المشاهد نت

 مكافحة الفساد.. واجب الإعلام في اليمن

تعددت الجهات المسيطرة في اليمن يتطلب دورا كبيرا للإعلام لكشف الفساد

عدن-حمدي رسام

نهب الإيرادات العامة، وحرمان خزينة الدولة منها، وعدم استفادة المواطنين منها، هو ما دفع الصحفي وفيق صالح للعمل على تقارير تكشف عن قضايا فساد. معتبرًا ذلك ضرورة في ظل انهيار مؤسسات الدولة وانتشار الجماعات المسلحة التي تدير البلاد بطريقة الغلبة والقوة، حد قوله. وقد قام مؤخرًا بالعمل على تقارير كشفت  نهب الإيرادات العامة بخاصة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.

دور فعال

لا يمكن إغفال الدور الكبير لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام، وهو ما يمكن الاستفادة من هذا التأثير في تسليط الضوء على قضايا الفساد والاختلالات الموجودة في كافة المؤسسات اليمنية.

وفي التعامل مع قضايا الفساد يحتاج الصحفيون إلى النظر بعمق لمظاهر الفساد من أجل فهم أعمق لكيفية ممارسة الفساد، وهذا ما يمكن للصحافة أن تقوم به من خلال التقارير المعمقة أو الاستقصائية.

وشكلت الصحافة الاستقصائية منذ ظهورها وسيلة مثلى لتسليط الضوء على قضايا الفساد والاختلالات، لتبرز نماذج مثالية لدور الصحافة في مكافحة الفساد.

 ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ومع أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عمل صحفيون وكتاب أمريكيون، من أبرزهم الصحفيون الإصلاحيون أو المدافعون، على كشف الفساد بتسليط الضوء على الاختلالات في المؤسسات والشركات الكبرى من خلال أعمالهم الصحفية ومقالاتهم الأدبية، والتي أحدثت صدى واسعًا، وأسهمت بشكل كبير في مكافحة الفساد والإصلاح المؤسسي. كما استفادت المؤسسات الأمريكية المعنية بمكافحة الفساد مما تنشره وسائل الإعلام عن قضايا الفساد. وهو يمثل نموذجًا ناجحًا يمكن لوسائل الإعلام في الدول الأخرى الاستفادة منها في كيفية خلق شراكة بين وسائل الإعلام والجهات المعنية في مكافحة الفساد.

يقول البروفيسور الأمريكي ماثيو ستيفنسون، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، ومؤسس ورئيس تحرير مدونة مكافحة الفساد العالمية: “من المهم رؤية الفساد ليس فقط من منظور مرتكبي الخطأ الفردي أو التصرف الخاطئ الفردي، ولكن من منظور الأنظمة والقليل من الجوانب الثلاثة. أولاً، من المهم التركيز على حقيقة أن الفساد له عواقب منهجية؛ ثانيًا، من المهم تقدير حقيقة أن الفساد له أسباب منهجية؛ وثالثًا، من المهم إدراك أن الفساد يعمل في ويسهل من خلال أنظمة أكبر، وأنظمة تشمل جهات فاعلة أخرى غير تلك التي تشارك بشكل مباشر في أعمال الفساد، بحيث يتطلب فهم مكافحة الفساد التفكير في تلك الأنظمة والجهات الفاعلة الأخرى فيه”.

من جهته، يقول الصحفي الاستقصائي محمد عبده الحسني: “الصحافة الاستقصائية وجدت وظهرت للكشف عن الفساد وخبايا الفساد والمكاشفة للكثير من القضايا المرتبطة بهذه الجوانب سواء الفساد المالي أو الإداري وغيره. ولكن وبالرغم من وجود الكثير من الصحافيين ممن يعملون في مجال الصحافة الاستقصائية أو الصحافة العميقة، فإن تأثيرها على إصلاح جوانب الفساد أو المساءلة تظل دون المستوى”.

الحرب تقيد حرية الصحافة

قبل اندلاع الحرب استطاعت وسائل الإعلام اليمنية أن تقطع شوطًا كبيرًا في مكافحة الفساد من خلال التركيز على قضايا الفساد ونشرها للرأي العام. وبرز العديد من الصحفيين الذين عملوا في كشف الفساد، لعل أبرزهم الصحفي الاستقصائي محمد عبده العبسي الذي نشر العديد من المقالات والتقارير حول قضايا الفساد من خلال صفحته عبر “فيسبوك” و مدونته الخاصة على الإنترنت. لقد استطاع العبسي كشف العديد من قضايا الفساد المتعلقة بالكهرباء والمشتقات النفطية وغيرها.  وقد دفع حياته ثمنًا لعمله في كشف الفساد، حيث توفي في ظروف مشبوهة العام 2017م. ويرجح وفاته مسمومًا في صنعاء، بسبب عمله على تحقيقات صحفية تتعلق بقضايا فساد.

