المشاهد نت

ممكنات بناء السلام في اليمن

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب وصحافي يمني

قلنا إن الوضع الإنساني المأساوي، وما يتضمنه من تداعيات مستقبلية، يقتضي أن تعمل أطراف الحرب الداخلية والقوى الخارجية المؤثرة في مسارات الأحداث، بسرعة وجدية، على إيجاد مداخل إلى السلام المتاح والممكن في اليمن.
غير أن السلام المنشود في اليمن لا يمكن الوصول إليه بالأماني والرغبات، ولكن باستشعار الحاجة إليه والمصلحة منه لدى الأطراف التي تورط بعضها الآن في تحويل الحرب إلى تجارة واستثمار فاسد بالحاضر والمستقبل.
وعليه، فإن البحث عن السلام المنشود يبدأ من إدراك مخاطر الاستمرار في حرب مفتوحة على التجدد والتعدد بين قوى تناثرت بها الأزمات فوق خارطة مرسومة بالأشباح والخراب.
وبعيداً عن الإنشاء، يمكن القول إن السلام عملية مركبة من تجاوز عوائقه الراهنة، وبناء ممكناته المتاحة في الواقع وفي الإرادة السياسية التي تراه رأي السلام، مخرجاً من أخطار تهدد مستقبل اليمن، وتهدد ما في جواره من دول ومصالح.

أولاً: عوائق بناء السلام في اليمن:


تتعدد العوائق التي تحول دون إستعادة السلام في اليمن، وتتداخل مستوياتها وتتقاطع بين الداخل والخارج، لتضع الحالة اليمنية بين الأزمات المستعصية على الحسم العسكري والحل السياسي.
يمكن القول إن استمرار الحرب قد يصل بأطراف الصراع إلى مرحلة من الإنهاك، تجبرها على الجلوس على طاولة التفاوض بحثاً عن تسوية، ولكن الوصول إلى هذه المرحلة لا يبقي من اليمن شيئاً قابلاً للتفاوض أو متاحاً لبناء السلام، وعليه لا بد من تجاوز معوقات استعادة السلام، والعمل على الخروج من دوامتها التي تجعل من اليمن ساحة كبرى للقتل والتدمير.
سوف نوجز هنا عرض أهم العوامل التي نراها تعيق التحول في اليمن نحو بناء السلام وإنهاء الصراعات الأكثر تدميراً في العالم منذ نهاية الحرب الباردة، وهي:


1- تعددية الصراعات:


بالرغم من أن الحرب ظاهرياً محدودة بين طرفي تحالف الشرعية والانقلابيين الحوثيين، إلا أن الصراعات تتمدد داخل كل طرف، وتتعدد بصورة مفتوحة على التجدد والتوالد المستمر، وبما يصعب من مقاربة الحرب بتسوية شاملة.
في الرابع من ديسمبر 2017م، أنهى الحوثيون حليفهم الأقوى، المؤتمر الشعبي العام، وقتلوا رئيسه الرئيس علي عبدالله صالح، لكن هذا لم ينهِ الصراعات داخل تحالف الحوثيين، الذي شهد مؤخراً صراعات دموية في العاصمة صنعاء ومحافظة إب، وتبقى المصالح محركة للصراعات داخل التحالف الحوثي الذي يبدو أكثر تماسكاً في الوقت الراهن.
أما تحالف الشرعية، فهو موبوء بالصراعات التي لا تتوقف إلا لتبدأ من جديد في مواقع يفترض أنها في تحالف ضد الحوثية والتمدد الإيراني، ولن تكون معارك عدن بين الانتقالي الانفصالي وألوية الحماية الرئاسية، آخر المعارك التي قد تتفجر في تعز بين كتائب “الإصلاح والسلفيين”.


2- العجز العسكري:


تواجه الأطراف المتحاربة تعقيدات العجز العسكري عن الحسم بسياسات يتحمل المواطن وحده تكلفتها وعواقبها الكارثية، ولا يمتلك أي طرف مقومات القدرة، أو حتى وعوداً محتملة بهذه القدرة على الحسم في الوقت الراهن أو على المدى المنظور.


