المشاهد نت

التأثير المتوقع لزيارة غروندبيرغ تعز

تعز – وفاء غالب:

تعلق بعض المدنيين في تعز بآمال كثيرة، مع زيارة هانس غروندبيرغ، الذي يعد أول مبعوث أممي إلى اليمن يصلها طوال سنوات الحرب، برغم الثقل السياسي لهذه المحافظة، التي يبلغ سكانها أكثر من 3.5 مليون نسمة، والدور المؤثر لها في مسار السلام المتعثر بالبلاد.
في المقابل، لا يشعر آخرون بتفاؤل كبير إزاء ما قد ينتج عن زيارة غروندبيرغ لتعز، بسبب مواقف الأمم المتحدة المختلفة طوال فترة الحرب، التي تقول الحكومة اليمنية إنها منحازة لجماعة الحوثي المتشبثة بملف هذه المحافظة، وتستخدمه كورقة للضغط في أية مفاوضات.

حصار ومعاناة

عاشت تعز في بداية الحرب عام 2015، لأشهر في حصار خانق، استمر حتى تم كسره بشكل جزئي عام 2016، من الجهة الغربية، لكن ذلك لم يكن كافيًا لإنهاء معاناة المدنيين، فالمدينة مقطعة أوصالها بسبب سيطرة جماعة الحوثي على باقي منافذها.
كان من الممكن أن تنتهي تلك المعاناة، ويتم فك الحصار، بتنفيذ اتفاق ستوكهولم الذي تم التوقيع عليه من قِبل الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي عام 2018. لكنه لم يرَ النور مثل اتفاقات أخرى كثيرة.
نتيجة لذلك، مازال المدنيون بتعز يقطعون ساعات طويلة للتنقل بين المدينة وريفها، في طرق شديدة الوعورة، أسهم ذلك أيضًا بارتفاع أسعار المواد الغذائية المختلفة مقارنة بمحافظات أخرى، بسبب زيادة تكلفة النقل.

وعود غروندبيرغ

عقب وصول غروندبيرغ إلى تعز، تعهد بالعمل على رفع حصار المحافظة التي أكد أنها ستكون جزءًا أساسيًا من الحل الشامل للسلام، وتحدث خلال لقائه بالسلطة المحلية وقيادات حزبية ومجتمعية، عن القيود التي يواجهها المواطنون في حرية حركتهم، فضلًا عن معاناتهم بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، والانقطاع المتكرر في توفير الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، وغياب الأمن.
وأشاد المبعوث الأممي بدور أبناء تعز الداعم للسلام، الذين قال بأنهم كانوا في صدارة مبادرات المجتمع المدني للوساطة في مجال تبادل الأسرى، ومبادرات أخرى لتحسين توفير الخدمات الأساسية، أو للسعي من أجل فتح الطرق، وإيجاد حلول للمشاكل الناجمة عن النزاع الذي طال أمده.

حجم التأثير المُتوقع

تزامنت زيارة غروندبيرغ مع معارك شرسة في مأرب وجبهات قتال أخرى، وحراك مكثف دولي تتصدره أمريكا عبر مبعوثها إلى اليمن تيموثي ليندركينج، وذلك في محاولة للتوصل لحل ينهي الحرب المستمرة منذ 2015.
بناء على ذلك، ووعود غروندبيرغ، يعتقد أستاذ إدارة الأزمات والصراعات بجامعة الحديدة، الدكتور نبيل الشرجبي، أن زيارة المبعوث الأممي لا تحمل أية أهمية، ولن يكون لها أي تأثير على أيٍ من المسارات التفاوضية أو العسكرية.
فقضية تعز، كما يوضح الشرجبي لـ”المشاهد”، هي محطة أو قضية جانبية فرعية في مجمل ملف الصراع أو السلام في اليمن؛ فأدوات الصراع أو السلام أصبحت حتى في أحيان كثيرة خارج إطار الفاعلين المحليين المركزيين؛ الشرعية وحلفائها، والحوثيين وحلفائهم (ويقصد التحالف العربي وإيران).
ويرى أن زيارة جروندبيرج كانت نتيجة لتوصية سابقة من المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث، الذي كان من المفترض أن يقوم هو بها عقب اتفاق ستوكهولم وملحقها الخاص بتعز، والتي أشار لها في إحاطته الوداعية التي شدد فيها على أهمية زيارة المحافظة، والاطلاع على أحوالها، باعتبارها واقعة تحت الحصار، وتمارس ضدها سياسيات غير مسبوقة.
وإجمالًا، لا يتوقع الشرجبي أن يحمل المبعوث الحالي معه بعد هذه الزيارة، أكثر من بعض الجمل، التي سوف تحتويها إحاطته القادمة أمام مجلس الأمن، دون تقديم أي وعود أو حلول أو حتى تغيير في الأوضاع.
ويختم حديثه بالإشارة إلى عدم وجود القيادات الميدانية أو الحزبية الكبيرة المؤثرة في المشهد السياسي في تعز، أو التي لها صلاحيات تفاوضية وصانعة القرار في البت بأية قضية.
ولا يختلف رأي الشرجبي، كثيرًا، عن انطباع الصحفي والباحث والناشط حسن الحاشدي، الذي قال لـ”المشاهد” إنه لم يعد متفائلًا بمثل هكذا شغل، لأنه “ذو صبغة زئبقية، ويمسك العصى من منتصفها، ويبقي الأوضاع كما هي”.

