المشاهد نت

كان يريد ولداً ففقد زوجته .. مأساة الامهات اليمنيات

المشاهد-نهلة القدسي-خاص:
بعد أن كابدت ندى عناء النزوح قبل شهر، من الحديدة إلى العاصمة صنعاء، قرر زوجها العودة مجدداً إلى منزلهم، حيث إن إقامتهم في بيت أقاربه بصنعاء لم تُشعره بالارتياح.
كانت ندى (25 عاماً) أماً لثلاث بنات، وحاملاً في شهورها الأخيرة، لكن زوجها لم يراعِ ذلك، ولم يستمع لتوسلات زوجته بالبقاء في صنعاء إلى حين ولادتها.
إنجاب صبي حلم طالما راود مخيلة ندى، ولعل هذا ما أجبرها على كتمان ألمها طوال الرحلة التي امتدت لـ5 ساعات مرت عليها كأنها سنوات.
وما إن بدت مشارف مدينة الحديدة في الأفق، حتى خارت قوى ندى، وتعالت صرخاتها، ليتم إسعافها إلى مستوصف السلخانة بالحديدة، حيث قرر لها الأطباء عميلة قيصرية مستعجلة.
وشاء الله أن يكون المولود ذكراً، لكن ندى لم تعرف ذلك، ولم تنهض لتضم صغيرها، فقد دخلت في غيبوبة بعد العملية القيصرية استمرت لعدة أيام، وعندما أفاقت كانت تهذي بكلام غير مفهوم.
ساءت حالتها كثيراً حتى وافتها المنية بعد أيام قلائل على ولادتها، ليظل طفلها وحيداً.
يقول زوج ندى لـ”المشاهد”: أشعر بالندم لأني لم أوفر لزوجتي العناية اللازمة أثناء الحمل، وكنت مصراً على تكرار حملها رغبة في إنجاب صبي”.
كانت ندى ضحية لتقاليد عقيمة ترى في إنجاب الذكور أفضلية مطلقة، ما جعلها لا تفكر بتنظيم الحمل، بل جعل منها ماكينة بشرية للإنجاب المتكرر بحثاً عن ذكر يرضي غرور الزوج، دون الأخذ في الاعتبار أن عدم المباعدة بين الولادات يضر بصحة الأم والطفل.

معدلات مرتفعة

في كل يوم في جميع أنحاء العالم تموت أكثر من 800 امرأة بسبب المضاعفات المتعلقة بالحمل والولادة، ومع ذلك فإن معظم هذه المآسي يمكن منعها بالكامل عندما تتمكن النساء والفتيات من الحمل الآمن والولادة المأمونة وفترة آمنة بعد الولادة لكل من الأم والطفل.
وفي اليمن الذي يشهد حالياً أسوأ أزمة إنسانية في العالم، فهناك 75% من السكان بحاجة ماسة لشكل من أشكال المساعدات الإنسانية والحماية، منهم 3.25 مليون امرأة في سن الإنجاب (15-49 سنة)، و1.1 مليون امرأة حامل تعاني من سوء التغذية، وما يقرب من 3 ملايين امرأة وفتاة يعانين من خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ويبلغ معدل وفيات الأمهات في اليمن 148 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، ويعتبر من أعلى المعدلات في العالم، حسب آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية في العام 2013. والمؤكد أن هذا الرقم قد تضاعف حالياً في ظل الحرب المستعرة في اليمن منذ سنوات.

