المشاهد نت

المهمشون.. تحدياتُ العيش تحت وطأة الحرب في اليمن”  

أرشيفية - تجمع للمهمشين، منطقة مفرق حريب في محافظة مأرب


تقرير – وهب الدين العواضي:
 

تتصاعد وتيرة الاقتتال في اليمن التي تستعر فيها الحرب للعام السابع على التوالي، وتتفاقم معها معاناة ملايين اليمنيين، لاسيما الفئات الأشد فقرًا واحتياجًا وتهميشًا على الصعيدين الاجتماعي والحكومي، كفئة المهمشين، الذين أوجدت لهم الحرب فصولًا من المعاناة لا تنتهي، من نزوحٍ وتشردٍ، وفقرٍ مدقعٍ، وحرمانٍ من الحقوق.
تركت الحرب اليمنية أثرها على اليمنيين عامةً، لكن ذلك التأثير كان أكثر عمقًا، وأشد قسوةً وإيلامًا على المهمشين البالغ عددهم، وفق تقديرات أممية قبل الحرب، 3 ملايين ونصف، أي ما يقارب 12.7% من السكان في اليمن، إذ تسببت بنزوح مئات الأسر منهم، حين امتدت المواجهات العسكرية إلى المناطق التي كانوا يقطنونها، وفقد الكثير أعمالهم رغم عوائدها الضعيفة، إلى جانب التمييز العنصري الذي يعيشونه منذ وقت طويل وحتى الآن، وحرمانهم من الموارد والحقوق مثل التعليم والخدمات الأساسية والرعاية صحية وغيرها.

النزوح والتشرد

أجبرت الحرب الكثير من المهمشين على النزوح، وشردتهم من ديارهم، خصوصًا أولئك الذين كانوا يعيشون في المديريات الغربية لمحافظة تعز والمديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة، واتخذوا مساحات واسعة من الأرض في مديرية المعافر والمواسط جنوبي ريف مدينة تعز، مساكن لهم، ونصبوا عليها خيامهم المتناثرة التي لا تقيهم برد الشتاء وحرارة الصيف، ويعيشون أوضاعًا معيشية غايةً في الصعوبة، من انعدام الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية.
المسن مهيوب إسماعيل، أحد النازحين المهمشين في أحد المخيمات في الكدحة بمديرية المعافر جنوبي تعز، تسبب حادثٌ مروري في إعاقته قبل 8 سنوات، وأجبر طفليه اللذين لا يتجاوز عمراهما الـ10، على إعالة الأسرة من خلال أي عمل إن وجد، وغالبًا في التسوّل، ولم يستطيعا أن يوفرا العلاج لوالدهما وهو يحتضر أمامهما، كما تقول زوجته مريم.
وتضيف في حديثها، أن زوجها يتألم كثيرًا ويحتضر أمام عينيها، ولم تستطع معالجته أو توفير الدواء على الأقل والطعام الصحي الجيد. “لا يلتفت أحد لأمرنا ووضعنا، وها نحن نستمر بكفاحنا بمفردنا”، تتابع، لافتةً إلى شحة المساعدات الإنسانية للمنظمات وانعدامها في معظم الأشهر، وبأنهم يعيشون ظروفًا وأوضاعًا إنسانية غاية في الصعوبة، ويفتقرون لأبسط الخدمات المعيشية.
تتماثل أوضاع وظروف العديد من المهمشين النازحين، ولربما الغالبية العظمى منهم، مع وضع مهيوب وأسرته، ويفتقرون إلى أدنى الاحتياجات الأساسية المعيشية، على الأقل تبقيهم على قيد الحياة، والأمر ذاته يسود الفئة بشكل عام، حتى الذين يعيشون في مناطق آمنة، لم يصلها الصراع الدائر بالبلاد في العديد من التجمعات السكانية لهم أو ما تعرف بـ”المحاوي” في محافظة تعز والمحافظات اليمنية الأخرى.
وبحسب دراسة حديثة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، خاصة بمجتمع المهمشين، فقد أثرت الحرب على فئة المهمشين بشكل كبير، وتسببت في نزوح العديد منهم، وفقدت الأسر المهمشة أعمالها، وأُجبرت على اللجوء إلى التسوّل، وتسرب الكثير من الأطفال من التعليم، مشيرةً إلى أن المرأة المهمشة تأثرت كثيرًا من الحرب، وأن العديد من النساء اضطررنَ إلى العمل والخروج إلى الشوارع للتسوّل، وخلال ذلك يتعرضنَ للابتزاز والعنف الجسدي واللفظي والتحرش والاعتداء الجنسي.

