المشاهد نت

الحوثية في اليمن

عبدالباري طاهر

عبدالباري طاهر

نقيب الصحفيين اليمنيين الاسبق

فرغت للتو من قراءة كتاب «الحركة الحوثية في اليمن- دراسة في الفكر والممارسة السياسية». والكتاب رسالة ماجستير للباحثة أحلام أحمد حسين مبارك القيزل. تتسم الدراسة بقدر غير يسير من البحث والتوثيق، والتتبع لمسار الحركة منذ النشأة، مروراً بالتطورات والمنعطفات التي مرت بها.
كانت الباحثة موفقة في دراسة الحوثية -أنصار الله- كحركة، وليست كقبيلة أو سلالة فحسب، أو حتى كطائفة اثنا عشرية أو زيدية فقط. كما أن دراسة الحركة بمعزل عن البيئة الاجتماعية: القبلية، الأيديولوجية، والسياسية، والتركيبة المجتمعية برمتها، والبعد التاريخي لها، والمحيط الإقليمي، تجعلها منقوصة، ولا تساعد على فهم وإدراك أبعاد الحركة، ونشأتها، وطبيعتها، وتمظهراتها، وصولاً إلى الوضع الحالي.
لا شك أن لانغراس الإمامة الزيدية منذ ما يقرب من 1200 عام، حضوراً، وخوضها معارك دفاع وخروج وتمدد إلى مختلف المناطق تارة، وانكماشها تارات وتارات، أثراً عميقاً، وللتاريخ الإمامي حضوراً، كما أن البيئة القبلية القوية والممتدة لآلاف السنين حضوراً أيضاً، والأهم التمازج -حد التوحد- بين البيئة القبلية، والمذهب الزيدي، وخصوصاً ولاية البطنين الهادوية، ومبدأ الخروج المعبر بعمق عن البيئة القبلية المدججة بالأمية والسلاح، والفقيرة حد الإدقاع؛ فهذا المزج المركب الذي يسميه المفكر العراقي فالح عبدالجبار، الكيماوي المزدوج، هو السمة الأساس، ويبدو أن الآباء الأحرار قد فهموا طبيعة المجتمع القبلي أكثر بكثير من أحزابنا ونخبنا السياسية والفكرية. فعالم الاجتماع ابن خلدون درس عميقاً الأثر البالغ لوجود قبائل عديدة وقوية في صعوبة بناء دولة، وهو ما تعاني منه اليمن حتى اليوم، وبالأخص في الشمال، وشمال الشمال؛ فوجود قبائل حاشد وبكيل، وهما فرعان من همدان، ووجود خولان بن عامر في صعدة، ويام المقسومة بين اليمن والسعودية، كلها عوائق أمام قيام دولة مركزية قوية وحديثة، وهو ما دعا إليه الشهيد إبراهيم الحمدي.
اندغام الاعتقاد الديني بالبيئة القبلية القوية، كانت له نتائج راعبة لأزمنة متطاولة. فقد حرصت الإمامة على شراء ولاء شيوخ القبيلة، وعلى تغذية الشكوك والخلافات، والحفاظ على البنية القبلية بحدودها وقيمها وأعرافها وصراعاتها أيضاً، وعلى ضرب قبيلة بقبيلة في حال التمرد، واعتمدت أيضاً على أسلوب الرهائن، وتشجيع القبيلة على العزلة والابتعاد عن المدن في مراحل إمامة يحيى حميد الدين (المتوكلية اليمنية).
نشرت مجلة «الكلمة»، في أحد أعدادها، رسالة موجهة من الإمام محمد البدر -آخر إمام للمتوكلية اليمنية- إلى عمه الحسن بن يحيى، المقيم في أمريكا، يدعوه إلى قبول منصب نائب الإمام، وتشكيل مجلس شورى لقبائل هذه المناطق، ويضم إليها محافظة حجة ومناطق الشمال؛ معللاً ذلك بأن أبناء القبائل بدأوا “يتزنقلون” (أي يخرجون عن طاعة الإمامة، ويعلنون انتقادها، والتمرد السياسي ضدها)، وأنهم بدأوا يتأثرون بما يجري في مصر وسوريا والعراق، ويقترح منع دخول القبائل لمدينة صنعاء، مشيراً أن حب آل البيت قد بدأ يضعف في نفوس أبناء اليمن، ولم يبقَ منه شيء إلا في الشمال، داعياً للحفاظ عليه.
بعد ثورة الـ26 من سبتمبر، ناست القبائل القوية (حاشد وبكيل) بين الولاء للثورة والجمهورية، والانضمام للإمامة المدعومة من السعودية وبريطانيا، وتركزت الحرب التي استمرت قرابة 7 أعوام، في مناطق القبائل، وسقطت صعدة بيد الملكيين عام 1967، بعد المصالحة الوطنية عام 1970، بواسطة السعودية، حصل ما يشبه التوافق على بقاء هذه المناطق على حالها معزولة، ولعب الشيخ الأحمر دور البطولة في إبقاء هذه المناطق كتهديد لأي توجه لبناء دولة عصرية حديثة، أو تحديث النظام ودمقرطته، وحماية السعودية.
استمر حرمان هذه المناطق من الخدمات والتعليم والتطور، وعزلها عن جسد الوطن، ومنع الدولة من الوصول إليها.
للثورة الإيرانية أثر كبير على تكوين الحركة الحوثية، ويقيناً فإن تواطؤ السعودية وعلي عبدالله صالح، على إنشاء معهد دماج ومعاهد أخرى في ذمار ومأرب، أي زرع السلفية في مناطق الزيدية، أساس لخلق الصراع والفتنة المذهبية.
إعلان الوحدة في الـ22 من مايو 90، والتعددية السياسية والحزبية، خلق حالة نهوض شامل، وأيقظ كل مكونات المجتمع، وله أثره أيضاً. كل هذه العوامل الداخلية والخارجية قد أدت إلى نشأة الحوثية، ابتداءً من “الشباب المؤمن”، ثم الانقسام وبروز “أنصار الله”. الحروب الـ6، وانقلاب 21 سبتمبر 2014، بحاجة إلى قراءة أخرى.

الأكثر قراءة