدفت مغتربين عائدين إلى اليمن، قبل ذلك، وهم عبدالفتاح المليكي فرحان، عبدالفتاح قحطان حيدرة، وعبدالملك الوتيحي، وقد اختلفت مبررات قتلهم، لكن النتيجة واحدة، هي الموت، كما يقول لـ”المشاهد” عبدالرزاق العزعزي، المقيم مع أسرته في دولة الكويت.

عدم البت في قضية السنباني، شجع القتلة على تكرار حوادث القتل في النقاط الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي، إذ قتل الدكتور عاطف الحرازي، العامل في منظمة أطباء بلا حدود، مطلع اكتوبر الجاري، برصاص مسلحين حاولوا نهب مقتنياته في المنطقة ذاتها التي قُتل فيها السنباني


ويتابع العزعزي الذي يشغل منصب رئيس تحرير المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني: “بالنسبة لي فاليمن لم تعد صالحة للحياة المجتمعية، لاسيما وقد عشنا إحساس الحياة التي توفّر لنا الخدمات الأساسية بدون جهد (ماء، كهرباء، إنترنت، أمان)، لكن اليمن أصبحت مليئة بأولئك اللصوص الذين يحتاجون الحرب كمبرر للإفلات من التزاماتهم كموظفي دولة”.
وتسبب الصراع القائم في البلاد في نزوح عدد كبير جدًا من اليمنيين إلى خارج البلاد، باحثين عن مكان آمن لهم ولأسرهم.

عدم المحاسبة يشجع على القتل

ما يثير مخاوف اليمنيين في الخارج اكثر، هو عدم محاسبة الجناة المعروفين بمقتل السنباني، وعرقلة عمل لجنة التحقيق المكلفة بتتبع سير القضية، التي شكلها محافظ لحج اللواء ركن عبدالله التركي، في الوقت الذي تم تغيير كافة أفراد النقطة الأمنية التي وقعت فيها حادثة القتل، والتابعة للواء التاسع صاعقة، واستبدالهم بأفراد جدد كليًا فقط، وفق مصادر مقربة.
وذكرت مصادر عن اللجنة قولها: “إن اللجنة وجهت العديد من البلاغات والمذكرات لقيادة اللواء التاسع صاعقة، الذي ينتمي إليه الجنود المتهمون بقتل “السنباني”، بهدف اللقاء بهم والاستماع لأقوالهم”. مؤكدة أنها لم تجد أية استجابة من قيادة اللواء، ولم تستطع الالتقاء بالجنود المتهمين حتى الآن.
وفي تصريح سابق لـ”المشاهد”، كشف المحامي جميل شرف القدسي، وهو محامي عائلة السنباني، قائلًا: إن الفريق القانوني للقضية تقدم بطلب لرئيس النيابة الجزائية المتخصصة في عدن، بشأن منحه قرار الإحالة، مع صورة من ملف القضية المُحال إلى النيابة العسكرية للاختصاص.
وأضاف القدسي أن رئيس النيابة الجزائية رد على طلب الفريق، بأن ملف القضية أحيل إلى النيابة العسكرية في 27 سبتمبر الماضي، ممهورًا بتوقيعه.
وأشار إلى أن النيابة الجزائية رفضت تسليم فريق التحقيق نسخة من القرار، لافتًا إلى أن النيابة العسكرية طلبت من الفريق وأولياء الدم الحضور في الأول من أكتوبر الجاري.

النيابة الجزائية رفضت تسليم فريق التحقيق نسخة من القرار، والنيابة العسكرية طلبت من الفريق وأولياء الدم الحضور في الأول من أكتوبر الجاري


ووفق القدسي، فإن أسرة السنباني امتنعت عن الحضور “حتى يتم الوقوف على التطورات المخالفة للقانون، واتخاذ الإجراءات القانونية عبر الجهات القانونية، لوقف هذه التجاوزات المخلة بسير القضية، والعمل على إعادتها لنصابها القانوني، حد تعبيره.
عدم البت في قضية السنباني، شجع القتلة على تكرار حوادث القتل في النقاط الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي، إذ قتل الدكتور عاطف الحرازي، العامل في منظمة أطباء بلا حدود، مطلع اكتوبر الجاري، برصاص مسلحين حاولوا نهب مقتنياته في المنطقة ذاتها التي قُتل فيها السنباني.
وقتل مسافر آخر برصاص جنود تابعين لقوات الحزام الأمني في حاجز تفتيش في مديرية الحد بيافع التابعة لمحافظة لحج، في ثالث عملية بمناطق سيطرة القوات المدعومة من الإمارات.

إقرأ أيضاً  عملة معدنية جديدة.. هل فشلت جهود إنهاء الانقسام النقدي؟

افتحوا مطار صنعاء”

تكرار حوادث القتل في النقاط الامنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، جعل المسافرين عبر مطار عدن الدولي يطالبون بفتح مطار صنعاء، تجنبًا لما حدث للسنباني.
وتقول أم عمر (28 عامًا) المقيمة في العاصمة الألمانية برلين، منذ العام 2013: “أتمنى أن يفتح مطار صنعاء، للتخفيف من معاناة الطريق التي مررنا فيها أنا وأولادي وغيرنا من المسافرين إلى صنعاء، من قبل هذه الظروف ومن بعدها. فتح مطار صنعاء مطلبنا وحقنا جميعًا داخل وخارج البلاد”.
لكن سيف الحدي، الناشط الحقوقي في مجال السلام، أكد أن مبادرة فتح مطار صنعاء الدولي سيحوله إلى “سوق سوداء” كبيرة، مضيفًا لـ”المشاهد”: “لست ضد فتح المطار، ولكن بشروط، أهمها أن يتم تشغيله والإشراف عليه من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والأمم المتحدة”.
وألغى الحدي، الذي يقيم في هولندا منذ 2019، فكرة العودة إلى اليمن بعد مقتل السنباني، وقال: “لو أردت رؤية الأهل سأراهم في مصر أو غيرها من البلدان المجاورة، ولن أسافر عبر مطار عدن أو غيره”.
وأضاف: “أسرتي طلبت مني ومن إخوتي عدم العودة لليمن، عقب حوادث القتل في النقاط الأمنية، حتى لا نكون ضحايا محتملين، خصوصًا مع غياب الجهات الأمنية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار، في الطرقات”.

مقالات مشابهة