المشاهد نت

استيراد الوقود في زمن الحوثي.. تضليل ومصدر ثراء

إيرادات الوقود في مربع التضليل مجددا

تحقيق- علي مقبل

تمثل السوق السوداء للمشتقات النفطية في مناطق سيطرة الحوثيين، أزمة مزمنة تمتد بعمر سنوات الحرب الدائرة في البلاد. إنها في مشهد مأساوي بلغ حدًا لا يطاق، وتشبه ثقبًا أسود يتسع كل يوم. ولا يبدو في الأفق علامة لوضع حد لتغولها في حياة اليمنيين. الوقود والمال والرجال إلى الجبهات يوميًا، فلم تعد كمية المشتقات النفطية التي تدخل إلى البلاد قادرة على تلبية الاحتياج الفعلي من الاستهلاك، في وطن تنتهي فيه كل وسائل الحياة، ووحدها وسائل الموت لا تنفد.

“يا شباب، الذي عنده كشف المحطات المعتمدة لتوزيع البترول بكرة يرسله الآن، كتب الله أجركم”.. رسالة تتكرر يوميًا عشرات المرات في مجموعات “واتساب” في مناطق سيطرة الحوثيين. سائقو سيارات الأجرة بمختلف أنواعها يتركون منازلهم ويذهبون للسهر في طوابير طويلة تمتد مئات الأمتار أمام بضعة محطات اعتمدتها سلطات الحوثيين لتزويد المواطنين بالنفط، لعلهم يحصلون على 40 لترًا من البنزين، ما يعادل صفيحتين، بقيمة تصل إلى 36 دولارًا (22 ألف ريال يمني)، في حال حالفهم الحظ، أو عليهم شراء صفيحة واحدة من السوق السوداء بسعر 28 ألف ريال (ما يقارب 46 دولارًا).

فيديو: تحقيق استيراد الوقود في زمن الحوثي

مأساة بدأت حين أعلنت الجماعة المسلحة وضع يدها رسميًا على تجارة النفط في 27 يوليو 2015، بقرارها تعويم المشتقات النفطية، الذي ألغى فعليًا دور شركة النفط اليمنية الحكومية في استيراد المشتقات النفطية، وحوّل الشركة العمومية بما لها من أصول كبيرة، إلى مشرف سوق سوداء ابتلعت كل مدخرات اليمنيين.

قيمة واردات المشتقات النفطية تأتي في المرتبة الثانية بعد القمح مباشرة من بين أعلى الواردات إلى اليمن، حسب قيمتها

قرار تعويم سعر المشتقات النفطيةسبأنسخة الحوثيين

وبلغت مساهمة إيرادات الوقود والغاز المباع للسوق المحلية في اليمن، في 2014، حوالي 6.8%، من إجمالي الناتج المحلي، بقيمة إجمالية 497.1 مليار ريال (2.3 مليار دولار أمريكي بقيمة سعر الصرف ذلك الحين)، حسب التقرير السنوي الصادر عن البنك المركزي اليمني للعام 2014.

وبحسب مرصد التعقيد الاقتصادي الذي يقدم بيانات عن التجارة الدولية حول العالم، فإن قيمة واردات المشتقات النفطية تأتي في المرتبة الثانية بعد القمح مباشرة من بين أعلى الواردات إلى اليمن، حسب قيمتها. وبلغت قيمة واردات الوقود إلى اليمن في 2015 حوالي 781.1 مليون دولار، حسب موقع أعلى الصادرات العالمية.

التأسيس لسوق سوداء مستمرة

بالرغم من أن سعر الوقود في اليمن وقرار خفض الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية كانت الذريعة التي أشعلت ثورة الحوثيين التي انتهت باجتياح مسلحي الجماعة العاصمة صنعاء في أواخر سبتمبر 2014، إلا أن الجماعة أصدرت قرار تعويم المشتقات النفطية عبر اللجنة الثورية العليا للجماعة برئاسة محمد علي الحوثي، في 27 يوليو 2015. وقضى القرار بتحرير أسعار المشتقات النفطية وربطها بالسعر العالمي.

مثّل القرار إلغاء كليًا للدعم الحكومي للمشتقات النفطية، وفرض رسوم جديدة بواقع 5 ريالات عن كل لتر من البنزين والديزل لصالح بناء محطة كهرباء حكومية. وعوضًا عن إنجاز المحطة سمح الحوثيون بتشغيل المئات من محطات الكهرباء التجارية، حيث بات في كل حارة بالمدن التي يسيطرون عليها محطتان على الأقل.لقد فتح قرار الحوثيين بتحرير أسعار الوقود باب استيراد المشتقات النفطية على مصراعيه أمام شركات مرتبطة بجماعة الحوثي، ما يوضح أن القرار كان مخططًا له بعناية لهذا الغرض.

