المشاهد نت

الاقتصاد يهيمن على حرب الخليج المحتملة!

مصطفِى نصر

مصطفِى نصر

صحافي يمني

مذ اشتعلت شرارة الحرب الأولى في اليمن قبل 4 أعوام، يدرك كثر من اليمنيين أنها ليست حربهم، بل صراع قوى إقليمية جعلت من اليمن أرضاً للنزاع. في هذا السياق، يأتي الهجوم الذي شنته جماعة الحوثي المسلحة على منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية في ذروة الأزمة التي تعصف بالمنطقة، مع حشد الأساطيل الأميركية في مياه الخليج، كما لو أننا قاب قوسين من حرب عالمية ثالثة.

وفي حين كان على اليمنيين النظر صوب العاصمة الأردنية عمان، حيث تنعقد مشاورات الملف الاقتصادي بين وفدي الحكومة والحوثيين، على العكس تماماً يراد لهم أن يظلوا بعيدين ومنشغلين بكل شيء إلا حياتهم واستعادة استقرارهم.

تظهر الضربات الحوثية في عمق المملكة، تقدماً في إمكانات الجماعة، لكن التوقيت كما يؤكد وكيل وزارة النفط اليمنية شوقي المخلافي “إيراني بامتياز”.

في الوقت الذي تحشد الأساطيل الأميركية في المحيط وبحر العرب بالقرب من مضيق هرمز، لتصدير النفط مع تصاعد الأزمة مع إيران “يتم استهداف المنشآت الخليجية النفطية المجهزة، كبدائل في حال نشبت الحرب وأغلق المضيق”. ويقول المخلافي في تصريح لموقع “المشاهد”: “استهداف السفن في ميناء الفجيرة النفطي وهو ميناء أنشئ كبديل، في حال إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره أكثر من 20 مليون برميل نفط يومياً، وما أعقب ذلك من استهداف حوثي بطيران مسير لخط الانبوب الواصل، من رأس تنوره في المنطقة الشرقية للمملكة، إلى ينبع غرباً. وهو الآخر تم إنشاؤه لنقل النفط من الشرق إلى الغرب، كبديل في حال إغلاق المضيق. وعلى رغم عدم كفايته حيث لن تتجاوز قدرته الاستيعابية نقل 5 ملايين برميل، إلا أن ذلك يحمل جدولاً عسكرياً ذات صبغة اقتصادية”. ويضيف المسؤول اليمني “أرادت إيران عبر وكلائها في اليمن توجيه رسالة واضحة مفادها، خطتكم البديلة هي الأخرى في مرمى النيران”.

الاقتصاد يهيمن على حرب الخليج المحتملة!

عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي قال إن ضربات جماعته النوعية هدفها “دفع الدولتين – السعودية والإمارات – إلى مراجعة سياساتهما في المنطقة”، وهو تصريح يبدو بعده الإقليمي واضحاً، لا سيما أن المعارك التي تخوضها الجماعة محلياً مع قوات الحكومة اليمنية المدعومة من الدولتين، تشهد حالة جمود، بل أيضاً تم الإعلان عن تحقيق تقدم جزئي في تنفيذ الانسحاب من الحديدة. وهي مفارقة أخرى تشير إلى أن خيوط لعبة الحرب في اليمن، تحركها أيادٍ غير يمنية، الأمر الذي يجعل الحديث عن مشاورات سلام واتفاقات جزئية، في الحديدة أو غيرها، أمراً لا يمكن التعويل عليه في إيجاد حلول للأزمة ككل.

التطورات العسكرية الأخيرة لم تتح للأطراف الداعية إلى السلام، التفاؤل باقتراب حل سياسي للأزمة اليمنية، عقب إعلان الأمم المتحدة عن قيام جماعة الحوثي بإعادة الانتشار الأحادي من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وتسليمها إلى خفر السواحل، لا سيما أن هناك تشكيكاً من الجانب الحكومي بهذه الخطوة. قال عضو الفريق الحكومي المعني بإعادة الانتشار في الحديدة صغير عزيز إن “ما حصل هو مجرد سماح بوصول مشروط للأمم المتحدة إلى الموانئ الثلاثة في الحديدة”. وهو التصريح الذي قوبل بتأكيد من المبعوث الأممي إلى اليمن، بأن أنصار الله الحوثيين “نفذوا إعادة انتشار أولية من موانئ الحديدة وصليف ورأس عيسى بمراقبة الأمم المتحدة، وقد غادرت القوات العسكرية التابعة لأنصار الله تلك الموانئ الثلاثة”.