إقرأ أيضاً  «معارض رمضانية» تخفف معاناة المواطنين بحضرموت

مشاهدة الواقع المؤلم

تعكس تقارير حقوقية بعض ما يحدث في تعز، فمركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، رصد في تقريره السنوي لعام 2020، قتل جماعة الحوثي نحو 117 مدنيًا، بينهم 31 طفلًا، و22 امرأة، تنوعت أساليب القتل بين القصف بالقذائف والصواريخ الباليستية والألغام والرصاص المباشر والعبوات الناسفة والحرق والإعدام والاغتيال والتعذيب حتى الموت، فضلًا عن إصابة 292 مدنيًا، بينهم 85 طفلًا، و50 امرأة، وكذا اعتقال 50 شخصًا، وتعرض 30 شخصًا للإخفاء القسري، إضافة إلى تضرر 429 ممتلكًا عامًا وخاصًا.
ويذكر الناشط الحاشدي الذي حضر الاجتماع مع غروندبيرغ، أن أهمية زيارة المبعوث الأممي إلى تعز تبرز من حيث مشاهدة الواقع الحي المؤلم، وعدم الاعتماد على التقارير التوصيفية، والتي قد لا تعكس الحقيقة كما هي، والذي عبر عنه غروندبيرغ بقوله: “لقد مررنا في الطريق إلى مدينة تعز، وعشت المعاناة، وشاهدنا كذلك أشكالًا مختلفة تعبر عن المعاناة الكبيرة، التي تواجه التنقل ووصول الخدمات والحصول على السلع، وبشكل أكبر مما نراه في كل اليمن”.
أما عن تأخر زيارة بهذا الحجم لتعز طوال سنوات الحرب، فيرى أن بعضها يرجع إلى عدم جدية المبعوث نفسه، أو الخوف من المخاطر التي تصاحب عادة مناطق الصراعات والنزاعات في العالم، وكذا عوامل التضليل الإعلامي الذي تشتغل عليه ماكينة الإعلام، وإبراز تعز على أنها مليئة بـ”الدواعش” ومن ذلك القبيل.

مطالب ممثلي المجتمع المدني

الناشطة السياسية وعضو مؤتمر الحوار الوطني الجامع، ألفت الدبعي، التي حضرت اللقاء مع المبعوث الأممي بتعز، أفادت في منشور لها على صفحتها في “فيسبوك”، بأنهم كممثلين عن المجتمع المدني، أكدوا معاناة المدنيين، وأهمية تحييد العمل الإنساني، وتجنيب المدنيين ويلات القصف العشوائي على مناطق سكنهم، وكذا أهمية إنهاء معاناتهم من استمرار حصار المدينة منذ أكثر من 6 سنوات، وما يعانيه المرضى وكبار السن والنساء والأطفال، جراء التنقل عبر طرق وعرة، في ظل استمرار إغلاق الطرقات أمام المدنيين ووعورة الطرق.
وأشارت الدبعي إلى أن الحاضرين طالبوا بإعادة النظر في آليات التعامل من قبل مكتب الأمم المتحدة ومنظماتها مع الوضع الإنساني الكارثي، وضرورة استهداف الجرحى والمعاقين، والمعتقلين والأسرى المفرج عنهم ببرامج التمكين الاقتصادي والحماية، والعمل على إعادة الدمج مع المجتمع بالشكل السليم، في ظل مساعي المبعوث الأممي للعمل على بناء السلام، وإعادة أطراف الحرب للجلوس على طاولة الحوار.
ولقيت زيارة المبعوث الأممي، ترحيبًا من رئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية بتعز الشيخ حمود سعيد المخلافي، الذي أكد أنها بداية حقيقية لإنهاء الحصار عن المحافظة التي عانت من تجاهل متعمد منذ بدء الحرب.
يذكر أن غروندبيرغ، هو رابع مبعوث أممي إلى اليمن، واستلم مهامه رسميًا في سبتمبر الفائت، وقام بجولات عديدة بدأها من السعودية، وشملت كذلك سلطنة عُمان واليمن والأردن وإيران.

مقالات مشابهة