المشاهد نت

طريق صنعاء – سيئون معاناة لا تنتهي

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

استاذ الصحافة المساعد بكلية الاعلام - جامعة صنعاء

قررت السفر مرافقة لأختي المريضة، إلى القاهرة، قبل عيد الأضحى المبارك، وكانت الرحلة عبر مطار سيئون الدولي، ورغم خروجنا من صنعاء بالباص الـ7 صباحاً، إلا أن وصولنا لسيئون تأخر حتى الساعة الـ7 من صباح اليوم التالي.
كانت الرحلة شاقة جداً، فقد مررنا بنقاط التفتيش من طرفي الصراع، سواء في المناطق التي تحت سلطة أنصار الله (الحوثيين)، أو المناطق التي تحت سلطة الشرعية. وكانت نقاط التفتيش تقارب الـ20 نقطة ونقطة، وأغلبها يتم فيها ابتزاز صاحب الباص، وقد نبقى في نقطة التفتيش لساعة كاملة، وسط بكاء الأطفال وتعبهم ومللهم، وتعب النساء الكبيرات في السن، من الكراسي غير المريحة، علاوة على أن المكوث طويلاً فيها يزيد من تورم القدمين وتصلبهما، وآلام الظهر والرقبة… ويتمكن الرجال في الغالب من النزول لشرب السجائر أو المشي، بينما تظل النساء قابعات فوق الكراسي خوفاً من مضايقتهن.

البحث عن محرم

ويطل علينا بعض المسؤولين في النقاط الأمنية، وهم مدججةن بالسلاح، وينظرون ذات اليمين وذات الشمال، كأنهم يبحثون عن متهمين في جريمة ما، رغم أن غالبية، إن لم يكن جميع من بالباص، هم من المرضى أو المرافقين لهم أو المغتربين العائدين لبلاد الغربة. وحين يرون امرأة بدون رجل، يسألون عن المحرم، فإن لم يكن معها محرم، يتم منعها من السفر، وهو ما حدث لامرأة تم اكتشاف أنها مسافرة دون محرم، من موقف الباص بصنعاء، فألغيت رحلتها. وكنت وأختي متخوفتين من ذلك، وقلت ربما سني ومركزي العلمي سيشفعان لي. ومررنا بأكثر من نقطة بسلام، ثم قيل لنا إن نقطة ما فيها تشدد ضد المرأة، فاقترح علينا السائق أن نقول بأننا نتبع الشاب المرافق لأمه في المقعد المقابل لنا. وبالفعل أكد لهم الشاب ذلك، قبل أن نرد على الضابط، ومر الأمر بسلام.

هؤلاء عجائز!

كنا طوال الرحلة في حالة استنفار وتوتر دائمين من أن يتم ضبطنا وإعادتنا لصنعاء، بحجة أننا بدون محرم، وكان هناك الكثير من الشباب الذين يتم استجوابهم والتحقيق معهم، ولعل الذي يخفف من قلقنا أن المسؤولين بالنقاط الأمنية لا يتحدثون إلينا، ولا يطلبون منا مباشرة بطائقنا الشخصية، مما يسهل علينا الادعاء بأننا نتبع فلاناً أو علاناً من الذكور كمحارم… والمضحك في الأمر أنه في إحدى النقاط نظر إلينا المسؤول الأمني بتفحص، مما أصابنا بالتوتر، وقلت في نفسي سأعترف بأنني مرافقة لعلاج أختي، وليس لدي محرم، ولكن فجأة قال بسخرية: وهو يشير بسبابته إلينا: هؤلاء عجائز.. أتصدقون أنني وأختي فرحنا بهذا الوصف، حتى نتخارج، رغم أن أختي مازالت في سن الشباب والنضج.

طرق سفر مستحدثة

لأول مرة نمر بطرق لا تصلح للسفر، حيث مررنا بعد ذمار برداع والبيضاء ثم مأرب، وأسماء قرى ومناطق جبلية وصحراوية نتعرف عليها لأول مرة… وعندما وصلنا مأرب.

كانت الطرق وعرة وشاقة، كأن يد بشر لم تمتد لإصلاحها، فهي ليست الطريق الرسمية للسفر، ولكنها طرق مستحدثة للضرورة، طرق قاحلة جرداء وملتوية تصيب المرء بالدوار، ومع ذلك لم يتقيأ أي راكب، ربما لأن الكل في حالة ترقب وتخوف من النقاط، رغم أن أغلبهم مرضى… ولأول مرة نمر بطرق لا تصلح للسفر، حيث مررنا بعد ذمار برداع والبيضاء ثم مأرب، وأسماء قرى ومناطق جبلية وصحراوية نتعرف عليها لأول مرة… وعندما وصلنا مأرب، قال لنا أحد الركاب نحن الآن في منطقة الشرعية، انظروا الكهرباء فيها مضيئة، والحياة والحركة التجارية تدب فيها، وكنا على أطرافها. لم يعلق أحد من الركاب. وتوقفنا عند مطعم في أطراف مأرب، لتناول العشاء، ثم واصلنا الطريق في سفر مضنٍ ومهلك، وكنا بحاجة لاستراحة مسافر، كي نأخذ قسطاً من الراحة، ولكن السائق يريد الوصول في وقت محدد، والنقاط الأمنية العديدة استهلكت جزءاً كبيراً من وقتنا.
أما المطاعم فكانت معاناة أخرى، وذلك حسب ذوق وتنسيق السائق مع مطاعم محددة، وغالباً ما تكون غالية الثمن، والأكل فيها ليس له مذاق، حيث كنا نأكل فقط لكي لا يهلكنا الجوع، وبعدها نصاب بحرقة وحموضة بالمعدة وإحساس قاتل بالغثيان والإمساك… وعندما نذهب للحمامات نصاب بحالة من التقزز، ولكننا مع ذلك نستخدم الحمامات القذرة، فلا مجال آخر أمامنا.
ومن حسن حظنا أننا حجزنا، ونحن في صنعاء، سائق تاكسي وفندقاً للإقامة حتى موعد إقلاع الطائرة، ودفعنا الحساب مقدماً عبر وكيل شركة صرافة في صنعاء، ووصلنا الفندق متعبين، كأننا كنا في معركة حامية الوطيس، حتى إن موظف الاستقبال في الفندق الذي حجزنا فيه، أجلسنا مؤقتاً في غرفة أخرى، حتى يتم تنظيف الغرفة التي حجزنا بها.
ولسيئون حكاية أخرى في مقال قادم…

الأكثر قراءة