المشاهد نت

كيف يخسر اليمن القيمة الإقتصادية للمساعدات؟

أسعار صرف الريال مقابل العملات الأحنبية - صورة تعبيرية

عدن – بشرى الحميدي

لا يزال اليمن يعاني أزمة إقتصادية تتمثل باستمرار تدهور العملة الوطنية وانعدام العملات الأجنبية الصعبة  بالرغم من استمرار مشاريع المنظمات الإغاثية التي جمعت منذ 2015 حتى بداية العام الجاري أكثر من 17 مليار دولار. فالقيمة الاقتصادية لهذه الأموال على قيمة العملة اليمنية صفرية بالنظر إلى أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني. وهذا يعود بالأساس إلى عدم اعتماد آلية نقدية للتحويلات الأجنبية المخصصة للمشاريع الإنسانية في اليمن تضمن وصول هذه الأموال عبر البنك المركزي في عدن، مقر الحكومة المعترف بها دوليا.

 يقول الدكتور محمد حسن، مستشار مجلس الوزراء اليمني للشؤون الإنسانية، إن مؤتمرات المانحين التي تعقد دوريًا لدعم العمليات الإنسانية في اليمن، تخصص للمشاريع التي تتقدم بها المنظمات ووكالات الإغاثة الأممية في اليمن، ولا تذهب مباشرة لدعم الاقتصاد اليمني، أي أن الحكومة اليمنية لا تستلم هذه المبالغ مباشرة من المانحين، وإنما يتم تنفيذ مشاريع إنسانية عبر هذه الوكالات المعتمدة، لذا فإن تأثيرها على الاقتصاد اليمني لن يكون كبيرًا، إن لم يكن منعدما بخاصة أن هذه الأموال لا تحول حتى إلى حسابات المنظمات في البنك المركزي اليمني، ولا تتم عملية استيراد المواد اللازمة لهذه المشاريع عبر البنوك اليمنية، بالرغم من محاولة البنك المركزي في عدن من الضغط من أجل تحويل مبالغ المساعدات وموازنات أنشطة ومشاريع العمليات الإنسانية، عبره.”

حتى الآن لا توجد آليات حقيقية لضمان الإستفادة من تمويل العمليات الإنسانية في وقف تدهور العملة، كما يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي رشيد الآنسي، لـ”المشاهد”، ، مؤكدًا أن الحكومة منذ بداية الحرب تعتمد على المساعدات ودعم دول التحالف في تمويل واردت الوقود، الكهرباء ودعم المواد الغذائية.

من جهته، يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام  الإنساني محمد المقرمي، إن عدم تحسن الاقتصاد بالمنح الدولية، يعود لكونها تستهدف الجانب الإنساني والإغاثي، ولا تقوم ببرامج تنموية، لذلك فهي تسهم في تردي الاقتصاد وليس تحسينه، مضيفًا أن المنظمات الدولية تقوم بشراء المساعدات من المصانع في الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل المصانع المحلية، ورفع نسبة البطالة، وتوقف المؤسسات والشركات المنتجة، وهذا من أكثر الأسباب التي تفاقم الوضع الاقتصادي.”

غياب الدعم التنموي

يقول الآنسي “كل المساعدات الدولية التي تأتي لليمن حاليًا هي مساعدات استهلاكية، فلم نلمس من دول التحالف أو المجتمع الدولي تمويل مشاريع قومية يستفيد منها الشعب اليمني لفترات قادمة، مثل محطات الكهرباء الحديثة، الطرقات والموانئ والمطارات، والتي ستنهض بالاقتصاد بصورة حقيقية.”

تعهدت الحكومة أكثر من مرة بعدم استخدام مصادر تضخمية في تمويل نفقاتها، لكن هذا لم ينفذ، فمازالت الحكومة تعتمد على طباعة العملة في تمويل إنفاقها المضطرد بصورة مستمرة. فيما العملة تواصل انهيارها، وما يحدث من هبوط في أوقات معينة، ثم معاودة الارتفاع، هو أكبر دليل على عدم سيطرة مؤسسات الدولة على سوق العملة، وفق الآنسي، مشيرًا إلى أن الأمر تُرك لجمعية الصرافين وللمضاربين لإدارة المشهد.

وتعتمد النظرة الدولية للاقتصاد اليمني على المصالح السياسية والعلاقات الدولية ومصالح الدول التي لها مصلحة في اليمن سواء في الوضع ما قبل الحرب أو الوضع أثناء الأزمة، وأكبر دليل أن دول التحالف خصوصًا السعودية، تقييمها للأوضاع يقوم على جانب اقتصادي أساسي، لما تدخره اليمن من مقدرات اقتصادية هائلة، وموارد طبيعية، وبخاصة المعدنية، منها النفط والغاز والمعادن بكافة أشكالها، وهذه حقيقة يدركها السياسيون في اليمن، لكنهم لا يولون هذا الشيء النظرة الدولية التي تتمثل بمصالح الدول، حد قول مستشار التنمية المستدامة للمركز الدولي للاستثمار، علي عوض العمودي.

 مشيرًا إلى “أن مكافحة الفساد اليمني تبدأ من القمة، فلو استطعنا أن نستأصل الفساد من قمة الهرم، استطعنا أن نحسن من نمو الاقتصاد النمو المستدام، وضمان وضع مزدهر للتعليم والمرأة ودورها، ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من المكونات، في حين صلح الرأس بعيدًا عن المصالح.”