تهميشٌ إنساني

على الرغم من حجم تمويل المساعدات الإنسانية الدولية المقدمة لليمن منذ بداية الحرب، واستمرار برامج العديد من المنظمات الإنسانية حاليًا، إلا أن تلك المساعدات لا تصل المهمشين بشكل أكبر،  وإن وصلت فهي قليلة، ولا تفي باحتياجاتهم الأساسية والمعيشية، وحصصهم من تلك المساعدات تقل كثيرًا عن بقية متضرري الحرب، ويشكو الكثير من المهمشين من عدم حصولهم عليها في العديد من المناطق، أثناء أحاديث متفرقة مع بعضهم.
وفي هذا الخصوص، يرى رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين في اليمن، نعمان الحذيفي، أن المهمشين هم الأقل حصولًا على المساعدات الإغاثية الإنسانية المقدمة من قبل المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن، مقارنةً ببقية فئات المجتمع المتضررة من الحرب، بالرغم من أن صور المعاناة لمهمشين نازحين كُثر ومهجرين، تتصدر واجهات تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والمحلية والإقليمية.
ويقول الحذيفي أن الحرب أثرت على كافة فئات وشرائح المجتمع، إلا أن أثرها يبدو أكثر حدةً على المهمشين، الذين تضاعفت معاناتهم أضعاف ما كانوا عليها قبل الحرب، وأصبحوا الآن في أمس الحاجة للتدخلات العاجلة من قبل المنظمات والجهات المعنية، والالتفاف لمعاناتهم، وتوفير الأمن والغذاء والحماية والخدمات الأساسية لهم.
ويعتبر المهمشون الفئة الأشد فقرًا والأقل حظًا في المجتمع، إذ من النادر عثور أحدهم على وظيفة أخرى خارج أعمال النظافة المخصصة لهم من قبل السلطات، خصوصًا في مدينة تعز، بمقابل زهيد، لاسيما في ظل استمرار الحرب، عوضًا عن التشرد والنزوح، الأمر الذي يعطيهم الأولوية في الحصول على المساعدات الإنسانية في الأساس، كما يضيف الحذيفي.

تهميشٌ حكومي

عمدت الحكومات اليمنية المتعاقبة على إهمال المهمشين في البلاد في السابق، لكن الحرب ضاعفت من ذلك كثيرًا، وجرى إقصاؤهم من المناصب والتعيينات الحكومية، بحسب الحذيفي، بحكم أقليتهم وأُصولهم الاجتماعية، إضافةً إلى حرمانهم من الموارد والوظائف ومن المشاريع التنموية البنيوية التي تنهض بهم وتعزز من دمجهم بالمجتمع.
ويقول ممثل المهمشين الشباب في السلطة المحلية بمحافظة تعز، أكرم الشرعبي، إن الحكومة لم تنظر لحالهم، وأنهم مقصيون منذ مئات السنين في جميع المجالات، ويعيشون في عزلة عن المجتمع، وعلى مستوى التوظيف لم يتم قبول كوادرهم على الرغم من أن هناك الكثير من الشباب المهمشين ممّن التحقوا بالجامعات، وهم متمكنون، ولديهم قدرات وكفاءات عالية، تؤهلهم لتقلُّد مناصب في الدولة وإدارتها.
ويشير الشرعبي إلى أن العنصرية والتمييز المجتمعي والحكومي، على حدٍ سواء، أوجد حالة من عدم استقرار المهمشين، وعدم تقبلهم في أوساط المجتمع، وعزلهم عنه تمامًا، ولم يتمكنوا على الأقل من اتخاذ وتأسيس مساكن وأرض دائمة لهم؛ الأمر الذي يجعل المجتمع يستمر في التعامل معهم على أنهم سكان غير أصليين في البلاد.
يبقى التهميش الحكومي لهذه الفئة هو الأكثر تعقيدًا، لأنه يقلل من فرص تعزيز أفرادها في الاندماج وقبول المجتمع لهم بشكل أكبر، بحيث ينهض بهم ويمكنهم من ممارسة الحياة بطبيعتها بحيت يكون لهم مركز اجتماعي رفيع، أسوةً ببقية الناس، وبحسب الشرعبي، فلم تقُم الحكومة أيضًا بأية مساواة للمهمشين، ولم تدرجهم في سياساتها وخططها حاضرًا ومستقبلًا، غير أنها لم توفر أية خدمات أساسية.
ووفق الدراسة ذاتها لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فإن المهمشين في اليمن يواجهون تحديات كبيرة في العيش والحصول على الخدمات الأساسية، مثل الأمن الغذائي ومياه الشرب النظيفة ومياه الاستحمام والمراحيض والصرف الصحي والكهرباء والوقود الآمن للطبخ والتهوية.
بالإضافة إلى أنهم يعانون من الاكتظاظ السكاني الشديد، وعدم وجود مأوى سكني دائم وملائم، إذ تصل نسبة الازدحام لأكثر من 3 أشخاص في غرفة واحدة في المحافظات التي شملها مسح الدراسة، بواقع 80% في مدينة تعز، و62% في أمانة العاصمة، و52% في عدن، و50% في محافظة صنعاء، من سكان المهمشين في تلك المحافظات، كما جاء في الدراسة.

