المشاهد نت

النازحون.. الوجع الآخر للحرب


تعز – مجاهد حمود
“نعيش وضع صعب لا يمكن تصوره ولا نملك غير ما تجود به علينا المنظمات من فتات يبقينا على قيد الحياة” بهذه الكلمات أختصر الأربعيني “أحمد حسن” وضعه المعيشي بعد نزوحه من مدينة الحديدة في بداية المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين في العام 2018م.
وبنبرة حزن يستدرك حديثه لــ” المشاهد” ليس سهلاَ أن تغادر مكانك مجبراَ تاركاَ منزلك ومصدر رزقك حاملاَ معك الالآم والأحزان، “برفقة أولادي الثلاثة غادرنا صباح ذلك اليوم و لا أعرف أين الوجهة ولا المصير الذي ينتظر عائلتي، كنت حينها لا أملك من المال سوى ما يوصلني إلى أحد الأرياف في شرعب بمحافظة تعز، حيث منزل عمي والد زوجتي وهو الخيار الوحيد الذي كان أمامي، ولا أملك سوى الباص الذي كان مصدر رزقي الوحيد ولكني تركته وتركت كل شيء” .
أحمد واحدٌ من أربعة ملايين نازح أجبرتهم الحرب على ترك منازلهم، يعيشون في ظروف صعبة تتفاقم يوماً بعد آخر في ظل الحرب الدائرة في اليمن منذ سبعة أعوام .

رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين “نجيب السعدي” أكد على حرص الوحدة التنفيذية من اشراك النازحين في رسم سياسة الاستجابة الإنسانية حسب الأولويات الملحة ومراعاة العرف المحلي والسلم المجتمعي.. مشيداً بالجهود التي تبذل من قبل المنظمات الدولية في تلبية الاحتياجات الإنسانية والتخفيف من آثار الأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد.
أرقام صادمة
كشفت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين ” للمشاهد” في دراسة مسحية متعددة القطاعات أجرتها عن النازحين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية خلال العام المنصرم 2021 م بأن إجمالي عدد النازحين بلغ ( 2,827,686) نازح

منهم (1,395,381) ذكور و (1,432,305) إناث.