التضليل بشأن احتجاز شحنات الوقود

لا يستورد الحوثييون النفط من الأسواق العالمية وفقًا لسعر النفط العالمي، بحسب قرار التعويم الذي ربط شراء وبيع النفط بالسعر العالمي. فكل الشواهد تؤكد أن الحوثيين كانوا يتحايلون على كافة الإجراءات القانونية من أجل استيراد النفط الإيراني بطرق ملتوية، والحصول على منح مجانية منه أيضًا عبر موانئ صلالة بسلطنة عمان وأم قصر بالعراق والحمرية بالشارقة، وهو ما دفع اللجنة الاقتصادية للحكومة المعترف بها دوليًا لإصدار قرار بمنع استيراد النفط عبر هذه الموانئ، في يونيو 2019. وقوبل القرار الذي بررته اللجنة بأنه يأتي للحد من التجارة غير القانونية للمشتقات النفطية إلى اليمن، باستياء كبير لدى الحوثيين الذين قادوا حملة احتجاجات كبيرة في صنعاء ضد القرار لفترة من الوقت.

ويؤكد تقرير لجنة الخبراء الأمميين بشأن اليمن للعام 2019، تورط شركات حوثية وأطراف أخرى في توريد المشتقات النفطية للحوثيين بطرق غير رسمية. وحسب التقرير فإن شحنات نفطية قدمت من إيران ووصلت إلى رأس عيسى في اليمن بسندات شحن صادرة عن شركة ليو شيبنغ المحدودة في الإمارات العربية المتحدة. وبحسب اللجنة فإن سندات شحن أخرى أفادت خطأً بأن الشحنات حملت من موانئ عمانية وصدرت عن شركة ليو شيبنغ التي تعرف نفسها بشركة شحن تعمل في تأجير وسمسرة البضائع الجافة وإدارة السفن (الفنية والتجارية) ومناولة البضائع والانضمام للمغامرات وعقود الشحن والاستشارات ليو شحن.

في سبتمبر 2021 فرضت الإمارات عقوبات اقتصادية على عدد من الشركات ورجال الأعمال، بعضهم يمنيون على علاقة مباشرة مع الحوثيين بصنعاء. من هذه الشركات ساسكو لوجستيك، ومن الشخصيات شريف باعلوي. وتتبع معد التحقيق للأسماء التي تعمل في ساسكو لوجيستيك في الشحن والنقل البحري والبري اللملوكة لشريف باعلوي أيضًا، ولها مقر في دبي، وآخر في ميناء صلالة بسلطنة عمان، ومقرها القائم حاليًا في عمارة سويد بشارع الزبيري بصنعاء، وسويد أيضًا فرضت عليه الخزانة الأمريكية عقوبات باعتباره واحدًا من غاسلي أموال الحوثيين بين اليمن وإيران ودول أخرى. وتستورد ساسكو لوجستيك المشتقات النفطية الإيرانية من الحوثيين، لتبيعها للحكومة الشرعية بأوراق صادرة عن شركات إماراتية، وفقًا لما ذكره المحافظ السابق لمحافظة المهرة راجح باكريت، في تغريدة له.

تغريدة محافظ المهرة السابق-شراء الوقود من إيران-سبتمبر 2021

ويؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي، في حديثه لـ”المشاهد”، أن الحوثيين يحصلون على المشتقات النفطية من إيران، حيث تأتي السفن المحملة بالنفط الإيراني إلى أحد الموانئ الإماراتية، وهناك يتم تغيير السفينة والأوراق لتصبح صادرة من الميناء الإماراتي، ومن ثم تكمل السفينة طريقها إلى ميناء الحديدة.

ويتفق ذلك مع ما كشفه أحد موظفي شركة النفط اليمنية بصنعاء، الذي طلب عدم نشر اسمه، في حديث لمعد التحقيق، إذ أكد أن الادعاء ببقاء سفن النفط رهن الاحتجاز لفترات طويلة مجرد أكاذيب تروجها قيادة الشركة لتحميل المواطنين مبالغ إضافية، وتبرير الزيادة في أسعار الوقود. وأوضح أن الحقيقة هي أن قيادة الشركة تقوم ببيع النفط في عرض البحر، وبعد أشهر من عملية البيع تظهر قيادة الشركة بادعاءات أن السفينة قد غادرت منطقة الاحتجاز بما عليها من نفط أو ديزل، وهكذا تتضاعف الأعباء على المواطنين، وتظل السوق السوداء مستمرة.

