المشاهد نت

بين السلم والحرب.. ما دور الإعلام اليمني؟

توثق النقوش اليمنية تفاصيل الصراعات ومعاهدات السلام التي شهدها اليمن قديما

عدن-منال شرف

تخلط كثير من المؤسسات الإعلامية في اليمن بين المبادئ المهنية والمسؤولية الاجتماعية للخطاب الإعلامي، حيث تتجه كثير منها للتغطية دون الالتفات لتأثيرها على زيادة حدة الصراع، ما يعتبره آخرون نقضًا صريحًا لمسؤولية الإعلام في كونه ليس بوقود حرب أو محرض على تأجيج النزاعات في المجتمع، وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي لدى اليمن، هانس غروندبرغ، في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، بتأكيده على أن “استخدام الخطاب الإعلامي التصعيدي يقوض الهدنة”.

إن التأثير الشديد للخطاب الإعلامي، اليوم، على جهود السلام في اليمن، يدفع لإعادة النظر في لغته وتصحيح مساره، كما تقول رغدة المقطري، وهي ناشطة حقوقية، موضحة: “خطاب مبني على الكراهية وتمزيق النسيج المجتمعي هو بحاجة إلى ترشيد”، لكن أخرون لا يتفقون معها، معتبرين الإعلام موثق دقيق لما يحدث وحسب.

هل يؤجج الإعلام اليمني الصراع؟

للإعلام دور فاعل في تناول الأحداث والوقائع، وفي صياغة مجرياتها ونتائجها، علاوة على تأثيره وقدرته على صناعة الرأي العام، وفيما يشهد اليمن، مؤخرًا، جهودًا إقليمية ودولية لتعزيز وبناء السلام، ومحاولات لإخراجه من حالة الحرب إلى السلم، لا يزال الخطاب الإعلامي، بنظر البعض، موظف لتحقيق الغلبة أو المكاسب.

وبحسب الصحفي والمدرب، عبدالرحمن أنيس، فإن الخطاب الإعلامي مؤثر جدًا على جهود السلام في اليمن، وواقعه يعرقل السلام أكثر مما يساعده، مؤكدًا أن غالبية وسائل الإعلام اليمنية، حاليًا، لا تتبنى خطابًا إعلاميًا مسؤولًا يساعد جهود السلام؛ “فاذا التقى الفرقاء على مائدة التفاوض، نرى هذا النوع من الإعلام يُذكِّر بالدماء التي سالت، والمصابين الذين جرحوا”.

ويؤكد الصحفي عمران فرحان على تأجيج الإعلام في اليمن للصراع بضخه معلومات مضللة، وبثه الإشاعات، وانتهاكه للخصوصية، مشيرًا إلى أن ذلك يوسع ردات الفعل، ويحيل الإعلام لإحدى الوسائل المستخدمة في تهديد السلم الاجتماعي، وتفكيك المجتمع، وترسيخ ممارسات عدائية.

معرقل أم مناوئ؟

أن وجود الإعلام بيد أطراف متصارعة تستخدمها كوسائل دعم لمواقفها يجعله أقرب لكونه إعلامًا سلبيًا، لكنه، كما ترى الصحفية نور سريب، عامل مساعد وليس العنصر الأساسي في جهود السلام؛ “لأن السلام يجب أن يتم بقناعة تامة من الأطراف المتنازعة وفق مصالحها”.

ويحمل الصحفي وسام محمد وجهة نظر مختلفة، فهو لا يعتقد بوجود خطاب إعلامي معرقل بل مناوئ لجهود السلام في اليمن، ويعيده لعدة اعتبارات، منها أن تلك الجهود تأتي خارج السياق الموضوعي، ولا تنطلق من إرادة يمنية خالصة، موضحًا: “وضع جماعة الحوثي ليس بأحسن حال، لكن وضع الحكومة الشرعية في غاية السوء، الأمر الذي يجعل دعوات السلام وكأنها دعوات استسلام وتسليم للحوثي”، ويضيف: “هناك خشية حقيقية من استثمار الحوثي لجهود السلام وتمديد الهدنة لإعادة ترتيب أوراقه، ليشرع بعدها في استئناف معاركه في مأرب وتعز والجنوب”.

إقرأ أيضاً  المبعوث الأممي لليمن يختتم زيارة إلى مسقط

وبحسب محمد، لا يمكن أن يصبح الخطاب المناوئ لدعوات السلام ذو تأثير، مستدركًا أنه “على المدى الطويل يمكن لهذا الخطاب أن يتعاظم ويتمخض عنه تأثير حقيقي لصالح توجه فرض السلام بالقوة على توجه تحقيق السلام بالمشاورات، خاصة إذا فشلت الجهود الحالية. هذا الخطاب سوف يمتلك وجاهة وشرعية حينها”.

توجيه الخطاب الإعلامي

يشير أنيس إلى إمكانية توجيه الخطاب الإعلامي لدعم وتعزيز جهود السلام من خلال أنسنة جميع الأطراف المتصارعة، وإظهار الصراع في صورته الحقيقية كصراع سياسي على السلطة لا طائفي أو عقائدي، لافتًا إلى أن فهم جوهر الصراع يساعد في أن تخطو الأطراف خطوات مسؤولة نحو إنهاء المشكلة.

ويضيف أنيس: “يجب أن تنشد وسائل الإعلام قيم جمهورها المحب للسلام والمتضرر من الحرب، وأن تعمل كوسيلة للتواصل غير المباشر بين الطرفين، وتؤدي دور طاولة المفاوضات بأخذ تصريحات متبادلة تتعلق بأفكار كل طرف ووجهة نظره بشأن عملية السلام”.

وبحسب الصحفية أحلام المقالح، فإن تقديم تغطيات غير منحازة إلى طرف دون آخر، وإبراز وجهات نظر تعددية، وتشجيع المجتمعات على التصالح مع الماضي، وتصور مستقبل مشترك، له دور كبير في تقويم الخطاب الإعلامي.

الإعلام كوسيلة بناءة

“ينبغي علينا التطرق لقضايا تهم السلام ولتطلع الناس له، فهم قد تعبوا من الحرب والمماحكات، وبحاجة لبيئة خصبة بالتعايش”، تقول الصحفية رانيا عبدالله.

تختلف نظرة الصحفيين والصحفيات لوظيفة الإعلام، لكنهم جميعًا يجمعون على أهمية الحفاظ على دوره الإيجابي من خلال، بحسب فرحان، التدريب والتأهيل للكادر المهني في وسائل الإعلام، وتعزيز القيم المهنية للعاملين فيه، ورصد وكشف المحتوى الإعلامي المضلل والكاذب، وتشجيع النماذج الناجحة في الإعلام المهني، وتكريس ثقافة المواثيق والمبادئ للشرف المهني.

إن الحفاظ على الخطاب الإعلامي كوسيلة بناءة تخدم المجتمع وتساعد على استقراره ليس بالأمر السهل، لكن ماذا إن خالف مبدأه في نقل الحقيقة؟

مقالات مشابهة