المشاهد نت

بسبب غياب الرعاية الطبية.. انكشاف النساء المهمشات صحيًا أمام كورونا

Yemen flag and red Covid-19 stamp. Coronavirus 2019-nCov outbreak concept

صنعاء -زكريا حسان :

لا تهتم الثلاثينية “آمنة” بوجود فيروس كورونا، أو سقوط ضحايا بالوباء، وبقيت على حياتها الطبيعية تمارس مهنة التسول، وتمر بشكل يومي على المحلات والشوارع ومالكي السيارات، من دون استخدام وسائل وقائية أو إجراءات احترازية منذ انتشار الموجة الأولى في اليمن العام ٢٠٢٠.
تعيش آمنة في منطقة الحصبة بالعاصمة صنعاء، داخل تجمع للمهمشين أو ما يطلق عليه “محاوي”، مبنية من الطرابيل والزنك وقطع الكرتون، وتفتقر المساكن التي تضم عشرات الأسر التي تعيش في حالة شديدة من الفقر، إلى المرافق الصحية والنظافة.

صورة نمطية

آمنة واحدة من النساء المهمشات اللاتي يعدن أكثر الفئات الموصومة بين النساء اليمنيات، والأكثر عرضة لسوء المعاملة، وتعرضهن عزلتهن الاجتماعية وافتقارهن إلى السكن اللائق إلى مخاطر عدة، وتحرمهن الاحترام والحماية الممنوحة للنساء من فئات المجتمع الأخرى.
وبموجب صورة نمطية ومعتقدات متحيزة، يتفاعل الناس مع المهمشات بطريقة سلبية، تعرضهن إلى المزيد من المضايقات، وسوء المعاملة والعنف الجنسي والتحرش، التي نادرًا ما يُعاقب مرتكبها.
وخلال انتشار فيروس كورونا، لم تتلقَّ المهمشات مساعدات وقائية من العدوى، ولم تقدم المنظمات لها ولبقية النساء في التجمع وسائل حماية أو معونات تساعدهن على البقاء في المسكن، بحسب ما تؤكده آمنة.

من المسؤول؟

وفقًا لآخر إحصائيات اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا، التي تختص بالمحافظات التابعة للحكومة الشرعية، يبلغ إجمالي الحالات المؤكدة حتى الشهر الجاري، 11818، منها 2,149 وفاة و9009 حالات تعافٍ، إلا أنه لا توجد نسبة معينة لعدد المهمشين والمهمشات الذين تلقوا الرعاية الصحية.
جماعة الحوثي التي تقع تحت سيطرتها أكثر المحافظات اليمنية، تكتمت عن عدد الإصابات بالفيروس، بحجة عدم إثارة الرعب والخوف بين المواطنين، إلا أن مصدرًا طبيًا بمستشفى الكويت التعليمي بالعاصمة صنعاء، أكد إصابة آلاف الحالات وسقوط العديد من الوفيات.
يقول المصدر الطبي: خلال استقبال المرضى لم تصلني حالات من فئة المهمشين، وربما الظروف الاقتصادية الصعبة جعلتهم لا يفكرون بالذهاب إلى المرافق الصحية لتلقي العلاج.
الدكتورة إشراق السباعي، الناطقة الإعلامية للجنة الوطنية لمواجهة كورونا، تؤكد أن الخدمات الصحية قٌدمت بحيادية لجميع المواطنين اليمنيين، ولم يتم التفريق بين فئات المجتمع.
وتقول السباعي: “مشكلة النساء المهمشات تكمن في قلة الوعي وغياب الثقافة الصحية، والبيئة غير الصحية التي يعشن فيها، بالإضافة إلى عدم وجود المياه والصرف الصحي في التجمعات، مما يتطلب تكثيف التوعية وتركيب خيام ومساكن مناسبة.
وتضيف: “النازحون والمهمشون لا يمتلكون روح المبادرة لأخذ اللقاحات رغم وجود مراكز صحية ثابتة وفرق ميدانية للتطعيم، علاوة على توزيع مساعدات وقائية من المنظمات.