النازحون.. الوجع الآخر للحرب

بلا خدمات صحية
لم تقتصر مخاطر المجاعة التي باتت تهددهم في ظل انعدام الأمن الغذائي للنازحين الأكثر عرضة لخطر المجاعة بأربع أضعاف مقارنة بعموم السكان. واستمر الصراع في التأثير على الاقتصاد، والذي كان قد ضعف أصلاً نتيجة الحرب وتدهور العملة الوطنية .
وكان لتفشي فيروس كورونا أعباء إضافية على خدمات الرعاية الصحية الشبه منعدمة إضافة الى تفشي الأمراض بسبب الأمطار والسيول مثل الكوليرا والملاريا والضنك والدفتيريا وغيرها من الأوبئة في ترد كبير للخدمات الصحية في مواطن النزوح.
وقال نائب مدير إدارة الإعلام والتثقيف بمكتب الصحة بمحافظة تعز ” تيسير السامعي” في تصريح لـ “المشاهد، إن مخيمات النازحين هي الأكثر عرضة لتفشي الأمراض والأوبئة بسبب الازدحام وقلة الوعي لدى فئة كبيرة منهم .
وأضاف السامعي “كانت مخيمات النازحين الأكثر عرضة لفيروس كورونا أيام الجائحة والأسرع انتشارًا بسبب الاختلاط وتجاهل القواعد المتبعة لتفادي الفيروس، حيث رصد مكتب الصحة عدد كبير من الإصابات بالفيروس وغيره من الأمراض المعدية وعمل قدر الإمكانيات المتاحة لديه”.
ودعا السامعي كافة المنظمات الدولية إلى التدخل العاجل والسريع لتلك المخيمات التي تفتقر إلى أبسط الأشياء من أدوات النظافة والمعقمات والأدوية .
وحصل المشاهد على إحصائية حديثة أجرتها الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية بأن ( 348 ) مخيم يفتقر للخدمات الصحية بنسبة (69% ) من إجمالي المخيمات، وأضافت الإحصائية أن ( 26102 ) فرد في تلك المخيمات مصابون بأمراض معدية مثل الملاريا والإسهال المائي والأمراض الجلدية بنسبة ( 6% ) من النازحين. إضافة إلى المصابين بأمراض مزمنة والبالغ عددهم ( 26253 ) فرد نازح بنسبة ( 7% ) من إجمالي النازحين، وكان عدد الذين يعانون من مشاكل صحية في السمع والبصر والقدرة على الحركة أكثر من “56037” بنسبة( 14% )، و (2879 ) فرد نازح من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يستطيعون الحركة كلياً وهم بأمس الحاجة إلى الرعاية والاهتمام .
وأكدت الإحصائية بأن المخيمات تفتقر إلى العيادات والخدمات الصحية رغم الانتشار الكبير للأمراض المعدية بين أوساط النازحين كالجرب والملاريا والكوليرا إضافة إلى إصابة بعض المخيمات بكورونا مع انتشار الجائحة والمقدر نسبتهم 7% من إجمالي المخيمات . في أسواء أزمةٍ إنسانية في العالم للعام السابع على التوالي، وبحلول نهاية العام، كان هناك 21 مليون يمني وبات (80% من سكان البلاد) ممن هم بحاجةٍ ماسةٍ للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك 4 ملايين نازح داخلياً حسب تقرير للأمم المتحدة.
الوحدة التنفيذية للنازحين أفادت بأن الأطفال المصابون بسوء التغذية الحاد بلغ عددهم ( 4089 ) طفل اي ما يعادل إصابة طفل من كل عشرة أطفال في المخيمات، وكان للنساء الحوامل وجهاً آخر للمعاناة حيث بلغ عدد المخيمات التي لا تتوفر فيها الرعاية الصحية للحوامل والمرضعات بنسبة ( 82% )من إجمالي المخيمات والتي تعتبر النساء فيها محرومات كليًا من الرعاية الصحية .

إقرأ أيضاً  غياب الوعي بالتغذية العلاجية في اليمن 
النازحون.. الوجع الآخر للحرب

تغذية للبقاء على قيد الحياة
تقول ” عائشة فرحان” لـ”المشاهد”وهي إحدى النازحات في مخيم إذخارة بوادي البركاني جنوب محافظة تعز، إن “أكثر ما نعانيه هو عدم توفر الأكل معظم الأحيان، وغالبا ما كنا ننام بدون عشاء أنا وأولادي الثلاثة، لدي بنتان وطفل ، وليس لدينا أحد غير الله، فوالدهما متوفي”، مستدركة حديثها “معظم النازحين هناء لديهم رجال ويخرجون للعمل لمساعدة أهاليهم ولكن هذا قدر الله علينا”.
وأفادت الوحدة التنفيذية للنازحين أن “285388” أسرة تعاني من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 78% بينما “34333” أسرة تعاني من انعدام الأمن الغذائي ولا تستلم أي مساعدات غذائية. وأضافت بأن ” 20688″ أسرة تعتمد على الأجر اليومي كمصدر رئيسي للعيش بنسبة 26.3% ، وما يعادل نسبة 22% فقط من الأسر من تستفيد من مشاريع الأمن الغذائي في المخيمات ، و 78 % من الأسر غير مستهدفة في برنامج الأمن الغذائي للنازحين.
و 39 % من الأسر تعتمد على العمل الحر والأجر اليومي كمصدر للدخل، و14% من الأسر النازحة ليس لها مصدر دخل إضافة الى 22% من الأسر تعتمد على المساعدات الإنسانية و 6% من الأسر تعتمد على التسول .