تدفق الوقود تحت مظلة حكومة هادي

يحصل الحوثيون على المشتقات النفطية بشتى السبل، سواء عبر ميناءي الحديدة والصليف، أو عبر موانئ عدن وشبوة والمكلا ونشطون في المهرة، عبر مختلف الآليات الرسمية وغير الرسمية، لكن ذلك كله لم يكن كافيًا ليضع حدًا لتجارة السوق السوداء، بالقدر الذي كان حافزًا لتوسعها كثقب أسود يتسع كل يوم.

تتدفق المشتقات النفطية تباعًا من مناطق الشرعية إلى مناطق الحوثيين، ومن أبرز تلك المحافظات: حضرموت وشبوة ومأرب ولحج وتعز، ومعظمها كميات خاصة بتلك المحافظات، إلى الأسواق السوداء في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يتم بيعه في شوارع المدن الخاضعة لسلطات جماعة الحوثي.

وأثناء العمل على هذا التحقيق ظهرت قصة جديدة في منتصف يناير 2022 لعملية تهريب المشتقات النفطية من مناطق حكومة هادي إلى مناطق الحوثيين بين لحج والبيضاء. العملية تهدف بالأساس إلى سحب المشتقات النفطية من مناطق حكومة هادي بغرض رفع الاحتقان الشعبي ضد الحكومة. وتتلخص القصة باكتشاف أنبوب سري لتهريب الوقود إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بطول 20 كيلومترًا، عبر مديرية يافع.

أنبوب لتهريب الوقود من مناطق سيطرة حكومة هادي

تم اكتشاف الأنبوب عن طريق الصدفة، ولم تتخذ السلطات هناك أي إجراءات قانونية بهذا الخصوص، وفق ما توصل إليه معد التحقيق، الذي وجد أن الحوثيين أحالوا المئات من المحلات المغلقة في مناطق سيطرتهم، بخاصة صنعاء، إلى مخازن فيها خزانات بلاستيكية ضخمة مملوءة بالبنزين والديزل. ويروي شهود عيان كيف تصل أطقم الحوثيين في ظلام الليل، للتزود بالوقود على متن براميل حديدية 110 لترات، إلى الجبهات.

وأقام الحوثيون سوقًا لقاطرات المشتقات النفطية المهربة من مناطق الشرعية، وقاطرات النفط الذي يهربونه أيضًا من الكميات الواصلة عبر ميناءي الحديدة والصليف بالحديدة، هو الأكبر في حياة اليمنيين، في منطقة الدركال (35 كيلومترًا شرق مديرية الحزم، بمحافظ الجوف، شمال اليمن). ويكشف أحد موظفي شركة النفط في صنعاء، طلب عدم الكشف عن اسمه، عن قصة هذه السوق، مبينًا أن تجار المشتقات النفطية الحوثيين قاموا بتأسيس هذه السوق من أجل جذب كل قاطرات الوقود الخاصة بالمحافظات الخاضعة لحكومة هادي، تحت إغراء المال، وتهريب المشتقات التي تصل إلى ميناء الحديدة، وقاموا بوضع عدد من المشرفين من عمران والجوف، للإشراف عليها، وتنظيم عملية البيع والشراء.  

ويشير إلى أن المشرفين الذين تم تعيينهم هناك، وصلوا إلى مرحلة ثراء فاحش، وصار كل واحد فيهم ينافس الآخر، حتى وصل الأمر إلى مواجهات بين المشرفين، وتسبب ذلك بحرق عدد من القاطرات، وقد استدعت الحادثة -حسب قوله- من القيادة الحوثية التوجيه بسرعة رفع تلك السوق، وتم إخراج مسرحية ضبط على أساس أن الأجهزة المختصة تضبط أكبر سوق سوداء في اليمن، وقامت حملة أمنية كبيرة بالتوجه من صنعاء إلى منطقة الدركال، في يناير 2021، واستولت على 400 قاطرة في المنطقة كانت تحمل 22 مليون لتر من البنزين والديزل، تمت مصادرتها.

26 سبتمبرنسخة الحوثيينضبط 22 مليون لتريناير 2021

ويقول الدكتور عبدالقادر الخراز إن الحوثيين يفتعلون الأزمات، ويدعون منع التحالف دخول سفن الوقود. مشيرًا إلى أن الأمر وصل بالحوثيين إلى مصادرة ناقلات الديزل التي كانت مخصصة لكهرباء الحديدة، وبيعها في السوق السوداء.

ويتفق العوبلي مع ما طرحه الدكتور الخراز، مؤكدًا لـ”المشاهد” أن الحوثيين يحصلون على جزء من نفط من مأرب عبر التهريب الذي يتم بالتعاون مع متنفذين داخل مأرب، والشيء نفسه يحصل مع تهريب الغاز المنزلي وبيعه في السوق السوداء بأضعاف قيمته.