إقرأ أيضاً  ضحايا الابتزاز الإلكتروني من الفتيات

تمييزٌ وعنصرية

يعتمد المجتمع اليمني في تصنيف أفراده بحسب الأصل وأساس المنشأ أو ما يعرف بـ”النَّسب”، وبالتالي أدّت الأصول الغامضة للمهمشين كونهم ليسوا من هياكل القبائل اليمنية المعروفة، إلى تمييزهم اجتماعيًا، ويعدون من أدنى الطبقات المجتمعية، ويوازي هذا التمييز أيضًا تمييز آخر عنصريٌ عرقي، نسبةً إلى لون بشرتهم “السمراء”.
تتباين الآراء كثيرًا في المجتمع اليمني، بشأن أصول المهمشين، وتتعدد الروايات حول أصولهم، البعض يقول بأن أصولهم حبشية، وآخر يعتقد أن أصولهم تعود إلى السهل الساحلي على البحر الأحمر في اليمن، وبحسب الشرعبي، فإنهم يتحدرن من الأصول الحبشية الإفريقية، مضيفًا أن ذلك التمييز والتصنيف القائم على حسب الأصل، تسبب في تهميش أبناء الفئة بشكل كبير في العديد من المجلات، وحرمهم من الحقوق والخدمات.
وكما هو الأمر جليًا، فقد عمل التنصيف والتمييز على تنامي العنصرية في أوساط المجتمع اليمني منذ القدم، مع تعاقب مراحله العصرية، وعزف الناس عن تقبلهم والاختلاط بهم والاندماج معهم، حتى وقتنا الحاضر، وأخذ المجتمع يتعامل معهم ويصفهم كمواطنين من “الدرجة الثانية”، وبالتالي يحتقرهم الناس كثيرًا، إضافةً إلى حرمانهم من حقوقهم ومن العيش الكريم والممارسة الطبيعة لشؤون الحياة.

كورونا.. ضيفٌ ثقيل

أثر تفشي كوفيد-19 على اليمنيين جميعًا بشكل عام، في موجتيه الأولى والثانية، لاسيما وأن النظام الصحي مُنهارٌ، وخدماته الصحية مترديةٌ للغاية، لكن التأثير الأكبر لكورونا كان على المهمشين الذين ألقى بظلاله عليهم، وفاقم من أوضاعهم الصحية، خصوصًا وأنها كانت سيئة قبل مجيئه، فكيف بالحال عندما انتشر بشكلٍ واسع في أرجاء البلاد!
وعندما بدأ الفيروس ينتشر قبل عامين بموجته الأولى، والثانية في العام الماضي، تزايدت الحالات المصابة بكورونا، وارتفعت معدلات الوفاة تباعًا، ما زاد من نسبة الخطر الذي يدق ناقوسه على المهمشين، لاسيما وأنهم يعيشون في مناطق سكانية عشوائية وفي منازلهم المبنيّة من “القش” و”الصفيح”، إضافة إلى افتقارهم للوعي الصحي للالتزام بالإجراءات الصحية، إلى جانب عدم حصولهم على أدوات الحماية الضرورية؛ الأمر الذي جعلهم عرضةً للخطر، كما تقول المحامية والحقوقية مسك المقرمي، وهي من أبناء الفئة نفسها.
وترى المقرمي أن المهمشين أًهمِلوا كثيرًا في فترة كورونا، وكان هناك قصورٌ من قبل المنظمات والجهات الصحية المسوؤلة تجاههم، وعدم تزويدهم بأدوات الوقاية والحماية الصحية، والقيام بتوعيتهم بضرورة وكيفية اتباعهم للإجراءات الصحية؛ لحماية أنفسهم وأسرهم من الإصابة بالوباء، خصوصًا وأن الكثير منهم يعملون في صندوق النظافة، وجمع النفايات ونقلها إلى خارج المدينة.
وتوضح أنه عند زيارتها للعديد من تجمعات المهمشين السكنية في مدينة تعز، عقب تفشي الجائحة، فإنها وجدت الكثير من الأسر مصابة بالحميات، ويعانون من أعراض الإصابة بالوباء، من اختناق وضيق تنفس، وكانوا يفتقرون للأدوية والمعقمات الطبية الخاصة بالحماية من الإصابة وعدم نقل العدوى للآخرين، فيما معظمهم لم يكونوا يدركون أنهم مصابون بالفيروس، وأن تلك أعراض كورونا؛ نتيجة عدم وعيهم به وبالإجراءات الاحترازية.

“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”

مقالات مشابهة