وقف الحرب أولا

وتثير تقارير المنظمات الدولية حجم التعقيد الكبير في الأزمة الإنسانية والاقتصادية في اليمن، وهو ما يستدعي تحركات دولية جادة لإنقاذ اليمن واقتصاده أولًا بإيقاف الحرب، ووقف السياسات العبثية التي تنفذها جماعة الحوثي، سواء من خلال قطعها لرواتب الموظفين، أو نهب المساعدات، ما أسهم في ارتفاع مستوى الفقر والمجاعة، وتفشي الأسواق السوداء، وتزايد عمليات نهب المواطنين وتجويعهم، وسن قوانين غير دستورية لتعزيز الانقسام الاقتصادي في اليمن، ما يجعل من السلام في اليمن، أمرًا بعيد المنال، حسب حسن.

إقرأ أيضاً  عمالة الأطفال في رمضان

لكن المقرمي يعتبر التقارير الدولية الصادرة من المجتمع الدولي، والغربي على وجه الخصوص، هي تقارير في محصلتها تنطلق من دافع المصلحة العامة لتلك الدول التي ترى أن استمرار الوضع يخدمها في بيع صفقات الأسلحة، وتفضل استمرارها لما تكسبه من صفقات مالية ترفد اقتصاداتها المتهالكة، بخاصة بعد كورونا، أما الدول العربية فهي أكثر اهتمامًا بالشأن اليمني، ويهمها إنهاء الحرب، لأن استمرار الحرب يدفع ثمنه اليمنيون وكل الدول المجاورة، لذلك من مصلحة الجميع العودة إلى المسار السياسي، وإنهاء الانقلاب، والبحث عن آلية للم الشمل بعد كل هذا الاحتراب الذي دفع ثمنه اليمنيون.

و”ينبغي على المنظمات الدولية أن ترسخ مبادئ الشفافية المالية في أنشطتها، قبل كل شيء، من أجل تعزيز هذا النهج لدى بقية الأطراف المحلية داخل اليمن، من خلال إصدار تقارير دورية عن أنشطتها والموازنات التي يتم صرفها على تلك الأنشطة، ومعايير تنفيذ تلك الأنشطة لضمان عدم توجيه هذه الأنشطة لدعم أي من أطراف الحرب، ولضمان استفادة المواطن بشكل رئيسي من هذه المساعدات وهذه المنح”، يقول المقرمي.

تطوير أداء البنك المركزي

لتنفيذ أي مقترحات لا بد من تحسين أداء المؤسسات التي ستنفذ وتطبق هذه المقترحات، لاسيما البنك المركزي، فلا بد من تطوير أداء البنك المركزي وتطوير أداء المؤسسات، ويعتمد هذا على القائمين على هذه المؤسسات، وهنا لا بد من إحداث تغيير في القائمين على هذه المؤسسات، والاعتماد على الكفاءات وأصحاب الخبرة في ذلك، كما يقول الآنسي.

 مضيفًا: “لعلنا في أمس الحاجة إلى إحداث تغيير في المصالح الإيرادية، مثل الجمارك والضرائب والاتصالات والنفط، فاتحسين إيرادات الدولة سيخفف من اعتماد الدولة على المصادر التضخمية في تمويل إنفاقها، إضافة إلى تقليص الإنفاق، لأن ما ينفق حاليًا خيالي إذا ما رأينا حجم الإنفاق الخارجي على السفارات والمستشارين والمعينين في مناصب حكومية لا داعي لها، و وإنفاقنا الخارجي فاق كل التصورات، وبشكل مخيف، والتقليص من الإنفاق سيحد من عجز الموازنة العامة للدولة، ويأتي في المرحلة الثالثة تعزيز الرقابة على الأداء الحكومي، وتفعيل الأجهزة الرقابية، لاسيما الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وفوقهم مجلس النواب. كل تلك الخطوات هي ضرورية لأي تحسن اقتصادي نرجوه، وبدونها أصدقكم القول لا جدوى من أي قرارات أو سياسات أو وديعة أو دعم خارجي”.

ويقول المقرمي: “أي حل سياسي يقضي بإنهاء الحرب هو عمليًا إيقاف للدمار الهائل الذي أفرزته الحرب، وتوقف هذا الدمار هو الخطوة الأولى لعودة المؤسسات والمصانع والشركات، كما أن توفير الأمن والاستقرار سيحفز المستثمرين للعودة إلى الوطن، وهذا من أهم العوامل التي تحسن الاقتصاد، كما أن إنهاء الحرب وعودة الاستقرار سيعطي الحكومة القادمة فرصة الاستفادة من الثروات وتصدير النفط الذي يوفر العملة الصعبة، ويؤدي إلى تعافيها وتعافي الاقتصاد معها”.

فيما يرى حسن، أن إحلال السلام في اليمن، سيكون دافعًا قويًا لإنقاذ الاقتصاد، من حيث حشد الموارد وتوحيد السياسات المالية والنقدية، ودفع رواتب الموظفين، واستئناف الأنشطة التجارية وحركة التصدير، واستئناف إنتاج النفط والغاز، واستعادة ثقة الشركاء الدوليين والحصول على منح مباشرة لدعم الاقتصاد اليمني.

ويدعو الصحفي الاقتصادي، محمد الجماعي، التحالف إلى تقديم واجبه أولًا، في دعم الاقتصاد وتمكين الحكومة اليمنية من الوصول إلى مواردها الاقتصادية، وفتح المطارات والموانئ والمعابر، وفتح حساب الحكومة لدى المؤسسات المالية الدولية، وتحويل أي دعم مالي بالعملة الصعبة عبر مركزي عدن، ومنح الحكومة امتياز استيراد المشتقات وعدد من السلع من السعودية والخليج.. هذا قبل الحديث عن أي إصلاحات أو نية لإعادة الإعمار.

مقالات مشابهة