بيئة عشوائية

لم تستخدم السبعينية “تقية” وسائل وقائية لحمايتها من الفيروس منذ بدء انتشاره، ولم تجلس في بيتها خوفًا من الإصابة بالعدوى، وكل يوم تقوم بالتسول كالمعتاد، لأنها لو بقيت في بيتها لن تجد ما تأكله، كما تقول.
تضيف تقية: “الله هو الحافظ، وأحيانًا يتعرض أبنائي أو أحفادي للمرض، لكن لا ننقلهم إلى المستشفيات، لأننا لا نملك المال، ونقوم برعايتهم حتى تعود لهم عافيتهم”.
تتعامل تقية كبقية مجتمع المهمشين بلامبالاة مع الحياة أو النظافة، ومع الأمراض المعدية، ومنها كوفيد19 الذي راح ضحيته العشرات من المواطنين في اليمن.
التجمعات السكنية للمهمشين غير منضبطة، ولا يستطيعون اتباع إجراءات الحجر المنزلي، وطبيعة حياتهم ومساكنهم مفتوحة، ولا يمكن تغيير واقعهم بسهولة، ولو انتشر الوباء بينهم فسوف تتحول تجمعاتهم إلى مقابر جماعية، بحسب نعمان الحذيفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين وممثلهم في مؤتمر الحوار.

إقرأ أيضاً  الإصابة بالسرطان في ظل الحرب

عزلة وحرمان

المهمشون “ذوو البشرة السوداء” أكثر الفئات الاجتماعية فقرًا، وأقلها انضباطًا والتزامًا بالقواعد المعيشية، ويعانون عزلة اجتماعية تفرض عليهم عدم الاختلاط ببقية فئات المجتمع، ويحرم أطفالهم من الجنسين من الحصول على حقهم في التعليم والرعاية الصحية، مما يجعلهم أكثر عرضة للتشرد والضياع.
وتتباين تقديرات أعداد المهمشين في اليمن، وتتراوح بين 500 ألف و800 ألف نسمة، بما يقدر بنحو 1.6% إلى 2.6% من سكان اليمن، يتركّزون في الأحياء الفقيرة المحيطة بمدن اليمن الرئيسية، بحسب دراسة إيصال أصوات المهمشين، الصادرة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إلا أن البعض يؤكد أن عددهم يصل إلى 3.5 مليون نسمة، وبنسبة تقدر بـ8%.
أغلب أفراد العائلات المهمشة عاطلون عن العمل، وأعداد صغيرة تعمل في مهن متواضعة، أبرزها النظافة، أما الأغلبية فيمارسون أعمال التسول، وتقتات العديد من الأسر على الدخل الذي يكسبه الأطفال المتسولون، لتبقى على قيد الحياة.

غياب الدعم

الثقافة الشائعة لدى كثير من اليمنيين شكلت معتقدًا أن المهمشين لديهم مناعة أقوى، وأجسامهم تقاوم الأمراض أكثر من بقية الناس، بسبب البيئة العشوائية التي تجعلهم يكتسبون مناعة منذ الطفولة، إلا أن الحذيفي يقول: الظروف المعيشية أوجدت لديهم جهاز مناعة أقوى، لكنهم كبقية البشر يتأثرون بالأمراض والأوبئة، وأصيب العديد منهم بالحميات السابقة كحمى الضنك وإنفلونزا الخنازير والمكرفس والكوليرا، وبقوا يصارعون المرض وحيدين داخل مساكنهم.
الدستور والتشريعات اليمنية تنص على المساواة، وحق جميع المواطنين في الحصول على الخدمات العامة التي تقدمها الدولة، كالتعليم والصحة وغيرهما، من دون تمييز، إلا أن قيود المجتمع جعلت المهمشين يُحرمون من أغلب تلك الخدمات.
ويرى الحذيفي أن القوانين غير كافية، ومن أهم أسباب بقائهم على هامش الحياة عدم قيام الدولة بدورها بتقديم الدعم والمساندة لهم ودمجهم في المجتمع.
ويؤكد أن المهمشين لم يتلقوا العون اللازم حتى في الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، باستثناء بعض الدعم المقدم من المنظمات الدولية، ويعتقد أنه كان معولًا عليها القيام بدور أكبر، لكنها مقيدة، بالإضافة إلى أعمال المتاجرة بالمساعدات في صنعاء وعدن.
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

مقالات مشابهة