جهود عالمية
مسؤولة الإعلام والاتصال في صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن فهمية الفتيح، قالت لـ”المشاهد”: يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على تقديم خدمات الصحة الإنجابية والحماية والوقاية من العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي”.
“حالياً هناك ما يُقدر بـ3 ملايين امرأة وفتاة في سن الإنجاب في اليمن، وقد أدى ارتفاع معدلات نقص التغذية إلى إصابة نحو 1.1 مليون امرأة حامل بسوء التغذية الذي من المحتمل أن يعرض حياة 75,000 امرأة لمضاعفات أثناء الولادة”.
وأضافت الفتيح: “بعد 3 سنوات من الصراع المتصاعد، والذي أدى إلى انهيار الاقتصاد وشل الخدمات الاجتماعية وتعطيل سبل العيش، ما حول اليمن إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم، تتحمل النساء والفتيات بشكل أكبر وطأة الحرب وتبعاتها، وفي بلدٍ يعاني من أعلى معدلات وفيات الأمهات في المنطقة العربية، من الممكن أن يؤدي نقص الغذاء وسوء التغذية وتراجع الرعاية الصحية إلى زيادة عدد المواليد الخدج، وارتفاع حالات النزيف الحاد بعد الولادة، ما يجعل عملية الولادة أكثر صعوبة، ويضع حياة الأمهات ومواليدهن في خطر”.
وعن دور صندوق الأمم المتحدة للسكان (unfpa) في الحد من وفيات الأمهات في اليمن، أوضحت الفتيح لـ”المشاهد” قائلة: “يواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان استجابته للأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يسعى إلى تلبية الاحتياجات الصحية العاجلة للنساء والفتيات، والتي تشمل الخدمات المنقذة لحياة النساء الحوامل ومواليدهن، والتركيز على توفير خدمات الصحة الإنجابية لجميع النساء في اليمن، من خلال رفد المستشفيات والمراكز الصحية بالمعدات والأجهزة الخاصة بالطوارئ التوليدية كالحاضنات وغيرها. كما يعمل الصندوق على تأهيل الكادر الصحي في هذا المجال، وفتح عيادات منزلية للقابلات المؤهلات في مجتمعاتهن وقراهن، من خلالها تقدم خدمات سريعة وعاجلة للنساء اللاتي لا يستطعن الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، خاصة في القرى ومناطق الصراع، إضافة إلى دعم العيادات والفرق الطبية المتنقلة التي تجوب أنحاء البلاد لتقديم خدمات الصحة الإنجابية للأمهات والمواليد”.

إقرأ أيضاً  البطاطا المسلوقة.. وجبة تُشبِع جوع الفقراء 

أسباب الوفاة
وعن أسباب الوفاة أثناء وبعد الولادة، تشرح لـ”المشاهد” الدكتورة حبيبة غرسان، أخصائية نساء وولادة بالمستشفى الجمهوري بصنعاء، قائلة: “هناك أسباب عديدة تقف وراء ارتفاع معدل الوفيات بين الأمهات، من ضمنها النزيف الحاد الذي يظهر أثناء أو بعد الولادة، وارتفاع السكر وضغط الدم، وتعسر الولادة، بالإضافة إلى الزواج المبكر قبل سن الإنجاب، أو الإنجاب ، وتكرار الحمل والولادة بدون فاصل زمني أقله من 3 أعوام، وتحدث بقية الوفيات بسبب التعرّض أثناء فترة الحمل لأمراض مثل الملاريا وفقر الدم أو الإيذر والعدوى بفيروسه”.
“وهناك عوامل أخرى يعود بعضها إلى تدني مستوى خدمات الرعاية الصحية في بعض المستشفيات أو شحة الإمكانيات المادية المرصودة لرعاية الأم الحامل، أو التأخير في إسعاف الأم الحامل، وعدم متابعة الحمل بصورة منتظمة”.
وتضيف غرسان: “على المجتمع أن يقوم بالحد من وفيات الأمهات من خلال التوعية بأن الأم الحامل معرضة لمخاطر الحمل والولادة، وما بعدهما، كذلك أهمية توافر خدمات رعاية الحامل للتعرف على حالات الحمل الخطر، وإحالته إلى المختصين. ولا ننسى أهمية الإشراف على الولادة من قبل طبيبات أو قابلات مدربات ومؤهلات، مع توافر خدمات الطوارئ التوليدية للتعامل مع الحالات الحرجة”.
“كما أن استخدام وسائل تنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات تساعد على خفض معدل وفيات الأمهات، وتقي من الحمل غير المخطط، ومن ثم تجنب مخاطر الإجهاض أو مضاعفات الحمل الخطر”.

مقالات مشابهة