المشاهد نت

اشتباه الخصم بالحليف في يمن غريق

جمال حسن

جمال حسن

صحافي يمني


على عكس ما جرى في عدن، دعمت السعودية القوات الحكومية في شبوة، لمواجهة مقاتلي المجلس الانتقالي المدعومين إماراتياً. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هو ماهية الشقاق بين الحليفين الاستراتيجيين في حرب اليمن، هل بلغت مرحلة اللاعودة؟
لا يبدو أن هناك تعارضاً جوهرياً بين الحليفين، وهذا يتضح من الموقف السعودي إزاء ضربات الطائرات الإماراتية على مواقع الجيش في منطقة العلم بعدن وزنجبار في أبين. غير أن تدخل السعودية لدعم الحكومة في مواجهة الانفصاليين، حضر في شبوة، ثم توقف على مشارف عدن. بمعنى أن هناك سياجاً يتم تقسيمه لمصلحة قوى مسيطرة على الأرض.
فالتحرك الإماراتي لدعم الانفصاليين في الجنوب، ربما يتعارض مع المصالح السعودية، المسؤولة عن التدخل العسكري في اليمن. وتعارض المصالح ربما نشأ في تصور البلدين نحو اليمن، وسياستهما، فعلى عكس السعودية المجاورة لليمن، الإمارات بعيدة، ولا يترتب على أية مغامرة تبعات كما هي بالنسبة للسعودية. البعض أبدى استياءه من التصرف الإماراتي في اليمن، بيد أن ما جرى في عدن، ثم تفاصيل معركة شبوة، وارتداد القوات الحكومية، لتعاود السيطرة على أبين، وتبلغ مشارف عدن، يجعلنا نضع عديد استفهامات عن الموقف السياسي السعودي. هل تفاجأت السعودية عند التحرك الإماراتي المباغت؟ ثم أين كانت مخابراتها؟ وكيف كان تقديرها؟ أو أنهم اعتمدوا على معلومات إماراتية ضللتهم حتى وقوع الصدمة. مع أن المعلومات تقول إن الرئاسة اليمنية قدمت تقريراً للرياض بوجود مساعي انقلاب على هادي، تقوده الإمارات، بدأ بالتنسيق مع نائب الرئيس ورئيس الوزراء السابق خالد بحاح. وهذا التوافق كان متفقاً عليه لإزاحة هادي، ويحظى بقبول الحوثيين وشريكهم صالح، قبل تفسخ التحالف بينهما.


