المشاهد نت

أين اختفت الأحزاب اليمنية؟

نبيل البكيري

نبيل البكيري

كاتب صحافي يمني

تمرض الشعوب كما يمرض الأفراد، وتتناوشها الأمراض الاجتماعية، في لحظة ضعفها وانكسارها، وأخطر أمراض الشعوب هي الحروب الأهلية الداخلية، التي تعبر عن قمة المرض وذروته كحالة مخاض لاحتقان طال أمده، والحروب في حياة الشعوب، حالات شاذة وغير طبيعية، لأن السلام هو الحالة الطبيعية، التي يجب أن تسود في حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد على حد سواء.
وفي مثل هذه المحطات الصراعية، المحتدمة، يبقى ثمة من يجب أن يقوم بدور الحكيم، كدور نضالي توعوي إنقاذي، يفترض أن يكون ويحضر في هكذا منعطفات ومحطات وطنية خطيرة، تحتاج لقراءة واعية بأمرض مجتمعاتها، ويسعى أصحابها لعدم استمرار وطول أمد هذه الحروب المدمرة للنسيج المجتمعي، وضرب الهوية الوطنية الجامعة لأبناء الوطن الواحد.
وهذا الدور في الغالب هو مناط المفكرين والمثقفين والنخب الوطنية، وقبل هذا كله هو دور ووظيفة الأحزاب السياسية أساسًا، في مجتمعات يفترض بها أنها مجتمعات تعددية، ولديها من الأحزاب السياسية الكثير، وهي من تقوم بهذه المهمة قبل غيرها، باعتبار الأحزاب مدارس وطنية في الأساس تسعى للحفاظ على الوطن من الأخطار والتحديات، وتبصر مواطينها وشعوبها بمصالحهم الوطنية، المهددة في مختلف المحطات وفي كل الظروف والمراحل.
لكن المراقب للأحزاب السياسية اليمنية في هذه المرحلة، يكتشف حجم السقوط، الذي وصلت له نخب هذه الأحزاب، وكيف تحولت الأحزاب من مدارس وطنية في السياسة والنضال إلى دكاكين للسمسرة السياسية والارتزاق بمواقفها، التي للأسف أقل ما يقال عنها أنها مواقف خيانية واضحة، حينما تتحول هذه الأحزاب من الدور النضالي الوطني إلى مجرد أدوات لقوى خارجية تمرر عبر هذه الأحزاب سياساتها دون أن تسمع لهذه الأحزاب أي صوت أو اعتراض أو موقف وطني يبصر الناس بما يجري من مؤامرات، على وطنهم ومصالحهم الوطنية.

المراقب للأحزاب السياسية اليمنية في هذه المرحلة، يكتشف حجم السقوط، الذي وصلت له نخب هذه الأحزاب، وكيف تحولت الأحزاب من مدارس وطنية في السياسة والنضال إلى دكاكين للسمسرة السياسية والارتزاق بمواقفها، التي للأسف أقل ما يقال عنها أنها مواقف خيانية واضحة، حينما تتحول هذه الأحزاب من الدور النضالي الوطني إلى مجرد أدوات لقوى خارجية تمرر عبر هذه الأحزاب سياساتها


الكارثة اليوم، أن أدوار هذه الأحزاب، لم تكتفِ بمجرد الصمت إزاء ما يتعرض له الوطن، وإنما أصبحت شريكة في هذه المؤامرة، التي تستهدف البلاد ونظامها الجمهوري ووحدته وسيادة قراره الوطني، وإلا ما هو التفسير المنطقي لحالة الصمت الذي تمارسه هذه الأحزاب، وفي هذه المرحلة بالذات، حينما يتم التآمر بكل وضوح على البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها ونظامها الجمهوري، واستلاب قرارها السيادي، لا شيء يفسر لنا حالة الصمت هذه سوى فقدان هذه الأحزاب لوظيفتها الوطنية وتنكرها لماضيها النضالي، وتحولها لمجرد دكاكين سمسرة سياسية تبتاع وتشتري في مواقفها، وعلى حساب البلاد وثوابتها الوطنية.
كل الأحزاب دون استثناء اليوم شريكة بهذه المهزلة، والأكثر إيلامًا اليوم، أن الأحزاب الوطنية العريقة، أحزاب الحركة الوطنية الأم، التي ناضلت طويلًا في سبيل استقلال البلاد ووحدتها ونظامها الجمهوري، تناسلت اليوم كيانات مليشياوية، تقف بالضد تمامًا من تاريخ هذه الأحزاب الوطني ونضال مؤسسيها الأوائل، كما هو حال الحزب الاشتراكي اليمني اليوم، هذا الحزب العريق نضالًا منذ لحظة ولادة خلاياه النضالية الأولى في عدن، التي قارعت الاستعمار البريطاني، وتمكنت من الإسهام في تحرير الوطن وطرد المستعمر، وأسهمت تاليًا بالنضال السياسي، من خلال دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، من أجل وحدة البلاد التي تُوجت بوحدة 22 مايو 1990، بفعل نضال وتضحيات هذا الحزب.