ورصد معد التحقيق، عبر خدمة الأقمار الصناعية، صورًا متحركة لحجم السوق السوداء في منطقة الدركال بمحافظة الجوف، وكانت تتجمع إليها كل قاطرات النفط المهربة من مناطق الشرعية، وأيضًا من مناطق الحوثيين.

استيراد الوقود في زمن الحوثي.. تضليل ومصدر ثراء
صورة جوية عبر الأقمار الصناعية الأوربية توضح منطقة تجمع قاطرات الوقود في الدركال بالجوف

ويقول الدكتور الخراز، وهو أستاذ في كلية علوم البحار بجامعة الحديدة، واستشاري تقييم الأثر البيئي، في حديثه لـ”المشاهد”، إن يد الحوثي في موضوع أزمة المشتقات النفطية والتلاعب بهذه الأزمة، مع مافيا تجارة النفط في الحكومة الشرعية، لا أحد يقدر أن ينكره، فهم -حد قوله- “يتعاونون في تهريب النفط وزيادة أسعاره والتلاعب بالسوق السوداء واستمرار الأزمة ابتداء من عدن ومرورًا بمأرب وانتهاء بصنعاء”.

ويؤكد أن واحدًا من أوجه التعاون بين مافيا النفط في حكومة هادي والحوثيين، هو بيع البنزين المحسن المنتج من مصافي مأرب، والذي كان ينتج بكميات كبيرة، دون أن يعرف أحد عنه شيئًا، ويتم تهريبه للحوثيين.

صور متحركة توصل إليها معد التحقيق من القمر الأوربي توضح التغيير في وصول ورحيل ناقلات الوقود في منطقة الدركال-محافظة الجوف

ويولي الحوثيون مسألة التدفق النفطي إلى مناطقهم اهتمامًا يوازي اهتمامهم بتدفق السلاح وتحشيد المقاتلين. فالنفط هو المصدر الأساسي في توفير المال وتحريك آلة الحرب، وهو أول المصادر المالية التي وضعوا أيديهم عليها فور الانقلاب.

أسس الحوثيون، خلال الأعوام 2016-2020، نحو 52 شركة ووكيلًا تجاريًا للعمل في استيراد النفط، لا معلومات كافية عنهم عدا ما وثقه تقرير لجنة الخبراء بشأن اليمن 2019، إضافة إلى ما حصل عليه معد التحقيق من معلومات، هي: يمن لايف (Yemen Life)، التي يملكها محمد عبدالسلام صلاح فليتة، ناطق الحوثيين، ورئيس وفدهم المفاوض؛ وشركة أويل برايمر (Oil Primer)، التي يملكها دغسان محمد دغسان؛ وشركة بلاك غولد (Black Gold)، التي يملكها علي قرشا.

كما أن للشركات الثلاث شركات أخرى تتقارب معها في التسميات وتختلف في حروف الهجاء، في محاولة للتهرب من الرقابة والعقوبات الأممية، وهي: اليمن إيلاف (Yemen Elaf)، وأويل بريمر (Oil Premier)، وبلاك غولد. وتتخفى هذه الشركات تحت أسماء شركات أخرى، حيث تتخفى أويل بريمر خلف شركة ويلرز (Wheelers)، وتتخفى شركة بلاك غولد خلف شركة بلد الخيرات (Balad al Khairat)، وترتبط بهذه الشركات شركات أخرى لخصها تقرير لجنة الخبراء بشأن اليمن 2019 بالرسم التوضيحي.

وخلال العام 2020 أعاد الحوثيون ترتيب أوراق الشركات المسؤولة عن استيراد النفط، للهروب من ملاحقة لجنة الخبراء والعقوبات الأممية، وأيضًا للتحايل على الإجراءات الحكومية التي وضعت آلية جديدة لاستيراد المشتقات النفطية عبر البنك المركزي اليمني في عدن، والذي قلل عدد المستوردين بواقع 50% عن عام 2018، إلى حوالي 15 مستوردًا. في موازاة تلك الإجراءات دفعت جماعة الحوثي إلى الواجهة بشركات كانت بدأت العمل في 2016، لكن بصورة أقل ظهورًا. ومن هذه الشركات تامكو التي تمكنت خلال العام 2019 من استيراد مليون طن متري على متن 31 باخرة، وفقًا للآلية المعتمدة من الحكومة اليمنية الشرعية، ما يعادل 30% من حجم الاستيراد السنوي للمشتقات النفطية.

إقرأ أيضاً  "القيصريّة" في اليمن: عمليات مُربِحة ومضاعفات قاتلة

وتقوم تامكو التابعة لحمد مقبل المقبلي، بالاستيراد لصالح شركة يملكها محمد عبدالسلام فليتة، هي شركة ستار بلس، التابعة لشركة الفقيه التي أسسها الحوثيون في 2018. ووفقًا لتقرير لجنة الخبراء فإن الفقيه موظف لدى محمد عبدالسلام.

