المشاهد نت

رحلة سنوية للاغتسال بمياه حضرموت الباردة

في منتصف يوليو من كل عام يتغير الجو بساحل المكلا من الحر إلى البرد لمدة أسبوعين

المكلا – صالح عبدالرحمن

يواظب عبدالله بارفيد، أحد شباب مديرية تريم بحضرموت، مع أصدقاء له من محافظتي المهرة وعدن، على تنظيم رحلة جماعية إلى مدينة المكلا الساحلية، خلال “نجم البلدة”  الذي يبدأ سنويًا منتصف يوليو، ويستمر 15 يومًا كحد أقصى.

المناخ المعتدل والشواطئ الباردة المصاحبة لموسم البلدة بمثابة “إجازة وراحة” لبارقيد، من الحر الشديد الذي يصل إلى 40 درجة في مدينة تريم ذات المناخ الصحراوي.

و”نجم البلدة” واحد من 28 نجمًا، اعتمد عليها الحضارم قديمًا لمعرفة موسم الزراعة ومعرفة أجواء البحر وتقلبات الجو، وحركة النجوم، وأطلقوا عليها الأسماء، ضمن ما يعرف بالتقويم الشبامي، وتقدر فترة كل نجم من 13 إلى 15 يومًا”، وفقًا للدكتور عبدالباسط الغرابي، أستاذ مساعد بكلية علوم البيئة والأحياء البحرية بجامعة حضرموت.

“غسلة البلدة ترجِّع العجوز ولده”

رحلة سنوية للاغتسال بمياه حضرموت الباردة

يستقبل أهالى حضرموت بشكل عام والمكلا بصورة خاصة، هذا النجم يوم 14 يوليو، ليحدث انقلابًا كبيرًا للأجواء، وخصوصًا برودة البحر وهبوب التيارات الهوائية الباردة، بحسب الدكتور الغرابي.

ويفسر الغرابي هذه الظاهرة، في حديثه لـ”المشاهد”، بأنها نتيجة “اشتداد الرياح الشمالية، وعنف سريان التيار الغائض، فيثيران حركة الموج، وعظم كتلتها وحركتها العنيفة تدفع مياه البحر من الأعماق الباردة مع العوالق إلى السطح، وتدفع بتلك الكتل المائية إلى شواطئ بحر العرب الجنوبية”.

وثمة اعتقاد شائع في حضرموت يعبر عنه المثل القائل “غسلة البلدة ترجِّع العجوز ولده”، بمعنى أن الاغتسال في البحر البارد “يشفي من أمراض سنة”، وذلك اعتقاد يحتاج لمزيد من البحث لإثباته، حد قول الدكتور الغرابي.

ووفقًا لبيانات صحفية أصدرتها قوات خفر سواحل محافظة حضرموت، التي رصدها “المشاهد” خلال الفترة من ثالث أيام البلدة الموافق يوم 17 يوليو الجاري وحتي الـ25 من الشهر ذاته، توفي شخصان غرقا وأُنقذ 20 آخرون بينهم امرأة، أثناء اغتسالهم في عدة شواطئ بالمكلا.

الاسكندرية في المكلا

التوافد الكبير إلى المكلا وشواطئها خلال موسم البلدة، شجع على إقامة فعاليات جماهرية شبابية وتراثية، أبرزها “منصة البلدة” التي تنظمها منظمة لقيا في السنوات الأخيرة.

إقرأ أيضاً  تهريب القات إلى السعودية... خطوة نحو المال والموت

المنصة، بحسب عبدالله صلاح، أحد المنظمين، وعضو منظمة لقيا، فعالية جماهرية شبابية بامتياز، تقام خلال موسم البلدة، وتحتوي على باقة منوعة من الفقرات التي تبرز المواهب الشابة في الرقص، العزف، الغناء، المسرح، الهيب هوب، الرسم على الرمال وغيرها.

وعلى الرغم من أن عدد الزوار هذا العام يفوق زوار السنوات الخمس الماضية، إلا أنه يظل أقل بكثير من زوار المكلا وجماهير المنصة في المواسم السابقة للحرب، كما أكد صلاح لـ”المشاهد”.

وأوضح أن “حضور الأعوام الخمسة الماضية التي نفذنا فيها منصة البلدة، كان نوعًا ما حضورًا منخفضًا، كانت الأوضاع الأمنية مضطربة في المكلا وخارجها، كان ثمة صعوبة كبيرة في التنقل بين المحافظات، أما هذا العام فلاحظنا أن الزوار قدموا حتى من المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي”.

ويقول: “في السابق قبل اندلاع الحرب كان زوار موسم البلدة من الخليج والمغتربين في الخليج، وكانت المحافظات تحتشد إلى المكلا حتى تكاد تشبه الاسكندرية في الازدحام، وهو ما لم نعد نجده في الوقت الحاضر”.

الهيئة العامة للآثار والمتاحف بساحل حضرموت تحاول هي الأخرى انتهاز الفرصة لتعريف زوار المحافظة بالتراث الحضرمي العتيق، من خلال تنفيذ أنشطة مبتكرة ومعارض متجددة في متحف المكلا المؤسس في قصر السلطان القعيطي عام 1964، في إطار فعالية سنوية تسمى أسبوع البلدة، حسبما يقول لـ”المشاهد” مدير الهيئة، رياض باكرموم.

المتحف الذي يفتح أبوابه أمام الزوار في الفترتين الصباحية والمسائية، يقدم هذا العام، وفقًا لباكرموم، معرضًا لصناعة السفن الخشبية الحضرمية، ويقول: “لدينا صانع من منطقة الديس الشرقية، ورث الحرفة أبًا عن جد، وهو يقوم بصناعتها مباشرة أمام الزوار، ولدينا أيضًا معرض للكتاب الحضرمي، وهو معرض تشكيلي سميناه “رمال ذهبية” للرسم على البحر، وآخر للرسم المباشر من سطح قصر القعيطي”.

وأحرز متحف المكلا، مؤخرًا، جائزة التميز في الإرشاد المتحفي والثقافي “المشاركات المتفردة”، في المسابقة التي تنافست فيها 16 دولة، ونظمتها المنظمة العربية للعلوم والثقافة والمنظمة العربية للمتاحف (الإيكوا).

مقالات مشابهة