من الواضح أن جماعة الحوثي ومن خلال تصعيدها باستخدام الطيران المسير لضرب أهداف في المملكة، تريد فصل المعركة الداخلية عن صراعها الإقليمي مع السعودية والامارات، فهي تخفض جناحها للمفاوضات في الحديدة وتبعث مندوبيها للتفاوض حول الملف الاقتصادي في عمان، في حين تصعد هجومها على السعودية. وهو أمر بالغ الأهمية للجماعة، إذ تقدم نفسها كندٍّ قوي، يمكن التفاوض معه مستقبلاً. وفي الوقت ذاته، تعزز حضورها الشعبي في رصيدها من المقاتلين، بين أوساط القبائل الذين يتم تجييشهم باعتبارهم يقاتلون عدواناً خارجياً، هو السعودية والإمارات ومن خلفهما الولايات المتحدة وإسرائيل. وهي الدعوات التي تقابل بقبول شعبي إلى حد ما في مناطق سيطرتها، لا سيما لدى جيل من المراهقين، الذين لم يحظوا بفرصتهم في التعليم، وبالتزامن مع سيطرة الجماعة على عوامل الحشد والتعبئة الإعلامية والجماهيرية.

ناهيك عن سلسلة الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين جراء القصف الجوي لمقاتلات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية فبعد أيام معدودة من استهداف تلك المنشئات النفطية السعودية تعرضت صنعاء لقصف عنيف استهدفت احدى غاراته عدد من المنازل السكنية في حي الرقاص تسبب في مقتل وإصابة العشرات من المدنيين.

يقول المخلافي: “الملف الاقتصادي هو المهيمن على مجريات الصراع الحالي بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، وإن تحريك جميع أوراق اللاعبين فيه أمر لا يخفى على أحد، والمعركة بين القوى العالمية التي تدير المسرح السياسي والعسكري عبر أدواتها الإقليمية، هدفه في النهاية، إعادة السيطرة على الشعوب العربية وثرواتها وابتزاز حكامها”.

ويضيف: “استهداف القطاع البترولي الذي يعد عصب الحياة للسعودية والإمارات، يمثل رسالة تحد، تخطت الخطوط الحمر كلها، وفيها إعادة إنتاج للحوثي كـ”قفاز لإيران”، متابعاً: “أصبح الحوثي يمثل عامل تهديد للاقتصاد العالمي وخطوط إمداد العالم بالطاقة، ولا يستبعد أن يكون أيضاً من أدوات اللاعبين الدوليين والإقليميين باعتباره أداة ابتزاز”.

بعد أيام معدودة من استهداف تلك المنشئات النفطية السعودية تعرضت صنعاء لقصف عنيف استهدفت احدى غاراته عدد من المنازل السكنية في حي الرقاص تسبب في مقتل وإصابة العشرات من المدنيين.

في كل مرة تتعرض المصالح النفطية السعودية للاعتداء سرعان ما تعلن السعودية عن ذلك، بخلاف سياستها في الاعتراف بأي أحداث أخرى، فعندما تعرضت ناقلة النفط السعودية للاستهداف في البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثي في تموز/ يوليو 2018، سارعت للإعلان عن ذلك لتؤكد للعالم أنها تخوض حرباً مع إيران في اليمن، وأنها لن تكون المتضرر الوحيد من سيطرة جماعة دينية تابعة لإيران إلى أحد أهم ممرات النفط في العالم وهو البحر الأحمر.

لكن اللافت في الأمر أنه وكلما تزايدت حدة الانتقادات الدولية لحرب السعودية والإمارات في اليمن، والضغط عليها للتدخل المباشر، تبدو جماعة الحوثي كمن يلقي طوق نجاة لعدوه، باستهدافها منابع النفط والإعلان عن قدرتها على الوصول بطريقة أو بأخرى إلى عمق السعودية!

الجماعة التي تحرص على التسويق لمقاتليها، بأنها أصبحت أقوى وهي تستهدف مناطق حساسة في المملكة، لا تتوانى في مغازلة السعودية، يمكن أن تصبح شريكاً جيداً للمملكة يوماً ما، وذلك وفق تلميحات عدد من مسؤوليها. وهي الفكرة التي يسعى إلى تسويقها عدد من المقربين من الجماعة في بحثهم عن طرائق لحل الصراع في اليمن، لكن الجمع بين متطلبات الوكالة لإيران، وآمال القرب من السعودية في آن، يبدو مستحيلاً، وحتى يتحقق ذلك ربما نشهد نهاية الصراع في اليمن!

الأكثر قراءة