المشاهد نت

الصحفي اليوسفي: في المعتقل.. الإنسان مجرد رقم !

القاهرة ـ سعاد يوسف

بعد مرور عام على الإفراج عنه، يتذكر الصحفي هشام اليوسفي، سنوات المعاناة التي عاشها في معتقل لجماعة الحوثي، منذ اختطافه من قبلهم في الـ9 من يونيو 2015. وتم الإفراج عن اليوسفي في الـ19 من أكتوبر 2020، بتفاهمات رعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويقول اليوسفي لـ”المشاهد”: “نجوت من الموت بأعجوبة، قبل اختطافي تم إطلاق النار باتجاهي أثناء تصويري لوقفة احتجاجية مناهضة للعنف وسياسة الاعتقال التي تقوم بها جماعة الحوثي”، مضيفًا: “في مايو 2015 كنت أعمل مصورًا صحفيًا لنقل معاناة المواطنين في العاصمة صنعاء جراء الحرب، وقبل ذلك بأشهر كنت فقدت عملي كمعد لبرنامج تكنولوجيك في قناة معين، بعد أن داهمت جماعة الحوثي وسائل الإعلام، وأوقفتها”.
وداهمت جماعة الحوثي مقر إقامة اليوسفي وزملائه في يونيو 2015، كما يقول، مضيفًا: “تم إيداعي السجن لمدة 5 سنوات ونصف، تعرضت خلالها لصنوف التعذيب النفسي والجسدي، وعشت فصولًا من الحرمان والمعاناة. كانت الحياة في بعض مراحل السجن أكثر بشاعة من الموت، لا توجد فيه ذرة إنسانية، كان مدير السجن المدعو يحيى سريع، مسخًا على هيئة إنسان، متشبع بالحقد والطائفية، متجرد من كل صفات الإنسان، يكن العداء في صورة غير مألوفة. لمجرد تذكر لحظات تعذيبه لنا أدخل في نوبات ألم كما لو أني أعيش ذات التعذيب من جديد”.

الأمل المصطنع في السجن

وكون السجناء لا يمتلكون الحق في الرفاهية والحصول على أبسط مقومات الحياة، يسرد اليوسفي آماله والزملاء لأبسط ما يدعو للفرح، قائلًا: “السجناء كما الأطفال يفرحون لأبسط ما يدعو للفرح، كنت أفرح لمجرد تمكني من تهريب باكت علاج يحوي في داخله كتلوج الدواء، كان ذلك إنجازًا يشعرني بالسعادة، كذلك زملائي كلنا نشعر بالسعادة، فنحن سنتناوب في قراءة تلك الورقة، ونقرأها مرارًا. الحرمان جعلنا نفرح بمثل هذا”.
ويضيف: “في السجن حاسة السمع قوية بخلاف خارجه، لأننا حبيسو جدران، والأفق محدود، العين اعتادت على رؤية الوجوه وذات الجدران، في فترة ما كانت الزنزانة التي نقبع فيها على مقربة من غرفة شاوش السجن، وكان لديهم تلفاز، كنت أنصت حينها لساعات أنا وزميلي هيثم الشهاب، لنتمكن من سماع بعض الأخبار”.
“كان شعاري في السجن عش يومك لا تفكر في الماضي ولا المستقبل، حاول أن تجلب لنفسك السعادة، كنت أتجاوز بخيالي حدود المكان، كتبت بدون قلم، كنت أتمتم ببعض الأبيات، وأحفظها حتى يحين لي كتابتها في وقت آخر حين حصولي على قلم بشكل مؤقت لكتابة قائمة المتطلبات من بقالة السجن”، يروي اليوسفي لحظات عاشها بالسجن”.

إقرأ أيضاً  «معارض رمضانية» تخفف معاناة المواطنين بحضرموت

رقم وليس إنسانًا

يلاقي السجناء صنوفـا متعددة من التعذيب والإهانة، يروي الصحفي اليوسفي ما عايشه في الزنزانة الانفراية، قائلًا: “في القبر، أي في انفرادية الأمن السياسي، حيث لا تتمكن من رؤية يدك في النهار، أنت هنا في عالم مختلف، أنت رقم ولست إنسانًا وكيانًا”، ويتذكر ما جرى له: “كان السجان يناديني يا 16 انهض، و16 هو رقم الزنزانة. ذات مساء في رمضان تقريبًا، في الـ18 منه، تعرضت للتعذيب أنا وزميلي حارث حميد الذي كان اسمه 20 برقم الزنزانة، وكذلك شخص ثالث تعرض للتعذيب معنا، لأننا اقترفنا خطأ الحديث أثناء انشغال السجان بسماع كلمة زعيم جماعة الحوثي، سمعنا السجان نتحدث حينها، وعقب انتهاء الكلمة قام بتعذيبنا الواحد تلو الآخر، ظلت آثار التعذيب لأكثر من أسبوع في جسدي. حينها أجبرني السجان على التدحرج على سطح خشن لامتداد أكثر من 10 أمتار ذهابًا وعودة، ويطلب مني الوقوف بشكل سريع وأنا مصاب بالدوار حينها بسبب الدحرجة، ارتطمت بالأرض، وتسبب ذلك في جراح وكدمات بالغة في جسدي ورأسي، ورفض السجان إحضار الطبيب، وتعايشت مع الألم رغمًا عني”.
وقبل أن تفرج الجماعة عن اليوسفي، أصدرت حكمًا جائرًا بحقه في 11 أبريل 2020، يقضي بمصادرة مقتنياته الصحفية من أجهزة ومعدات، وإبقائه تحت رقابة السلطات، وأخذ ضمانة تجارية بعدم ممارسته العمل الصحفي.

ما بعد المعتقل

عن واقع الحياة بعد المعتقل وكيف للسجين أن يتعايش مع وضعه النفسي وما تعرض له ولسنوات عديدة، يقول اليوسفي: “لا بد لنا من التخلص من الآثار النفسية التي تعرضنا لها، وهي بذلك تتلاشى مع مرور الأيام برغم تذكري للحظات الألم الذي تعرضت له، وبعض الرؤى والأحلام التي أراها وتعيد ذاكرتي للسجن، وتذكري الدائم لزملائي الباقين في السجن، وكيف هي أحوالهم لإدراكي أن وضعهم سيئ للغاية”.
يناشد الصحفي اليوسفي الحكومة أن تجعل الملف الإنساني وملف الصحفيين والمختطفين من أول أولوياتها، وتتم مناقشته بشكل عاجل في كل وقت، ولا داعي لبقاء المختطفين قيد الإهمال والتغييب والنسيان، ويأمل من الحكومة إنصاف الصحفيين ومعاقبة الجناة ومنتهكي الصحافة، بتكاتف الجهود الحقيقية ليتمكن الصحفيون من رفع قضاياهم ضد المنتهكين وإيصال أصواتهم للمحافل الدولية، وأيضًا لتمكنهم من الضغط على المنظمات الدولية التي بدورها تستطيع أن تضغط على جماعة الحوثي للإفراج عن زملائنا الصحفيين.

مقالات مشابهة