تقول شركة تامكو في ملفها التعريفي إنها تأسست عام 2009، وأن مقرها الرئيس في صنعاء حي السبعين، ولديها مقر في عدن وآخر في الحديدة، وتدعي أن خبرتها في مجال استيراد المشتقات النفطية تبلغ 40 سنة، وتقدم رقم هاتف سيار تأكد معد التحقيق من تبعيته لبسام أحمد مقبل المقبلي.

ويقول تقرير النفط والدماء، الصادر في 20 نوفمبر 2021، عن مبادرة استعادة (regain yemen) (وهي مبادرة تنادي باستعادة الأموال العامة التي استولى عليها الحوثيون): استمر الحوثيون بتأسيس شركات نفطية جديدة أو بتغيير الأسماء بعد ظهور كل تقرير سنوي للجنة الخبراء، تفاديًا للعقوبات.

فيديوغراف يلخص قصة استيراد الوقود في زمن الحوثي

وخلال 2020 قام الحوثيون بتأسيس شركة بلاك ديموند (Black Diamond) التي يملكها عمار حسين ضيف الله ومحمد يحيى غوبر، نجل الشيخ يحيى غوبر، واحد أكبر المجندين في صفوف الحوثيين (يقوم بحشد الرجال لصالح قوات جماعة الحوثي)، بعد تخليه عن صالح في ديسمبر 2017. وعينه الحوثيون مديرًا عامًا للبنك الأهلي في صنعاء.

هجر الزراعة

يقول أحد المزارعين، يتحفظ “المشاهد” على نشر اسمه، إنه ترك العمل في مزرعته، وانتقل لبيع البترول والديزل (سوق سوداء) في شارع 45 بصنعاء، التي كان يبيع فيها الفواكه. وحسب المزارع، في حديث لـ”المشاهد”، فإن المئات من قاطرات البترول والديزل تصل إلى الجوف، ويقوم المشائخ من صنعاء وعمران وذمار والجوف، ممن يعملون مع الحوثيين، بتوزيع الكميات إلى محافظات سلطات جماعة الحوثي، عبر استئجار سيارات، ويشغلون أصحابها كذلك في العمل، وأغلبهم مزارعون لم يجدوا الديزل.

كما التقى “المشاهد” شابًا في صنعاء كان يعول عائلته على دراجته النارية، وقف بالقرب من جولة مطار صنعاء، وأخرج مجموعة من الجالونات الصفراء، وبدأ ببيع البترول للسيارات والدراجات النارية، يقول إنه يشتري البترول من عمال الشيخ الذين يتولون توزيع البراميل التي يشتريها الشيخ من الجوف على متن 3 دينات، ويوزعونها على 12 نقطة بيع تعمل على مدار الساعة.

حد قوله، فإن مسارات توزيع الوقود في السوق السوداء تمت عبر مديريات ذيبان وريدة وخمر وذيبين في عمران، ويصلون إلى الجوف، ثم يتجهون إلى الحزم، ثم يتجهون نحو مأرب إلى منطقة الدركال، ويشترون البترول والديزل، ويعودون. ويكشف أن الشيخ يقوم بتوفير الديزل حسب الطلب المسبق لصالح ملاك محطات توليد الكهرباء التجارية.

جهاز حوثي لديمومة الأزمة

وفقًا للباحث العوبلي، فإن الحوثيين يعمدون إلى تعطيل عمليات تفريغ سفن المشتقات في ميناء الحديدة وتكديس السفن في غاطس الميناء، مخالفة لمعايير السلامة البحرية، ويعمدون بذلك إلى إيهام الناس بوجود أزمة، ودفعهم إلى شراء كميات المشتقات المكدسة بأسعار غالية لتحقيق إيرادات عالية، رغم معرفة الحوثيين أن هذه الزيادة ستتسبب بارتفاع أسعار السلع والخدمات المقدمة للناس، وبالتالي زيادة معاناتهم.

استيراد الوقود في زمن الحوثي.. تضليل ومصدر ثراء
تنتشر نقاط السوق السوداء للوقود في صنعاء وبسعر موحد-المشاهد نت

