المشاهد نت

العمل في الاحتطاب  يوسع دائرة التصحر

تجارة الحطب في نمو متزايد على حساب الغطاء النباتي لليمن

تعز – أحمد عبدالمنعم الشيباني

كما جرت العادة منذ 6 سنوات، ينهض الشاب رهيب الزعزعي باكرًا لتجهيز الحطب وتحميله في السيارة للتوجّه بها صوب إحدى مناطق مديرية الشمايتين، محافظة تعز، من أجل إيفاء تعهدات لزبائنه القاطنين في أسواق المديرية وأريافها، الذين يتكاثرون يومًا بعد آخر بشكل منقطع النظير.

رهيب البالغ من العمر 32 عامًا، يعمل في بيع الحطب، شأنه شأن كثير من الناس الذين توجّهوا للعمل في هذا المجال؛ كونه يُدرّ ربحًا جيدًا، ويوفّر شغلًا مستمرًا.

ويقول رهيب: “في 2016 بدأت ممارسة هذا العمل، أذهب لشراء الحطب من ريف الوازعية، أو زريقة الشام، وأبيعه في إحدى مناطق مديرية الشمايتين. في البداية كنت أبيعُ مرة أو مرتين في الشهر، وبمرور الوقت توسّع العمل، وصرت أبيع أكثر من 10 مرات في الشهر الواحد، ومازالت الطلبيات تزداد باستمرار”.

ويستطرد: “أشتري الحطب بأسعار متفاوتة؛ وذلك بحسب أصناف الأشجار والأجزاء المأخوذة منها، تكلّفني الحملة الواحدة 15 ألف ريال يمني، وحينما يكون الحطب ممتازًا يبلغ سعرها 20 ألف ريال”.

وتأخذ عملية شراء الحطب أشكالًا مختلفة، فهناك من يبتاعه جاهزًا كما يفعل رهيب. بينما يفضّل البعض شراءه قبل اقتطاعه، ويعمد كبار التجّار إلى الاستحواذ على مساحات جغرافية معينة تحوي عددًا كبيرًا من الأشجار، وشرائها بسعر الجملة، ومن ثم استئجار عمّال تقطيعها؛ وبيعها في الأسواق أو لمشترين آخرين، ما يُضاعف عدد الرابحين من هذه التجارة.

سلاسل المستفيدين

ليس رهيب وحده أو غيره من البائعين مَن يستفيدون من الاتّجار بالحطب؛ إذ رشح عن هذه الظاهرة منتفعون كُثر وفّروا من خلالها فرص عمل جديدة ومصادر دخل لم تكن بالحسبان.

وتطول قائمة المتربّحين من ظاهرة الاتّجار بالحطب، كما يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة تعز، محمد قحطان، مضيفًا: “عند النظر في هذا الأمر نجد أنّ تجارة الحطب استقطبت العمّال للقيام بقطع الأشجار ونقلها إلى ظهور المركبات، وكذا تفريغها، إضافة إلى أنّها شكلّت مصدرًا للدخل لمالكي الأشجار أنفسهم من خلال بيعها على تجّار الحطب بمبالغ مالية يتفقون عليها مسبقًا، ولا يقتصر المتربّحون من تجارة الحطب عند هذا الحدّ، فتجّار المعدات والآلات الزراعية والكهربائية لهم نصيبهم أيضًا، فقد اتّسع سوق المناشير الكهربائية وازدهر بيعها، وقد شكّل ذلك سببًا ونتيجة في الآن ذاته في انتشار ظاهرة الاتّجار بالحطب”.

ويتابع قحطان: “لا يجب أن ننسى أنّ شريحة كبيرة من الناس في الأرياف والمدن تستخدم الحطب كوقود بديل للغاز المنزلي بصورة شبه دائمة؛ بسبب رخص ثمنه وسهولة الحصول عليه، كما يستعمله معظم الناس في فترات متقطعة عند حدوث أزمات الغاز المتكرّرة، ولعلّ أكثر المنتفعين من الاتجّار بالحطب هم أصحاب المطاعم والمخابز والأفران ومحلات الحلويات الذين وجدوا مبتغاهم في الحطب كوقود رخيص الثمن مقارنة بأسعار الغاز والمحروقات المرتفعة”.

وبالنظر إلى تاريخ بروز ظاهرة الاتجار بالحطب، سنجد أنّها لم تكن موجودة قبل وقت قصير حتى، باستثناء بعض الحالات النادرة في الأرياف، وقد تزامن ظهورها مع اندلاع الحرب (عام 2015)، وبلغت ذروتها القياسية بسبب تنامي الطلب على الحطب في أغلب مناطق البلاد، يؤكد قحطان.

ارتفاع الطلب

ويتزايد إقبال المواطنين، وأصحاب المطاعم، والأفران، ومحلات الحلويات، على شراء الحطب بصورة مستمرة؛ ما يؤثر طردًا على نمو تجارة الحطب ويُكسبها زخمًا عاليًا، فإذا حدث ومشيت في أحد شوارع مدينة تعز سترى أكوامًا من الحطب مكدّسة على جنبات الشوارع، وسيارات محمّلة بجذوع الأشجار تسير هنا وهناك بين فينة وأخرى.