3- التجاذبات الإقليمية:


فرضت التجاذبات الإقليمية مصالحها على الحرب اليمنية، بحيث حولتها إلى ساحة وكلاء للخارج، الأمر الذي جعل الحروب تخدم مصالح الدول التي تتشعب مواجهتها، وتتفتح على كل جديد يخرج من عباءة التجاذب بين الرياض وطهران، ويمتد من الدوحة إلى أنقرة.


4- التلاعب الدولي:


ويتجسد في استخدام الحرب اليمنية وسيلة لابتزاز دول تحالف دعم الشرعية اليمنية، واستنزاف خزائنها بصفقات الأسلحة، وكذلك من خلال الوساطة الأممية التي تتمسك باستراتيجية إجارة الأزمة والانتفاع منها والمتاجرة بها بمفاسد منظمات الإغاثة الإنسانية.

ثانياً: ممكنات بناء السلام في اليمن:


ولأن الحالة اليمنية تعد الأكثر تدميراً بين الصراعات التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة، فإن التوصل إلى تسوية سياسية لهذا الصراع ينبغي أن تكون بداية زمنية لمرحلة بناء السلام، كعملية تستهدف بالأساس إقامة علاقات سلمية بين أطراف الصراع، وبما يمنع أية انتكاسة مستقبلية.
ولا بد أن تدرك كافة الأطراف أنه من الصعب أن تستمر المأساة اليمنية بوتيرتها الراهنة، وأنه يجب عليها أن تبحث عن آليات مناسبة لتفكيك عوائق بناء السلام في اليمن، والبدء في إيجاد مداخل محفزة لوقف الحرب والاقتراب من أطر التسوية السلمية للصراع.
ورغم التعقيدات المتشابكة في الوضع الراهن باليمن، إلا أن ممكنات بناء السلام تتوافر في الواقع، وتحتاج إلى إرادة جادة لمقاربتها بنوع من التوجه نحو إنقاذ شعب يتحول كل يوم، حسب تقرير أممي، إلى أشباح حية، ويمكن إيجاز عرضها في ما يلي:
1- الإطار السياسي الذي يضم تسوية سياسية تتصف بالشمول والتوازن والعدالة، بحيث تصبح مرحلة بناء السلام ممكنة وأكثر فاعلية، وذلك يعني وضع إيقاف الحرب نقطة بدء لشراكة حقيقية في بناء الدولة اليمنية، ضمن عملية واسعة تضمن توقف الثأر والانتقام، ودمج التشكيلات العسكرية في مؤسسة وطنية جامعة.
2- الدعم الخارجي، وذلك بتحويل التدخلات الخارجية من سياق استخدامها لليمن من ساحة للتجاذبات، إلى قضية تعمل فيها جميع القوى الخارجية المتورطة في الصراع المأساوي الراهن، على وقف العنف، والتعاون في بناء السلام المنشود.
فقد تكون هذه الممكنات افتراضات سياسية مرهونة بإرادة الأطراف المتورطة في الصراع المأساوي اليمني داخلياً وخارجياً، ولكنها أيضاً ممكنات متاحة لهذه القوة، للتحول إلى مرحلة بناء السلام، والعمل عليها وفق المحددات المقبولة سياسياً.
ويمكن إضافة عوامل محفزة وداعمة لهذه الممكنات تتمثل بـ:
1- الدعم المجتمعي: عبر تدخل ممثلين للبنى المجتمعية، بغية بناء مصالح وطنية تشكل أساساً قاعدياً لبناء السلام في اليمن.
2- الدعم الدولي: عبر تحول الوساطة الأممية من استراتيجية إدارة الأزمة إلى استراتيجية بناء السلام ووقف العنف، والعمل على توفير المتطلبات اللازمة للدخول في عملية بناء السلام.
3- الدعم المؤسسي: من خلال العمل على تفعيل مؤسسات الدولة في المناطق المحررة من سلطة الانقلابيين الحوثيين، وتقوية دور الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني.

الأكثر قراءة