وأعاد الحوثيون تفعيل شركة النفط اليمنية، في 30 مارس 2020، في سياق توفير الوقت أمام أنفسهم، وإيجاد جهاز خاص يتعامل مع الملف النفطي عقب قرار اللجنة الاقتصادية في الحكومة المعترف بها دوليًا، بمنع استيراد الوقود عبر الموانئ العراقية والعمانية والإماراتية، والذي صدر في يونيو 2019. وبدأت الشركة عملها بالتعامل مع المشتقات النفطية التي تصل عبر الموانئ الخاضعة للحكومة الشرعية، على أنها مهربة وغير مطابقة للمواصفات، ومنعت بيعها رسميًا، وقامت الشركة بإغلاق 20 محطة وقود في العاصمة صنعاء وحدها، خلال 2020، من أصل 150 محطة وقود، بينها 5 تابعة للشركة، وهي التي تعمل حاليًا، تحت مبرر أنها مشتقات نفطية مهربة وغير مطابقة للمواصفات، وكانت تعيد توجيهها لتغذية السوق السوداء وضمان استمرار دوران عجلة الحرب في سحق المواطنين اليمنيين كل يوم، فيما كانت تتولى توجيه أية شحنة نفط تصل عبر ميناء الحديدة، ووفقًا لشروطها، إلى محطات شركة النفط اليمنية في العاصمة صنعاء ومحافظات صعدة وعمران وذمار، لتقوم ببيعها بسعر أقل من سعر السوق السوداء، عبر آلية تقوم على خلق أزمة من العدم، تدفع لاستمرار طوابير السيارات أمام المحطات التابعة لشركة النفط، دون انقطاع، وتواصل الادعاء أنها تقوم بتوزيع المتوفر من المشتقات النفطية وفقًا لخطة طوارئ مستمرة.

حاليًا حصرت حكومة هادي، في 24 ديسمبر 2021، استيراد المشتقات النفطية عبر شركة النفط اليمنية.

المجلس الاقتصادي الأعلىحكومة هاديحصر المشتقات النفطية على شركة النفط

وخلال النصف الثاني من العام 2021، شنت السلطات الحوثية حملات على السوق السوداء في شوارع العاصمة صنعاء، مقابل إتاوات مالية كبيرة من ملاك المحطات التجارية التي أغلقتها طويلًا لتسمح لتلك المحطات بالعمل ببيع المشتقات وفقًا لسعر السوق السوداء (سوق سوداء مقننة) الصفيحة 20 لترًا بـ11 ألف ريال (ما يعادل 18 دولارًا بسعر الصرف في صنعاء)، بينما كانت محطات شركة النفط، وعددها 6 محطات، تبيع الصفيحة ذاتها بسعر 8000 ريال، وعبر طوابير.

الإدارة بالأزمات

الإحصائيات التي يفصح عنها الحوثيون عن كميات الوقود التي تصل مناطق سيطرتهم، لا تظهر الكميات الفعلية. فكميات الوقود التي تصلهم عبر المنافذ الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي، لا يتم تضمينها، ويكتفون فقط بنشرما يصل إلى ميناءي الحديدة والصليف. لهذا لا تُظهر البيانات الصادرة عن حركة السفن في موانئ الحديدة التي يسيطرون عليها، حقيقة تدفقات المشتقات النفطية خلال العام الماضي 2021. فقد وجد معد التحقيق أن الإحصائية المعلنة تظهر نقصًا حادًا بالوقود المتدفق عبر الميناء، حيث ترصد الإحصائيات وصول 431 ألفًا و194 طنًا من المشتقات النفطية، من يناير حتى 20 ديسمبر 2021. ووفق شركة النفط في صنعاء، فإن الكميات المفرج عنها من قبل التحالف للعام الماضي، لم تغطِّ سوى 4% من الاحتياج الفعلي السنوي للبنزين المقدر بـ1.4 مليون طن. كما أن الكميات المفرج عنها للديزل خلال الفترة نفسها، لم تغطِّ سوى 6% من الاحتياج الفعلي السنوي المقدر بـ1.5 مليون طن.

شركة النفط-صنعاء-كميات الوقود المفرج عنها-2021

وفي هذه الحالة، يرفض الحوثيون الإجابة على السؤال: من أين كل هذه الكميات النفطية في السوق السوداء إذن؟

الادعاء غير المفهوم يقول إن سفينتين فقط من أصل 27 سفينة وصلتا إلى ميناء الحديدة خلال العام 2021، تحملان كمية 58 ألف طن من البنزين، مقابل 78 سفينة مشتقات نفطية دخلت خلال العام 2020.

وتقول الإحصائية الصادرة عن حكومة هادي إن كمية المشتقات النفطية الواصلة إلى مناطق الحوثيين خلال الربع الأول من العام 2021، بلغت 624 ألفًا و517 طنًا من البنزين والديزل والمازوت ، ما يعادل 59 مليارًا و549 مليونًا و650 ألفًا و700 لتر.

تعترف حكومة هادي بمنع دخول سفن النفط التابعة للحوثيين بعد مرورها بآلية التفتيش الأممية في ميناء جيبوتي. ورصد معد التحقيق تغريدة وزير الخارجية في الحكومة المعترف بها دوليًا أحمد عوض بن مبارك ، على صفحته في “تويتر”، يوم 1 فبراير من العام الجاري، تفيد بالسماح لعدد لم يحدده من سفن الوقود بالدخول إلى ميناء الحديدة.

