المشاهد نت

الحديدة.. ممر السلام الممزق

منال قايد

منال قايد

صحافية يمنية

منذ نهاية مارس 2015، شهدت الحديدة الكثير من المآسي التي تشارك في صنعها طرفا النزاع في اليمن. الحديدة المحافظة اليمنية الأشد بؤساً وفقراً، على الرغم من ثروتها السمكية ومينائها المهم.
تسيطر قوات التحالف، إلى اليوم، على مديريتين فقط من أصل 26 مديرية، هما الخوخة وحيس، فقد استولت قوات التحالف على الأولى، في ديسمبر 2017م، وهي المديرية التي شهدت أقسى الاشتباكات في ظل تعتيم إعلامي ممنهج، في حين سيطرت على مديرية حيس، في يناير 2018، ومازالت إلى الآن تعاني من احتدام المعارك فيها. ولعل أبرز الانتهاكات التي حدثت في المديرية الصغيرة، هو قصف مشفاها الوحيد من قبل التحالف الذي يتهم أنصار الله باستخدامه، ولازالت الاشتباكات حتى هذه اللحظة قائمة فوق رؤوس المدنيين الذين نزحوا منها بنسبة تتجاوز 70%.
في محيط مدينة الحديدة يحدث ما هو أسوأ؛ فقبل عام من الآن نقل التحالف معركته من جنوب المطار إلى منفذ المدينة الرئيسي، أو ما يعرف بـ”كيلو 16″، ونتج عن هذا قطع الخط الرابط بين الحديدة وصنعاء، وللدخول إلى المدينة أو الخروج منها لا يوجد أمام المدنيين إلا منفذ واحد، وهو ما يعرف بـ”خط الشام”؛ الخط الشمالي الذي يربط الحديدة بمحافظتي حجة وصعدة، وهو الخط الأسوأ من حيث نقاط الأمن التابعة للحوثيين.
أما آخر تصعيد شهدته المدينة، فكان تمشيط طائرات الأباتشي لمحيطها، وسماعها بشكل واضح من قبل المدنيين في وسط المدينة.
لكن الحدث الذي لا يقل سوءاً عن هجوم التحالف وقطع الخط الرئيسي، هو دخول مدافع الهاون التي يستخدمها الحوثيون، من أحياء في أطراف المدينة، إلى معطيات المعركة، وهو ما رفع معدل الخطر على المدنيين؛ إذ لا ضوابط ولا حدود لما يحدث من تراشق بين الطرفين.

إحصائيات غامضة

المجاعة ووباء الكوليرا والدفتيريا، وقصف التحالف المستمر، ومسلسل الاعتقالات الذي يقوم أنصار الله ببطولته في سجني القلعة والأمن السياسي، وممر الألغام الساحلي والبري العشوائي، والذي أصبح سياجاً حول المدينة… كل هذه الأزمات والانتهاكات انقضت على المدينة الساحلية البائسة.
يرفض مكتب الصحة التابع للمحافظة منح الصحفيين أية إحصائيات خاصة بمرضي الكوليرا والدفتيريا، اللذين تقول كثير من الشهادات إن أغلبها هي حالات اشتباه، وتحوم شكوك كثيرة حول تواطؤ خفي بين مكتب الصحة والمنظمات الإنسانية العاملة في المجال الصحي.

تلاشي التعليم

قصف التحالف، حسب إحصائيات تابعة لمكتب اليونيسف، 26 مدرسة، في مختلف المديريات التابعة لمحافظة الحديدة، وتعطلت العملية التعليمية في أكثر من مديرية، خصوصاً تلك التي لا تملك إلا مدرسة واحدة. و هذا كله لا يبرر للحوثيين استخدامهم لتلك المدارس كثكنات عسكرية، ولا يبرئ ساحة قوات التحالف.

فرص السلام

في الوقت الذي تتحدث فيه الأمم المتحدة عن فرص السلام، يعتقد الكثير من اليمنيين أن فرصة إعلان وقف الحرب، والتي أعلن عنها من السويد، في ديسمبر الماضي، كانت تبدو الفرصة الأخيرة، لكن ربما دخلت منحنى آخر. وينقسم الشارع في اليمن بين متفائل في إيقاف الحرب وتحسن الوضع الإنساني في البلاد، وبين متشائم مشكك في جدية الأطراف ورغبتها في إنهاء المعاناة اليمنية.
ويبدو الوضع مختلفاً لدى سكان الحديدة، وهم الأكثر تشاؤماً؛ إذ يتوقعون في حال الإعلان عن فشل المفاوضات، أن استئناف الحرب والهجوم سيكون من نصيب الحديدة وساكنيها.
اختلف الأمر على ساكني المدينة المسالمة الذين اعتادوا على قصف متفاوت وجرائم بتوقيت متباعد؛ إذ اشتدت الغارات الجوية، وقصفت البوارج والطائرات قرى صغيرة واقعة على الساحل الغربي، واستمر التحليق بشكل يومي لمدة تتجاوز الـ10 ساعات متواصلة يومياً.
تغيرت ملامح المدينة بشكل كبير، بعد أن امتلأت بالمتاريس والحفر في شوارعها الرئيسية، وتم إقفال الطرق المؤدية إلى الخط الساحلي، إضافة إلى إغلاق الطريق الرئيسي الذي يربط الحديدة بمديرياتها الجنوبية والشرقية، وبالعاصمة صنعاء، ما زاد الوضع تعقيداً.
ينتقل سيناريو مدينة تعز إلى الحديدة، ببطء نسبي؛ إذ يصعب التفريق بين ضحايا الطيران ومدافع الهاون، كما أصبحت المسافات القريبة بين مديريات الحديدة أمراً في ذاكرة الماضي البعيد.
وتقول الانتصارات التي يدعيها الطرفان في قنواتهم الإعلامية، بأن معركة الحديدة طويلة، ومن غير الممكن توقع نهاية لها.

الأكثر قراءة