المشاهد نت

مدى التدخلات الخارجية بعد أحداث عدن

وهيب النصاري

وهيب النصاري

صحافي يمني

تتوالى أحداث الأزمة اليمنية باتجاهات تزيدها تعقيداً ومأساوية، وتفتح للصراعات أبواباً مشرعة على “المجهول”. ولعل أحداث عدن الأخيرة مثال واضح على استمرارية إنتاج الأزمة وتجددها، وليس مقاربتها بحلول.
فقد أدت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، في الـ9 من أغسطس الجاري، إلى نتائج مؤثرة بقوة على الأزمة اليمنية ككل، وعلى مستقبل تحالف دعم الشرعية في اليمن، مما يثير تساؤلاتٍ، أهمها: ما هي طبيعة العلاقة بين الإمارات والسعودية؟ وما تأثير ذلك على مصير الصراع في اليمن؟ وما هو أيضاً مصير القضية الجنوبية والجنوب تحديداً، بعد هذه الأحداث الأخيرة؟
وغيرها من التساؤلات التي قد تتيح المجال لتدخلات قوى أخرى، مثل قطر التي من المحتمل أن تدعم الكيانات المعارضة للمجلس الانتقالي، ما قد يفتح أزمة جديدة، باعتبار أن الدوحة تدعم حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن، الذي سيتحرك بمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما يضعف تحالف دعم الشرعية.
ومما ساعد على سقوط عدن، أن الحكومة تركتها دون أن تتخذها عاصمة مؤقتة، وظلت تمارس مهامها من الرياض، مما أدى إلى تزايد نمو القوى المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، ورفضها العمل مع حكومة الرئيس هادي، كونها تعتبرها حكومة “الإخوان المسلمين” الذين يسيطرون على قرارات الحكومة والرئاسة.
غياب حكومة الرئيس هادي، جعل قوى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمتلك 400 مدرعة من دولة الإمارات، قادراً على السيطرة على المعاشيق والمعسكرات الموالية للشرعية، ومحاصرة رجالات الرئيس هادي الذين لم يعلنوا انضمامهم إلى “الانتقالي”، وهو ما يكشف عن سيناريو خُطط له بعد ما يقارب 5 سنوات من التدخل العسكري، دون تحقيق تقدم للشرعية حليف التحالف، وفي المقابل ظهرت قوى أخرى تعتبرها أبوظبي تهدد مصالحها وحليفتها الرياض، وتعيق تحقيق انتصارات ضد جماعة الحوثي.
ومخاوف أبوظبي والرياض من تلك الجماعة (حزب الإصلاح) التي تعتبر أن علاقتها جيدة بدولة قطر، من خلال استضافة قيادات لها في الدوحة، وانتهاج خطابهم عبر “الجزيرة”، إضافة إلى سيطرتهم على مؤسسات في الحكومة، خاصة في الجيش والأمن، مما جعلهم يستغلون غياب الحكومة في العاصمة المؤقتة، ودعم ومساندة المجلس الانتقالي بالانقلاب على سلطة هادي خلال 3 أيام.
ورغم أن المجلس الانتقالي يعلن أنه يعمل في إطار الحكومة الشرعية والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، وهو ما تصرح به قياداته، لكنهم منعوا كافة الوزراء المحسوبين على الشرعية، من ممارسة مهامهم في العاصمة المؤقتة، ويواصلون السير في خططهم التي منها العمل في إطار الأقلمة (أقاليم اليمن) الاتحادية، وهو مشروع من مخرجات الحوار الوطني الذي يقترح تقسيم اليمن إدارياً الي 6 أقاليم، منها إقليمان في الجنوب، و4 في الشمال، وهو ما يضع تساؤلات عدة، منها: هل هذا سيسهم في حل القضية اليمنية أم سيزيدها تعقيداً؟
لكن، يظل موقف القوى الجنوبية الأخرى الأكثر خطورة في حال أنهم عملوا على معارضة ما انتهجه المجلس الانتقالي في مناطقهم، خاصة في محافظات حضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة، وسيدخل البلد سيناريو توسع الصراع وامتداده في تلك المناطق. وفي حال انضموا لمطالب المجلس الانتقالي، والتفوا حول القضية الجنوبية، فهذا قد يخفف الصراع.
ويتضح أنه لا يوجد خلاف بين السعودية والإمارات، كون المصالح مشتركة بين البلدين إزاء حربهما في اليمن ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
والمتابع لتصريحات الإماراتيين، التي تؤكد حرصهم على العلاقة مع السعودية، يتضح أنهما متفقان على ما حدث وسيحدث في اليمن خلال الأيام القادمة، بدءاً من وقف إطلاق النار، ومروراً بحوار الرياض ونتائجه.
وتؤكد تصريحات ولي عهد أبوظبي، بعد لقاء الملك سلمان، أن “الإمارات والسعودية تقفان معاً، بقوة وإصرار، في خندق واحد، في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة، وحق شعوبها في التنمية والتقدم والرخاء”، وهو دليل على متانة العلاقة بينهما، وأن هناك ترتيباً لتقاسم اليمن بينهما أو تسليمها إلى الرياض.
كما أكد محمد بن زايد أن “المملكة هي الركيزة الأساسية لأمن المنطقة واستقرارها، وصمام أمانها في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها، لما تمثله المملكة من ثقل وتأثير كبيرين على الساحتين الإقليمية والدولية”، وهو دليل على حرص أبوظبي وتمسكها بالتحالف العربي، خاصة وهناك صراع آخر، وهو الصراع مع دولة قطر.
وتعلم الإمارات مدى ثقل المملكة السعودية في المنطقة، وتأثيرها على المجتمع الدولي، لذلك تحرص على بقائها حليفاً استراتيجياً مع الرياض.
ولوحظ خلال استمرار المجلس الانتقالي بإسقاط معسكرات هادي، صمت المملكة جراء مناشدات ودعوات الحكومة لسلطة الرياض التدخل وإيقاف ما يحدث في عدن من قبل الانتقالي، الذي يمثل انقلاباً على الشرعية، وهو دليل على أن سيناريو متفقاً عليه قد يكون فيه المجلس الانتقالي أحد مكونات الحكومة الشرعية في المرحلة القادمة.
غير أن قرارات الحكومة بوقف عمل بعض الوزرات في عدن، تدل على غياب الرؤية السياسية للأزمة وتعقيداتها المتتالية، الأمر الذي يضع التساؤل مفتوحاً عن الأفق السياسي للتعقيدات المتراكمة فوق أزمة أنهكت شعباً، ودمرت مقومات وجود دولة يمنية مستقرة.
وهكذا تتجه الأحداث بالازمة والقوى الخارجية المؤثرة في مساراتها إلى تعقيدات لا تقترب كثيراً من الحسم العسكري أو التسوية السياسية، الأمر الذي يضع الأزمة اليمنية أمام سؤال مفتوح: إلى أين يسير البلد؟

الأكثر قراءة