وخلال العام الماضي، غرد بن مبارك عدة مرات في مارس ويونيو ويوليو 2021، عن سماح الحكومة بدخول سفن مشتقات نفطية إلى الحديدة لدواعٍ إنسانية.

تغريدة وزير خارجية حكومة هادي-فبراير 2022

وتبرر الحكومة تحفظها على سفن الوقود التابعة للحوثيين، بنقض الحوثيين اتفاقًا تم برعاية المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث، في ديسمبر 2019، كان يقضي بسماح الحكومة بتدفق الوقود إلى ميناء الحديدة مقابل إيداع الحوثيين للإيرادات (الرسوم الجمركية والضريبية) لواردات الوقود إلى حساب خاص في فرع البنك المركزي في الحديدة، يتم صرفه لاحقًا لمرتبات موظفي الدولة، تحت إشراف الأمم المتحدة. لكن الحوثيين نقضوا الاتفاق في أبريل 2020، وقاموا بالاستيلاء على المبلغ المودع في الحساب بعد مضى نحو شهرين، مما أعاد مشكلة احتجاز سفن الوقود مرة أخرى. ويثير الحوثيون هذه القضية إلى اليوم دون ذكر للآلية الخاصة بضمان استمرار تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة التي نقضوها بأنفسهم، ودون الإفصاح عن مصير الأموال التي سحبوها بشكل أحادي من حساب رواتب الموظفين بشهادة غريفيث.

تصريح غريفث عن نقض الحوثيين لآلية استيراد الوقود-يوليو 2020

يعتمد الحوثيون في استيراد الوقود على سفن نفطية تملكها شركات إماراتية وتديرها شركات إماراتية، وهذه السفن مصنفة من قبل الرابطة الدولية لجمعيات التصنيف IACS، أقل من 20.0%، وتعتبر سفنًا مشبوهة.

ادعى وزير النفط في حكومة الحوثيين أحمد عبدالله دارس، في المؤتمر الصحفي الذي عقده بصنعاء، في 8 ديسمبر 2021، أن 7 سفن نفطية من أصل 21 سفينة نفط احتجزها التحالف، اضطرت للمغادرة. وكان مدير شركة النفط اليمنية في سلطات الحوثيين عمار الأضرعي، ادعى في الثاني من أبريل 2021، مغادرة سفينتي مشتقات نفطية، وقبلهما السفينة بندج فاكتوري التي قال إنها احتُجزت لأكثر من 10 أشهر، وتم سحبها من قبل الشركة المالكة. وفي 22 أغسطس 2021 ظهرت شركة النفط اليمنية الخاضعة للحوثيين، مدعية أن السفينة Fos Spirit غادرت مكان الاحتجاز بما عليها من حمولة نفطية بعد احتجازها لـ8 أشهر.

بيع النفط في عرض البحر

وفقًا لما كشفه لمعد التحقيق، أحد موظفي شركة النفط اليمنية بصنعاء، فإن الادعاء ببقاء سفن النفط رهن الاحتجاز لفترات طويلة مجرد أكاذيب، والحقيقة أن قيادة الشركة تقوم ببيع النفط في عرض البحر حتى لا تتحمل خسائر التأخير.

ووثق معد التحقيق زيف الادعاءات الحوثية بشأن احتجاز شحنات الوقود وفقًا لما تقدمه أدوات تتبع السفن من جهة، وما تقدمه مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية من إحصائيات الحركة اليومية في الميناء لمختلف السفن. وبينت أدوات تتبع السفن التي ادعت شركة النفط التابعة للحوثيين مغادرتها مناطق الاحتجاز من قبل التحالف بعد أشهر طويلة، أن ذاك الادعاء لم يكن صحيحًا، إذ إن السفينة Fos Spirit المملوكة لشركة نان ليان لإدارة السفن، وهي شركة إماراتية، لم تكن يوم إعلان الحوثيين مغادرتها بحمولتها في 22 أغسطس 2021، محتجزة، وكانت متوقفة في 1 أغسطس 2021، في ميناء الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن غيرت اسمها إلى GREEN LAND، بحسب أداة تتبع السفن vesselfinder. تؤكد أداة استخبارات السفن “إكواسيس” أن السفينة احتجزت 36 شهرًا مؤخرًا بسبب حصولها على تصنيف سيئ، وخضعت خلال 20 عامًا لـ51 عملية تفتيش.