في السياسة لا يوجد اتفاق كامل أو خصومة كلية، وربما تعارضت مصالح الإمارات مع السعودية في كثير من الأشياء. خصوصاً وأنها تستثمر وجودها للحصول على مكاسب معينة، مثلاً وضع يدها على جزر وموانئ يمنية، وتحديداً سقطرى. وجد الجميع نفسه أمام الأمر الواقع، وباتت عدن تحت سيطرة “الانتقالي”. ثم أفصح قادة المجلس عن تعنت إزاء المفاوضات مع الحكومة اليمنية. ففي الوقت الذي تواجد فيه وفد للمجلس الانتقالي، كان مقاتلوهم يسيطرون على أبين. لكن لماذا تداركت الحكومة كل هذا في شبوة؟ وبدقة أكبر لماذا تدخلت السعودية؟ وهل كان وقتاً مناسباً لتدارك ما فات، وأصبح واقعاً يجب التعامل معه؟
الواضح أن أبوظبي وجدت نفسها تدير ملفات كبيرة في اليمن، وفي لحظة ما، صار بمقدورها أن تتصرف وفق آليتها، دون أن يكون للشريك ضرورة. وربما قامت بخطوة نحو إيران، كما أن الوزير الإماراتي أنور قرقاش، تحدث ليمنيين، على هامش فعالية دولية في أوروبا، أن الحرب ستنتهي في اليمن. ولنتذكر أنه قبل تصاعد الأحداث في عدن، تحدث أحد مستشاري محمد بن زائد، نائب رئيس الإمارات، بأنه “منذ تلك اللحظة اليمن لن يكون يمناً واحداً..”. لعل الإمارات أرادت أن تتجاوز الدور السعودي وتهمشه عبر فرض أمر واقع يديره حلفاؤها. والغريب أن حلفاء الإمارات الانفصاليين لديهم موقف معادٍ للسعودية، باعتبارها الحاجز أمام إعلان دولتهم. مع هذا تدور الأحداث لتضعنا أمام صيغة من أدوار متبادلة بين طرفي التحالف الذي تدخل عسكرياً في اليمن، تحت ذريعة إعادة الرئيس الشرعي وحكومته إلى اليمن.
إذن، وجدت الإمارات نفسها في لحظة، يمكنها إعلان نفسها كلاعب كبير في المنطقة، رغم صغر مساحتها. وهو ما يتماشى مع ما صورته صحيفة غربية عن “إسبرطة العصر الحديث”. لكن الإمارات فرضت نفسها كدولة تتدخل في الشرق الأوسط، ليبيا وسوريا، أيضاً كان لها دور بارز في دعم السيسي في مصر، ضد الإخوان المسلمين. وفي اليمن تتذرع بمواجهة الإخوان المسلمين “الإصلاح”، من خلال دعم الانفصال، وربما التوصل إلى شكل نهائي للحل في اليمن، عبر الاعتراف بوجود الحوثيين في الشمال، مع تسليم الجنوب للمجلس الانتقالي. وما قاله قرقاش مقدمة لإظهار الدور الذي تلعبه الإمارات، بل لتعزيز الصورة بأنها الطرف الذي يدير اللعبة، ويقرر نهاية الحرب. لكن هل يعقل أن السعودية سلمت الملف الأخطر لأمنها القومي، أي المشكلة اليمنية، للإمارات؟ ثم الصورة لها كسياسة تتواطأ ضد حليفها، وتعرض المئات من العسكريين لمجزرة بطائرات حليفها المباشر.
ربما واجهت السعودية الكثير من الضغوط، خصوصاً بعد مقتل خاشقجي، وهو ما جعلها تعتمد على الإمارات. وبحسب معلومات تغير الموقف البريطاني من السعودية رأساً على عقب، منذ 2018، وتحديداً بعد وصول غريفيث كمبعوث أممي. وربما وجدت السعودية نفسها تواجه تحدياً وجودياً في شبوة، فسقوطها بيد الانفصاليين يعني السيطرة على كل الجنوب. هذا إن لم تكن هناك حسابات أخرى، بما أن المواجهات أولاً وأخيراً بين فصائل يمنية، وربما تتعارض الرؤى حول المشكلة اليمنية.
فالإمارات تحاول إقناع العالم أن الانفصال هو الحل، لكن أي انفصال لا يشمل حلاً كاملاً، لن يكون مقبولاً أو ممكناً. لكنها أيضاً تجد أن فصل الجنوب لن يتم سوى بتسوية مع الحوثيين، وتركهم في الشمال. لكن السعودية تجد نفسها تواجه تحديات أمنية عديدة، إذ تظل تحت تهديد الصواريخ الباليستية التي يرسلها الحوثيون إلى أراضيها، والطائرات المسيّرة. ورغم توقف جبهات القتال مع الحوثيين، إلا أن الأخيرين نشطوا مؤخراً في استهداف مواقع سعودية حيوية بالصواريخ والطائرات المسيّرة. بينما تجمدت المعارك في معظم الجبهات اليمنية بين الحوثيين والقوات المدعومة من التحالف.