النازحون.. الوجع الآخر للحرب

مأرب وتعز الأكثر نزوحاً
وقالت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب أن 332,248 أسرة نزحت خلال العام 2021 م ما يعادل ” 2,246,237″ فرد إضافة إلى 21420 أسرة، و 128,244″ فرد نزحوا حديثاً جراء تصاعد حدة المواجهات في مأرب.
وأوضحت بأن إجمالي عدد المخيمات “181” مخيم إضافة إلى 40 مخيم تم إنشائه حديثاً . يليها محافظة تعز حيث بلغ عدد النازحين فيها (219,053) فرد خلال حتى نهاية العام 2021 م
وذكرت تقارير للأمم المتحدة بأن حوالي 40 ألف شخص أضطر للفرار داخل مأرب منذ شهر سبتمبر. ما يقرب من 70 بالمائة من كافة حالات النزوح في هذه المحافظة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من البلاد منذ بداية العام.
و تستضيف محافظة مأرب في الوقت الحالي نصف عدد النازحين حديثاً والمقدر عددهم بنحو 120 ألف شخص والمنتشرين في جميع أنحاء البلاد في عام 2021.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن حالات النزوح الجديدة إلتي تفاقم الاحتياجات الإنسانية القائمة، مما يضاعف بشكل كبير الحاجة إلى المأوى، والمواد المنزلية الأساسية، والمياه ومرافق النظافة، والتعليم، وخدمات الحماية – خاصة للأطفال.
تزامناً مع تفشي الأوبئة والأمراض بين النازحين مثل الإسهال الحاد والملاريا والتهابات الجهاز التنفسي العلوي والتي أصبحت شائعة بين النازحين حديثاً. وهناك حاجة ماسة لإجراء فحوصات جماعية لتوفير الرعاية الصحية ومنع انتشار الأمراض المعدية.

مطالبات بوقف الحرب
طه محمد ثلاثيني نازح في مخيم البركاني بتعز، أوضح للمشاهد عن الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه النازحون قائلًا: ” نفتقر لأبسط الخدمات الصحية والمساعدات الغذائية بسبب عدم وصول المنظمات الإغاثية إلينا”. واستدرك حديثه “موسم الأمطار بالنسبة للنازحين هو الأكثر معاناة بسبب انتشار الأمراض”.
وتساءل طه “ألا يكفي هذا ؟ سبع سنوات من الحرب والوضع يزداد سوءًا يومًا بعد آخر، لقد تعبنا نريد أن نعود لحياتنا السابقة للمنزل والجيران لمن شردتهم الحرب وفرقتهم، وبنبرة حزن مثقلة بالوجع يضيف ” لا أحد يحس بما نعانيه للأسف لقد مات الضمير والإنسان في هذا البلد المكلوم والممزق”.
وناشد طه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط على الأطراف السياسية لوقف الحرب داعياً كافة الأطراف اليمنية إلى الوقف الفوري للحرب .


تقارير دولية
قالت المفوضية الأممية للاجئين، إن هناك واحد من كل ثمانية يمنيين في عداد المهجرين. واضطر نحو 172,000 شخص للنزوح خلال العام 2020؛ وأغلبهم ضمن محافظة مأرب التي تستضيف – إلى جانب محافظات حجة والحديدة وتعز – 55% من السكان النازحين داخلياً. وقد جعل الوضع الأمني عودة المهجرين شبه مستحيلة على الأغلب، ولم يتمكن سوى أقل من 11,000 شخص من العودة إلى المناطق التي يتحدرون منها هذا العام.
وأضافت بأن الحياة في اليمن تزداد صعوبة وخطورة يومًا بعد آخر، مشيرة بأن 64 في المائة من العائلات النازحة ليس لديها مصادر دخل، ويكسب آخرون أقل من 50 دولارًا أمريكيًا في الشهر لتغطية احتياجاتهم المعيشية، ونتيجة لذلك، فإن عائلتين من كل ثلاث عائلات نازحة تقول إنها تلجأ لآليات تكيف غير سليمة من أجل البقاء، كالحد من وجباتهم الغذائية أو تخطيها، أو إخراج أطفالهم من المدرسة أو تجاهل أمور العناية بالصحة. وينتهي الأمر بالبعض بالتسوّل أو بيع ما تبقى من حاجياتهم، فيما مشكلة زواج الأطفال آخذة في الارتفاع.

مقالات مشابهة