استيراد الوقود في زمن الحوثي.. تضليل ومصدر ثراء
صورة شاشة توضح اسماء السفينة fos spirit السابقة والاسم الجديد “إكواسيس”

كما وجد معد التحقيق، من خلال التدقيق في سجلات موانئ الحديدة، أن السفينة “BIEN DONG VICTORY”، وهي أيضًا مملوكة لشركة إماراتية تحول اسمها في 1 يناير 2022، إلى SINCERE، وادعى الحوثيون في أبريل 2021 أن الشركة المالكة للسفينة RAS SHIPPING INC سحبتها من منطقة الاحتجاز في أبريل 2021، بما تحمله من مشتقات نفطية قدرها 30 ألفًا و274 طنًا من البترول، تبين أنها لم تكن ضمن السفن النفطية التي حملت مشتقات نفطية إلى ميناء الحديدة، ولم يرد اسمها ضمن الإحصاءات إلا في 2020، وخضعت السفينة لـ34 عملية تفتيش منذ العام 2001، وخلال الأعوام 2016-2017- 2018 كانت السفينة تقوم بنقل النفط الإيراني قبل عودة فرض العقوبات على إيران.

لمرتين فقط أورد الحوثيون اسمي سفينتين قالوا إنهما غادرتا منطقة الميناء بحمولتهما بعد طول احتجاز، عدا ذلك فإنهم يكتفون بالحديث عن مغادرة السفن دون ذكر الأسماء، وفي المرتين اللتين تم الإفصاح عن أسماء السفن، ظهر كذبهم جليًا من خلال سجلات الحركة في موانئ الحديدة، ومن خلال أدوات تتبع السفن.

لكن عملية نقل النفط من سفينة إلى أخرى في عرض البحر غالبًا يتم بسرعة، ودون اتباع الإجراءات الفنية، ما يتسبب بحدوث تسرب نفطي وتلوث كبير، ووثقت الأقمار الأوروبية، في 11 سبتمبر الماضي، بقعة نفط بطول 45 كيلومترًا في خليج عدن، في نقطة بين اليمن والصومال (صورة).

استيراد الوقود في زمن الحوثي.. تضليل ومصدر ثراء
صورة من الاقمار الأوربية لحادث تسرب نفطي في خليج عدن-سبتمبر 2021

ويؤكد الدكتور الخراز أن هناك احتمالين اثنين لهذا التسرب النفطي؛ الاحتمال الأول أن يكون ناتجًا عن عملية نقل المشتقات النفطية من باخرة إلى أخرى، دون التقيد بالإجراءات الفنية الضرورية لعملية النقل، وبالتالي حدوث هذا التسرب، أو أن يكون نتاج تفريغ البواخر التي تمر في المياه الإقليمية اليمنية لما يعرف بمياه الصابورة، وهي مخلفات الصرف الصحي الخاص بالبواخر، وهي خطيرة وملوثة أيضًا، وتستغل السفن والبواخر عدم وجود رقابة في المياه الإقليمية اليمنية لتفريغ ذلك.

المراجع:

  1. حوارات ميدانية مع معنيين في الجهات ذات العلاقة؛ شملت شركة النفط، عاملين في السوق السوداء، وخبراء في الشأن الاقتصادي.
  2. التقرير السنوي الصادر عن البنك المركزي اليمني، 2014.
  3. مرصد التعقيد الاقتصادي.
  4. موقع أعلى الصادرات العالمية.
  5. قرار تعويم سعر المشتقات النفطية، “سبأ” نسخة جماعة الحوثي، يوليو 2015.
  6. تقرير لجنة الخبراء المعنيين باليمن، 2019.
  7. شركو ليو شحن -دبي.
  8.  صفحة مجموعة ساسكو-يمن على فيسبوك.
  9. حساب مجموعة ساسكو-يمن على تويتر.
  10. تغريدة محافظ المهرة السابق عن شراء الوقود من إيران.
  11. فيديو توثيق أنبوب تهريب الوقود بيافع -لحج.
  12. 26 سبتمبر-نسخة الحوثيين- يناير 2021.
  13. موقع شركة تامكو على الإنترنت.
  14. حساب شركة أويل بريمر على شبكة لنكد-إن.
  15. موقع شركة أويل بريمر على الإنترنت.
  16. موقع شركة بلاك جولد على الإنترنت.
  17. صفحة مبادرة استعادة على فيسبوك.
  18. المواد البترولية في السوق السوداء مغشوشة، وكالة “سبأ” نسخة جماعة الحوثي، يوليو 2020.
  19. المجلس الاقتصادي الأعلى -حكومة هادي.
  20. خسائر القطاع النفطي نتيجة العدوان، وكالة “سبأ” نسخة جماعة الحوثي، ديسمبر 2021.
  21. التحالف يحتجز سفنًا نفطية، وكالة “سبأ” نسخة جماعة الحوثي، أبريل 2021.

مقالات مشابهة