المشاهد نت

الإدمان الإلكتروني للأطفال

تعز -عمران مصباح:

مع الثورة الإلكترونية الحاصلة في العالم خلال العقدين الأخيرين، وبالرغم من المساهمة التي حققتها لجعل حياة البشرية أفضل، وأقل تعقيدًا، إلا أن ذلك نشأ عنه إدمان دائم من قبل الكثيرين. هذا التعلق بالأجهزة الحديثة تتضاعف خطورته عندما يحصل مع الأطفال، فأصبح من النادر إيجاد طفل يعيش حياة طبيعية، وبعيدة عن تلك الأجهزة. هذا الارتباط، وبحسب دراسات، تعزز بشكل كبير في فترة انتشار فيروس كورونا، وذلك لما نتج عنه من عزلة قسرية للجميع، دفعت الأطفال للجوء إلى هذه الأجهزة، ووصل الأمر إلى حد التوحد معها، دون مبالاة في ذلك من قبل الأسرة، أو إدراك خطورته، وكذلك؛ وضع الحلول له.

ظاهرة الإدمان الإلكتروني

الإدمان الدائم من قبل الأطفال للأجهزة الإلكترونية، أمر لم يعد بالإمكان تجاهله، إذ تتوسع الحالة باستمرار، وأصبحت تشمل غالبية الأطفال، كما أن لها عواقب مستقبلية على الأجيال. الأخصائية الاجتماعية، إيمان أحمد، تعلق على تلك الظاهرة، قائلة: “أولًا يجب وصفها بالمشكلة، لأثرها الكبير على الطفل، ومستقبله، لأن ما يحدث هو عبارة عن تدمير حرفي لعقلية الطفل، فالسن الذي يعيشه من المفترض أن ينحصر تعامله مع أشياء صحية أكثر، وكذلك الأنشطة التي يقوم بها، يجب أن تكون سليمة، ولا تسبب له أي أضرار، لكن، ما يحصل العكس”.
وعن سبب الظاهرة التي زاد انتشارها بشكل غير معقول، تتحدث وفاء سعد، وهي متخصصة علم نفس، ومعالجة نفسية، قائلة: “يعود السبب لانعدام الثقافة الصحيحة عند الأسرة، والفهم المغلوط الذي لديهم، فأغلب الأسر تعتبر الطفل الذي لديه القدرة للتعامل مع الأجهزة الذكية؛ كالهاتف، والآيباد، شخصًا ذكيًا، ولديه مهارة جيدة، غير مدركين مخاطرها”.
بينما عادل عبدالله، وهو طبيب، وأب لثلاثة أطفال، يتحدث عما يحدث مع أطفاله، قائلًا: “أعرف أنه سلوك غير جيد على الإطلاق، لكن، يجب التعامل معه بشكل منطقي نوعًا ما. هذه الأجهزة عصرية، وهي جالبة لعدة أضرار لنا جميعًا، ومع هذا نتعامل معها، ولا يمكنك أن تحرم الأطفال منها، لما له من أثر قمعي على شخصياتهم، ونفسياتهم، إلا أنه يجب تقنينها، وهذا على الأقل؛ أي عدم السماح للأطفال بالبقاء مع هذه الأجهزة لفترات طويلة، حد الاستنزاف، بل إلزامهم بوقت محدود، وما إلى ذلك”.

فيروس كورونا: تعزيز ظاهرة الإدمان الإلكتروني

قبل حوالي عامين، ومع انتشار فيروس كورونا، الذي أجبر الجميع على البقاء في المنزل، عم الأسرة فراغ كبير، ذلك عزز من تعلق الأطفال بالأجهزة الذكية، يؤكد ذلك بشكل كبير، الطبيب عادل عبدالله، قائلًا: “لاحظت ذلك كثيرًا جدًا، مثلًا: قبل كورونا، لم يكن أطفالي يبقون في المنزل، سوى بعض الوقت للمذاكرة، وبعض الأنشطة، لكن في وقت كورونا، كنت أجدهم منهمكين جدًا في الأجهزة، بل إنني اضطررت لشراء آيباد ثالث، للأخ الثالث، كي تتوقف المشاكل بينهم. بينما في السابق كانت الأجهزة الموجودة لا يتم استخدامها إلا في ما ندر”.
هناك دراسات كثيرة تؤكد زيادة استخدام الأجهزة الذكية في فترة كورونا، سواء للكبار، أو للأطفال الذين تزداد عندهم المخاطر أكثر من غيرهم. عن السبب الذي دفع الطفل للإدمان أكثر، تقول المتخصصة النفسية، وفاء سعد: “هناك أسباب كثيرة، لكن، أولها، وأهمها؛ الأسرة، التي جعلت الطفل يقترن بالأجهزة الإلكترونية لأوقات طويلة من يومه؛ لكي ينشغل بها، وذلك لأجل أن يرتاح بالهم منه، ويشعروا بالهدوء بعد ما أجبرهم كورونا على البقاء في المنازل. وتستطيع الأم إنجاز شغل المنزل وكأنهم خارج البيت. غير واعين العواقب الوخيمة، أو حتى المشاكل الآنية”.
بهذا الخصوص، وفيما إذا كانت الأسرة بإمكانها حماية أطفالها من إدمان الأجهزة الإلكترونية، أم أن فيروس كورونا قد أخذ الجميع قسرًا نحو سلوكيات إجبارية، تقول الإخصائية الاجتماعية إيمان أحمد: “من الصعب جدًا إبعادهم عن كل شيء، لأن الأطفال لديهم طاقة كبيرة، ويجب تفريغها في شيء ما، لكن، السبب أن الأسر، وفي تلك المرحلة الحرجة بالذات، لم تستطع ابتكار أنشطة اجتماعية، ثقافية، ترفيهية، وتكون واقعية، لإشغال الأطفال، ومنحهم شعورًا بالاستمتاع”.