مايقوم به الحزب الاشتراكي اليوم، من دور الصمت التام تجاه الأحداث الراهنة التي يتم بها نسف تاريخ الحزب النضالي والوطني، وتحويلها لمادة للسخرية والتندر، ومساهمة قيادات كبيرة ووازنة في هذه الحزب، في الانخراط في إطار كيانات مليشياوية ممولة خارجيًا، شمالًا وجنوبًا، لضرب وحدة البلاد والعبث بهويتها الوطنية بهذه الطريقة الرخيصة والفاضحة، لم يعد دورًا قابلًا للتأويل والتفسير والبحث عن مبررات


ما يقوم به الحزب الاشتراكي اليوم، من دور الصمت التام تجاه الأحداث الراهنة التي يتم بها نسف تاريخ الحزب النضالي والوطني، وتحويلها لمادة للسخرية والتندر، ومساهمة قيادات كبيرة ووازنة في هذه الحزب، في الانخراط في إطار كيانات مليشياوية ممولة خارجيًا، شمالًا وجنوبًا، لضرب وحدة البلاد والعبث بهويتها الوطنية بهذه الطريقة الرخيصة والفاضحة، لم يعد دورًا قابلًا للتأويل والتفسير والبحث عن مبررات، بقدر ما أضحى دورًا يصل لمرحلة الخيانة الوطنية.
نفس هذا الدور هو ما يقوم به التنظيم الناصري، صاحب الدور النضالي الكبير، هذا الحزب، الذي لم يستطع مغادرة مربع الضغينة والكراهية السياسية لخصومه ولأحداث الماضي، التي عاشها هذا الحزب، ولم يستطع مغادرة تلك المحطة، ويتصرف اليوم وفقًا لتلك الأحداث، وكأن التاريخ تجمد عند تلك اللحظة، ويمارس اليوم السياسة من منظور الانتقام لنفسه ولمناضليه الذين تم إعدامهم حينها، ولو تم كل ذلك اليوم على حساب استمرار إسقاط النظام الجمهوري شمالًا بيد الإمامة والتضحية بالوحدة والتعددية السياسية ككل.
قد يقول البعض إني متحامل على الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري، ولم أتناول دور المؤتمر الخياني ومؤامرته الانقلابية، التي مكنت مليشيات الإمامة الحوثية من إسقاط النظام الجمهوري في 21 سبتمبر 2014، وأنا هنا أقول إن نقدي للاشتراكي والناصري، باعتبارهما مدارس سياسية وطنية، لها تاريخها النضالي، أما المؤتمر الشعبي فلم يكن يومًا مدرسة سياسية وطنية، فهو حزب نشأ في رحم السلطة، وعاش حزب سلطة رغم أدبياته التأسيسية العظيمة، لكنه لم يتحول لمدرسة نضال، وظل حزب سلطة وأداة سياسية للحاكم، ولم يتبلور بعد لمدرسة نضال كبقية الأحزاب.

قد يقول البعض إني متحامل على الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري، ولم أتناول دور المؤتمر الخياني ومؤامرته الانقلابية، التي مكنت مليشيات الإمامة الحوثية من إسقاط النظام الجمهوري في 21 سبتمبر 2014، وأنا هنا أقول إن نقدي للاشتراكي والناصري، باعتبارهما مدارس سياسية وطنية، لها تاريخها النضالي، أما المؤتمر الشعبي فلم يكن يومًا مدرسة سياسية وطنية، فهو حزب نشأ في رحم السلطة


هذا عدا عن أن الحزب لا تاريخ نضاليًا له، وجد في السلطة ومات في السلطة، واليوم أصبح مجرد غطاء لشرعنة الانقلاب في صنعاء، ونفس الدور يقوم به في عدن، وفي الساحل وغيرها، حزب بكوادر يغلب عليها الأمية السياسية والوطنية، بفعل أنها لم تنشأ في إطار مرحلة نضالية، وإنما كوادر صنعتها سلطة، ومارست كل أنواع رذائل الفساد، وأسهم معظمها في حالة الخيانة الوطنية، التي عشاها اليمنيون جميعًا، واكتووا بها، بإسقاط البلاد والتآمر عليها.
أما حزب الإصلاح، فهذا الحزب الذي يعير بمرجعيته الدينية، وغير الوطنية، بحسب خصومه، فهو الحزب الذي قدم الكثير من التضحيات اليوم، ولكنها تضحيات بلا أي أفق سياسي لها، بفعل حالة التكلس والغباء السياسي الذي تمارسه قيادات هذا الحزب، التي رهنت الحزب وقراره الوطني كبقية الأحزاب لحالة الصمت والرضا السعودي بها، ولو على حساب تمزيق الوطن وامتهان سيادته.
فما تمارسه قيادة هذا الحزب، من انبطاح ومجاراة بقية الأحزاب في صمتها، وعدم اعتراضها على ما يتم تمريره من سياسات من قبل التحالف، ضدًا لمصالح البلاد الوطنية وثوابتها العليا من الجمهورية والوحدة والديمقراطية واستقلال القرار السياسي الوطني، كل هذا يضع الجميع في خانة الخيانة الوطنية، مع فارق أن الإصلاح يزج بأفراده في معركة وطنية بلا أية مظلة شرعية تم التفريط بها وتسليمها للمليشيات، التي غدت اليوم هي الشرعية، التي يتم بها تمرير مخطط الانفصال وشرعنته شمالًا وجنوبًا.
إن دور الأحزاب الوطنية في كل مجتمعات الدنيا وعبر التاريخ، هو السعي لحماية البلاد وصون نظامها السياسي ووحدة وسلامة أراضيها، هذه الأبجديات السياسية البسيطة، لمفهوم الأحزاب الوطنية، أما حالة الصمت، الذي يصل لمرحلة التخادم الظاهر مع مخطط تقسيم البلاد وتثبيت نظام الإمامة فيه شمالًا، فهذا ما لا يمكن فهمه ولا يمكن القبول بها من قبل هذه الأحزاب التي تفقد وطنيتها ومبرر وجودها بمجرد تواطئها وصمتها مما يجري ويراد أن تؤول إليه اليمن اليوم.

الأكثر قراءة