عيسى الشرماني، مالك محل حلويات النور، أحد الأشخاص الّذين يفضّلون استخدام الحطب كوقود عوضًا عن المحروقات في تشغيل محالّهم التجارية. ويقول: أعتمد على الحطب منذ 4 سنوات كمادة وقود أساسية لتشغيل المحل؛ كونه رخيصًا وغير مكلف ومتوفرًا طوال الوقت، ما يجعله خيارًا مفضلًا لديّ، أشتري كل أسبوع حمولة شاحنة كبيرة يتفاوت سعرها ما بين 300 و350 ألف ريال كحد أقصى، وهو سعر جيد، خصوصًا إذا ما قارناه بأسعار المحروقات المستخدمة في الفترة عينها، فعند استخدام الديزل فإنّ ذلك يكلّفني 700 ليتر في الأسبوع تصل قيمتها في الوقت الحالي إلى 950 ألف ريال، أي أكثر من سعر الحطب المستخدم في المُدة ذاتها بثلاثة أضعاف.

إقرأ أيضاً  اللحوح... سيدة مائدة الإفطار الرمضانية

الحرب تدفع الرجال للإحتطاب

وطفت على السطح عدّة أسباب -معظمها اقتصادية- أدّت إلى بروز ظاهرة الاتّجار بالحطب وانتشارها بشكل واسع، وتتمثل أبرز تلك الأسباب، كما يُجملها قحطان: بانقطاع رواتب موظفي الدولة، وفقدان عدد كبير من الناس أعمالهم ومصادر أرزاقهم نتيجة الحرب التي لم تُراوح مكانها منذ أكثر من 7 سنوات، عدا عن أزمات الوقود والغاز المتكرّرة وارتفاع أسعارها بشكل جنوني؛ ما حدا بالناس للّجوء إلى الحطب للتكيّف مع هذه الظروف الصعبة، إضافة إلى أنّ عدم وجود المعوقات القانونية والجنائية التي قد تحول دون الاتّجار بالحطب في البلاد، قد أسهم بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة. لكنّ ما يجهله تجّار الحطب ومستخدموه أو ما يسعون لغض الطرف عنه، هي الأضرار البيئية الناجمة عن اقتطاع الأشجار والاتّجار بها واستخدامها كوقود بديل للغاز والمحروقات.

البيئة تدفع الثمن

تفيد الإحصائيات الصادرة عن إدارة الغابات ومكافحة التصحر بوزارة الزراعة والري والثروة السمكية في عدن، عام 2021، بأنّ الغطاء النباتي من الأشجار تراجع في آخر 10 سنوات بمقدار 277.4 كم مربع، فيما بلغت نسبة تدهور الأشجار الناتج عن الاحتطاب 0.17%.

ويقول مدير صندوق النظافة والتحسين في ساحل حضرموت، فهمي عبدالهادي بن شبراق، إن الاتّجار بالحطب يؤدي إلى حدوث الضرر على البيئة والسكان على المستوى القريب، والمتوسط، والبعيد، فأمّا الأضرار القريبة والمتوسطة فتتلخص بانجراف الأراضي الزراعية، وفقدان الأشخاص والمجتمعات الريفية التي تعتمد على الأرض في كسب قوتها، مصادر دخلهم، بينما تتمثّل الأضرار بعيدة المستوى بارتفاع درجات الحرارة، وظهور الأمراض والأوبئة، وحدوث الجفاف؛ إذ يؤدي اقتلاع الأشجار إلى تصاعد كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون -أحد أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري- إلى الغلاف الجوي، وبالتالي استفحال ظاهرة التغيّر المناخي بشكل عام.

دور حكومي مفقود

وفي خضم هذه المعطيات، يبرز تساؤل مهم حول ماهية الدور الذي تلعبه الجهات الحكومية المسؤولة، من أجل إيقاف ظاهرة الاتّجار بالحطب، خصوصًا وأنّ الاحتطاب لم يعد يقتصر على المناطق الريفية، بل غزا الأشجار الكبيرة في الحدائق والأماكن العامة في المدن.

بعد مرور سنوات على انتشار هذه الظاهرة، لا يبدو أنّ هناك أيّ دور حكومي يُذكر لإيقافها، سواء كان من قِبل الهيئة العامة لحماية البيئة، أو من وزارة الزراعة والري والثروة السمكية، أو من قِبل وزارة الإدارة المحلية والجهات الأخرى.

ويُعلّل وكيل الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن، المهندس عبدالسلام الجعبي، ذلك بضعف القوانين والتشريعات التي تُجرّم الاحتطاب في البلاد؛ الأمر الذي يجعلهم عاجزين عن إيقاف هذه المعضلة.

ويقول الجعبي: “يقتصر عمل الهيئة حاليًا على التوعية بأهمية الأشجار والغطاء النباتي، وإعلان المحميات الطبيعية التي يتواجد الغطاء النباتي فيها بكثرة، واستخدام أساليب الضغط المباشر عبر السلطات المحلية والأجهزة الأمنية؛ لمنع الاحتطاب وقطع الأشجار من هذه المحميات. لكن وإن بدت هذه الخطوات إيجابية في ظاهرها، فإنّها تظل إجراءات هامشية غير كفيلة بوقف ظاهرة الاتّجار بالحطب في وقتنا الراهن”.

مقالات مشابهة