المشاهد نت

صمود يكسر حاجز “الإعاقة”

تعز – أمجد الشدادي 

بعصاته التي اقتطعها من إحدى الأشجار يقود هاني غيلان (35عامًا)، قطيعًا من المواشي، في أحد أرياف محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، وهي المهنة التي رأى أنها الأنسب له كونه معاقاً سمعياً.

تضاءلت فرص العمل على الكثيرين في اليمن منذ بداية الحرب، وازدادت معدلات البطالة لتصل إلى 32٪ مطلع عام 2021، بحسب دراسة حديثة أجرتها  منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، لكن “هاني” اختار أن لا يكون ضمن الفئات التي تعاني من البطالة و اختار العمل في الثروة الحيوانية من أجل إعالة أسرته المكونة من سبعة أشخاص، وتغطية متطلباتهم المعيشية.

بين التهميش والتنمر

يعاني هاني منذ ولادته من التهابات حادة في القناة السمعية جعلته ضعيف السمع لدرجة كبيرة، ومنذ ذلك الحين وهو يواجه ظروف الحياة القاسية متحديًا كل إرهاصاتها وتقلباتها من حين لآخر، حيث واجه في بداية الأمر تهميشًا مجتمعيًا وتنمرًا من قبل الكثيرين ليس لشيء سوى أن أذنه لا تسمع ما يسمعه أولئك.

يقول هاني بملامح يبدو عليها التعب والعناء بعد سنين قضاها في رعي الأغنام، خلال حديثه لـ”المشاهد” : “واجهت الكثير من التحديات في حياتي، كثيرون من أبناء المنطقة يتنمرون عليّ، ويواجهوني بعبارات قاسية لا أسمعها لولا تعابير الضحك الظاهرة عليهم”.

عاش هاني طفولة قاسية لدرجة أنه ترك الدراسة وهو لا يزال في الصف السادس الأساسي واتجه من حينها للعمل في الرعي وفلاحة الأرض في سن مبكرة عن العمل، وبحسب قوله أنه تركها بسبب التعامل الذي تلقاه من بعض أساتذته وزملائه.

خذلان المجتمع

شبّ الفتى الأصم غيلان وفي داخله إصرار وتفاني في أن يكون شيئًا كبيرًا في مجتمه، وثابر بطموحه الريفي وإصراره على العمل لعله يخرج نفسه وأسرته من حالة الفقر التي عاشوها طوال سنين مضت؛ فانتقل للعمل في أحد المطاعم في مدينة تعز، ولكن سرعان ما تم طرده بسبب أنه أصم لا يسمع جيدًا.

ظل هاني يبحث عن عمل لفترة طويلة ولكن أصحاب العمل يستغنون عنه حين يعلمون بضعف سمعه، حيث يقول: “أصبحت كلما حصلت على فرصة للعمل في مكان ما أخبرهم بأني لا أسمع، حتى لا أصاب بالإحباط واليأس بعد الاستغناء عني وفصلي من العمل”.

إقرأ أيضاً  «أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر

إصرار يتحدى الصعاب

لم يجد (هاني) أمامه، سوى العودة إلى قريته واختار لنفسه حياة تبعده عن الناس والمجتمع، حياة اكتفى فيها برعي الأغنام والماعز وما سواهما من الأنعام، عاد لمهنته التي مارسها منذ طفولته بعد أن يئس من التأقلم مع المجتمع، بالإضافة إلى حاجة أسرته لمن يعولهم.

سنوات قضاها متجولًا بين الجبال والوديان يسوق قطيعًا من البهائم التي يتنامى عددها من وقت لآخر؛ فتزوج وأنجب أطفالًا فهو معتمدًا على نفسه، متعففًا عن سؤال الآخرين، ومستغنيًا عن أي أحد سوى الله.

 فبحسب قوله أن مندوبًا لإحدى منظمات الإغاثة الدولية التي جاءت في زيارة إلى قريته عرض تسجيله للحصول على بعض المساعدات التي بإمكانها مساعدته وعائلته ولو حتى القليل، فرفض ذلك وقرر أن يتخطى الإعاقة وأن يتخذها حافزاً له لمواصلة سعيه لكسب الرزق مما يجنيه من جهده المتمثل في رعي المواشي.

أصبحت مهنة الرعي روتينًا يوميًا يقضيه هاني منذ الصباح الباكر، وحتى حلول المساء بكل حب وإصرار وعزيمة، إذ يصفها هاني بقوله: “أحب الرعي كثيرًا، لقد تعلمت منها الصبر والأمل وفوائد كثيرة..” مختتمًا قوله: “إنها مهنة الأنبياء”.

يعيش (هاني) بسلام واستقرار متحديًا ظروف الإعاقة،  وقد قرر أن يتلقى أبناءه فرصة التعليم التي افتقدها في صغره بسبب تعامل المجتمع مع المعاقين، باذلًا كل ما يستطيع فعله من أجل أن يراهم في المستقبل المنظور أطباء ومهندسين ترفع لهم القبعات، كما يصف.

على الرغم من الأوضاع التي تشهدها البلاد منذ سبع سنوات من تدهور وانهيار اقتصادي في ظل الحرب إلا أن كل هذه التحديات التي يواجهها المواطن اليمني في توفير لقمة العيش تعتبر معركة بحد ذاتها لاسيما في الأرياف؛ فرغم إعاقة “هاني” ورغم الظروف المعيشية السيئة والإعاقة، لكنها لم تكن عائقاً بينه وبين أن يعمل ويسد حاجة عائلته للعيش الكريم.

وأضحى  اليوم “هاني”  نموذجاً حيًا للإرادة والإصرار، يحتذي به الكثير من أبناء قريته، مستمرًا في ضرب أروع الأمثلة في الصمود والكفاح.

مقالات مشابهة