ويبدو أن الإمارات التي فرضت على نفسها أن تلعب دوراً لا يتفق وحجمها الصغير، لكنها أيضاً نجحت في تسويق نفسها، عبر قوى دولية، بأنها تستطيع إدارة تلك الملفات المعقدة. وهو ما تحاول فعله في اليمن، أي ترتيب عملية السلام، أو الحل، لكن بتلك الرؤية المتعارضة مع المصلحة السعودية، كما ذكرت سالفاً. ولذا مغامرتها اعتمدت على تلك التصورات، وكأن ساعة الحقيقة قد برزت، إلا أن الذهاب إلى شبوة كان معضلة، ويبدو أن السعودية تقرأ اليمن أفضل كثيراً مما عليه الإمارات. فشبوة كانت آخر محافظة سيطرت عليها الحكومة المركزية في الجنوب بعد الاستقلال عن البريطانيين.
واستطاعت أبوظبي تقديم نفسها عبر ملف مكافحة الإرهاب في اليمن. لكن هناك تُثار شراكة أو تنسيق إماراتي بريطاني، وغربي، وربما تدرك السعودية ذلك. وخصوصاً في ما يتعلق بتغير موقف بريطانيا رأساً على عقب إزاء السعودية، منذ 2018، وتحديداً بعد تعيين غريفيث كمبعوث أممي لليمن. ولا يعني أن السعودية لديها موقف يتعارض مع الإمارات حول وحدة اليمن أو تقسيمه، بما تمثله اليمن أمنياً بالنسبة لها، ويبدو أن تضارب المصالح يرتبط بمفهوم الحل، فلدى السعودية كثير من المحاذير.
ومع أنه في السياسة لا يوجد توافق كامل بين حليفين، ولا شقاق كامل بين عدوين، إلا أن الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال” نشرت أن إدارة ترامب تعتزم خوض مباحثات مباشرة مع الحوثيين، لافتة إلى أنها ستحث السعودية على المشاركة في تلك المباحثات. لكن لماذا في هذا الوقت بالتحديد؟ هل فعلاً هناك نهاية وشيكة للحرب في اليمن، أو على الأقل للحرب في تصورها الحالي؟ وهل من المعقول الدفع بحوار دون الممثل الشرعي لليمن، أي الرئيس هادي والحكومة المعترف بها دولياً؟ وهذا ما يجعلنا ندرك أن التسوية ستقوم على قدم وساق، بين أطراف النزاع في الجنوب، أي الحكومة والانفصاليون.
وحين بلغت القوات الحكومية مشارف عدن، واستطاعت إثارة بؤر اشتباكات داخل المدينة، ظهر اقتراح حول تسوية بين الطرفين، لكن يبدو أن الانفصاليين يعززون بمقاتلين من الأرياف تجاه عدن، وهو ما قاله أحد المناصرين للانفصال، بأنهم يريدون إعادة السيطرة على أبين، ثم يمكنهم الدخول في أية تسوية. والخطير أن المعارك تحمل طابعها المناطقي القديم، أي جذور صراعات 86 وما تلاها، وهو ما تفرزه الاشتباكات الحالية.
والملفت هو ما نشر في “وول ستريت جورنال” من أن إدارة ترامب تعتزم خوض مباحثات مباشرة مع الحوثيين، لماذا إذن في هذا الوقت بالتحديد، وبعد الانقلاب في عدن؟ خصوصاً وأنها أشارت إلى أنها ستحث السعودية على المشاركة في هذه المباحثات. وفي نفس الوقت تظهر بوادر انفراجة في الأزمة مع إيران، وتقارب أمريكي إيراني، يفضي إلى توقيع اتفاقية نووية جديدة.
فهل ذلك معناه، عملية تجزئة للمشكلة اليمنية، وتفكيكها إلى مجموعة كيانات تسيطر على الأرض؟ أي توجيه المركبة خارج المسار الذي انطلق منه التحالف، بل تهميش الحكومة على أنها مرجعية لأي مباحثات قادمة مع الحوثيين، نفس الأمر ربما يحدث مع المجلس الانتقالي، وهذا ما يتم فرضه على الأرض بدعم الانفصاليين.
بمعنى أن اليمن مثل الحوت الملقاة في عرض البحر، كما يصور ذلك الأمريكي مارفيل، في عمله البارز “موبي ديك”، والذي تكون ملكيته لمن عثر عليه. وتصادف أن وجدت مجموعة دول عديدة اليمن الغريق يطفو كحوت في عرض البحر، وادعت أنها صاحبة حق فيه. بل إن دولة غنية وصغيرة كالإمارات، تحاول أن تدعي بنصيبها من الموانئ والجزر، ولطالما عبرت عن أحقيتها في سقطرى، عبر مسؤولين ونخب مقربة من الشيخ محمد بن زايد. والغريب أن السعودية تركت لحليفتها مساحة جعلتها تمارس دوراً يتجاوزها على أرض الواقع، فهل أرادت العودة من شبوة بدعم الحكومة اليمنية، لتستعيد زمام المبادرة؟

أبوظبي وجدت نفسها تدير ملفات كبيرة في اليمن، وفي لحظة ما، صار بمقدورها أن تتصرف وفق آليتها، دون أن يكون للشريك ضرورة.



الأكثر قراءة