إقرأ أيضاً  عملة معدنية جديدة.. هل فشلت جهود إنهاء الانقسام النقدي؟

مخاطر الإدمان الإلكتروني

لاستخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة في سن مبكر، عدة مخاطر على الأطفال، ويزيد الأمر سوءًا كلما ارتفع الإدمان، وكثرت ساعات الاستخدام، عن ذلك، تقول الأخصائية الاجتماعية، إيمان أحمد: “هناك مشاكل كثيرة، وفي عدة جوانب، مثلًا: في الجانب الصحي تسبب له مشاكل في النظر، وشحنات كهربائية في الدماغ. في الجانب النفسي قلق وتوتر لا يحتمله الطفل. أيضًا على الصعيد الاجتماعي تجلب له رغبة في الانطواء، والبعد عن المحيط، وخلق عالم افتراضي له”.
وعكس ما كان يحصل في السابق، عندما كانت الأجهزة الذكية مقصورة على الكبار فقط، فمع تقدم الزمن أكثر، يملك الطفل جهازًا في سن مبكر، وذلك يضاعف المخاطر. في هذا الشأن، تتحدث الأخصائية النفسية وفاء سعد، قائلة: “يجب وضع سن معين من قبل الأسرة للسماح للأطفال باستخدام الأجهزة الذكية، حيث يعتبر إجرامًا ترك طفل أقل من خمس سنوات يتعرض لتلك الأجهزة باستمرار، لما لها من أثر على حياته، حيث تجعل نومه مضطربًا، وكذلك يصاب بقلة الشهية، لأن الهوس بالألعاب تصبح هي إشباعه الأول، كما أنه ينشأ دون فهم العادات الاجتماعية، ويصبح قليل الكلام ومتململًا عند أول اجتماع، كما أن لغته تكون نفس لغة الألعاب، والبرامج، بالإضافة إلى أنه يساعد في ظهور أعراض طيف التوحد للأطفال الذين لديهم استعداد لذلك”.
عن تلك المخاطر، وفي الكيفية التي يتعامل معها رب الأسرة عادل عبدالله، ويحاول من خلالها إبعاد أطفاله عن الأجهزة الإلكترونية تلك، يقول: “الحقيقة وجدت مخاطر كثيرة. لكن، أكثر ما يستفزني كانت هي لحظة الغرق الذي يعيشونها مع هذه الأجهزة، حيث لا ينتبهون لشيء آخر على الإطلاق، وكلما أردت الحديث مع أحدهم، لا يعيرني أي اهتمام. ذلك أقلقني كثيرًا؛ وحاليًا أعمل في كل الوسائل التي بإمكانها جعلهم يعيشون حياة طبيعية، وواقعية، ويعودون إلى الحياة التي كانوا عليها قبل كورونا”.

بدائل لذلك الإدمان

هناك بدائل كثيرة بالإمكان منحها لهؤلاء الأطفال، كي ينشأوا بطريقة صحية، ويعيشوا مرحلة الطفولة باستمتاع أفضل. عن تلك الوسائل، تقول وفاء سعد: “هناك أنشطة كثيرة، لكن، أول شيء صحي يجب استعادته، هو جو الأسرة، وتفعيل دور الاجتماع العائلي الذي لم يعد موجودًا”، مضيفة: “على الأطفال أن يعيشوا مرحلة الاستكشاف، عليهم اللعب لتكوين خبرات من محيطهم، عليهم أن يسألوا ويجدوا آذانًا صاغية لهم”.
وتختتم حديثها بأن التعلم باللعب مهم، وكذلك أهمية أنشطة المنزل البسيطة والتعليمية، وتشدد على أنه وفي حالة منحهم أجهزة في العمر المناسب، يجب توجيههم نحو برامج وأفلام ومسلسلات هادفة.
عن تجربة شخصية، وكيف استطاع توفير بعض البدائل لأبنائه، يقول عادل عبدالله: “المسألة تكمن فقط كيف تقترب من طفلك، وتفهمه. شخصيًا: وجدت أن اثنين من أولادي يستخدمان الأجهزة بطريقة جيدة، بينما كنت أريد إبعاد ولدي الأصغر عن الإدمان الكبير مع لعبة البوبجي، فحاولت تخفيض وقت استخدامه، وبحثت عن أنشطة بديلة تجلب له السعادة، مثلًا: وجدت أنه يحب الحيوانات جدًا، ذهبت، وأخذت له كلبًا، وقطة، والآن يمنحهما الكثير من وقته. أيضًا يحب السباحة، فأقوم بأخذه باستمرار كلما استطعت للمسبح، وهكذا”.
من ضمن البدائل التي يجب تقديمها للأطفال في سن مبكر، لما لها من دور في تطوير الشخصية، وتطوير الفرد، تقول إيمان أحمد: “يجب تعليم الأطفال القراءة والاطلاع من سن مبكر، وذلك لما لها من أهمية كبيرة، كذلك الألعاب التي يقومون بها، وبالإضافة إلى أنها ترفيهية، يجب أن تكون جيدة ثقافيًا، وتساعدهم على الابتكار، وتطوير مهاراتهم”.
في الأخير، حتى وإن أصبح من الصعوبة إبعاد الأطفال، وبشكل كلي، عن الأجهزة الحديثة، إلا أنه من المهم حراستهم من الإدمان عليها، ووضع تقنين لاستخدامها، عبر أوقات محددة، وكذلك بما يفيدهم، ويطور شخصياتهم، ويحسن نفسياتهم أكثر، بدلًا من ترك الضرر على نشأتهم، ونموهم السيكولوجي.

*نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا

مقالات مشابهة