وفي تعليقه على دور وسائل الإعلام في اليمن في مكافحة الفساد قبل وأثناء الحرب، يقول علي يحيى اللكمه، متخصص في الحوكمة ومكافحة الفساد: “كان لوسائل الإعلام دور بارز في مكافحة الفساد قبل الحرب، حيث ظهرت الحملات الإعلامية والتغطية الصحفية المركزة على قضايا الفساد المختلفة بكل جرأة وشفافية، مع بعض ما صاحبها من اختلالات تبدو بسيطة، مقارنة بالدور الضعيف والمحدود لوسائل الإعلام أثناء  الحرب، حيث طغت سرديات الحرب بأبعادها المختلفة على ما عداها من قضايا، وأبرزها تناول الفساد أثناء الحرب أو ما بات يعرف باقتصاد الحرب، نتيجة لعوامل كثيرة أبرزها ضيق مساحة الحرية الصحفية والإعلامية بشكل عام، والقيود التي فرضت على الصحفيين، وقلة البيانات والمعلومات المتاحة حول جرائم الفساد، نظرًا للتعتيم الرسمي على تلك الممارسات وما يصاحبها من مخاطر على الصحفيين أو الناشطين في هذا المجال الحساس”.

إقرأ أيضاً   الحلويات الصنعانية... عادة رمضانية

التوعية بمكافحة الفساد

دور الإعلام لا يقتصر فقط على كشف قضايا الفساد، ولكن يتعدى ذلك من خلال التوعية والتثقيف وخلق ثقافة مجتمعية مناهضة للفساد وتعزيز الشفافية وقيم النزاهة.

وحول الدور الذي يمكن لوسائل الإعلام أن تؤديه يقول اللكمه: “تستطيع وسائل الإعلام لعب دور كبير في مكافحة الفساد من خلال تبني سياسة إعلامية مناهضة للفساد تقوم على تضمين برامجها الإعلامية وأدبياتها الصحفية وتقاريرها المختلفة تشجيع الموظفين وعامة المجتمع على ممارسة السلوكيات الإيجابية في تعاملاتهم المختلفة في أجهزة الدولة، والتخلي عن التصرفات السلبية المرتبطة بظاهرة الفساد، مستندة في تأثيرها بالدرجة الأولى إلى قيم معينة، مثل المصلحة الوطنية، والولاء للوطن، وقيم الشفافية والنزاهة والمساواة والمواطنة. كما يمكنها أيضًا رصد ومراقبة وتقييم مظاهر الاختلالات المختلفة في أجهزة الدولة، وتسليط الضوء على حالات الفساد التي تكشفها، وتقديمها كبلاغات أو شكاوى للجهات ذات العلاقة”.

ويضيف: “كما يمكن بناء وتنسيق الشراكات بين المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام المختلفة في تبني أدوار فاعلة ومؤثرة للكشف عن جرائم الفساد ومتابعة مرتكبيه وخلق ثقافة مجتمعية مناهضة للفساد، من خلال الترويج للعمل الاستقصائي بوصفه أهم أدوات الإعلام في فضح الفساد ومجابهته في المجتمع”.

من جهته، يقول الصحفي الاستقصائي محمد عبده الحسني: لكي يلعب الإعلام دورًا مؤثرًا في مكافحة الفساد، نحتاج إلى قنوات اتصال بين الصحافة والصحفيين مع مراكز المحاسبة والمراجعة لدى الجهات المستهدفة سواء كانت حكومية أو قطاعات أخرى، وهذا سيعطي الصحفيين قدرة أكبر في كشف وتقديم قضايا الفساد وتعزيز دور الجهات المعنية في المحاسبة”.

تعتبر اليمن من الدول الأسوأ في مؤشر مدركات الفساد الذي يصدر سنويًا عن منظمة الشفافية الدولية، ففي العام 2021 حلت اليمن في المرتبة 174 من أصل 180 دولة في العالم، لتصبح ضمن الدول الست الأكثر فسادًا.

في اليمن أسهمت الحرب في زيادة الفساد في مختلف القطاعات في ظل انهيار مؤسسات الدولة وتوزع السيطرة والنفوذ على جهات متعددة. ففي تقرير لمركز صنعاء للدراسات عن مكافحة الفساد في اليمن نشر في نوفمبر 2018م، أشار إلى آليات الفساد التي ارتبطت بالحرب كالفساد في الجانب العسكري من خلال رواتب الجنود الوهميين أو المتاجرة بالأسلحة، وأشار التقرير أيضًا إلى الفساد في استيراد الوقود، وكذا انعدام الشفافية والمساءلة بشأن دخل وإنفاق السلطات الحاكمة في اليمن في ظل تعدد السلطات والجهات الفاعلة.

كما أدت الحرب إلى ضعف وتغييب دور الأجهزة المعنية في مكافحة الفساد في اليمن، وذلك يعود إلى الانقسام الحاصل بالسلطة وتعدد السلطات المسيطرة على الأرض. فمنذ بداية الحرب توقف دور الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وغيرهما من الجهات والأجهزة الحكومية المعنية بمكافحة الفساد.

ومنذ انتقال الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في 2018، إلى العاصمة عدن، لم تقم بأي دور يذكر في مكافحة الفساد، عدا الاجتماعات الروتينية مع مدراء المؤسسات والأجهزة المعنية.

مقالات مشابهة