المشاهد نت

تحديات الالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب وصحافي يمني

بدا واضحاً أن الالتزام بالمواعيد التي حددها اتفاق الرياض لتنفيذه، غير ممكن عملياً بعد تأخر عودة رئيس الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن، عن موعدها، إلى الموعد المحدد لتشكيل المؤسسة الأمنية المعنية بأمن وحماية المنشآت.

قد لا يكون الالتزام الزمني مهماً إذا توافرت الإرادة الصادقة، وتعززت بالمصداقية الإعلامية التي تجعل الرأي العام مطلعاً على سير الالتزام بروح الاتفاق ومضامينه. ومع ذلك، فإن المواعيد المحددة تدل على تقديرات ظنية أثبتت تجربة اليمنيين مع الاتفاقات السابقة، أن تجاوزها بعد البوابة المفتوحة للفشل الدائم، ابتداءً من المبادرة الخليجية، العام 2011م.

وأياً كانت درجة الالتزام الزمني بمواعيد اتفاق الرياض، فإن تشكيل الحكومة المنصوص عليها بالاتفاق يغدو أمراً حاسماً في تحديد مصير الاتفاق برمته، ذلك أن الحكومة ستكون المعنية بتحقيق أهداف الاتفاق، وليس فقط تنفيذ بنوده المنصوص عليها بالاتفاق وملحقاته الثلاثة.

ولا يتوقف الالتزام بتنفيذ الاتفاق بتشكيل الحكومة في موعدها المحدد، وإنما أيضاً بتوافر 3 عناصر، هي:

1-   توافر الكفاءة السياسية والإدارية في رئيس وأعضاء الحكومة، حيث الكفاءة السياسية لازمة لتحقيق التناغم بين شركاء متشاكسين، وجعل الحكومة وحدة متكاملة في البنية والوظائف، بكفاءة إدارية تتجاوز الفساد وترهلاته الموروثة من الماضي.

2-  الإسراع في عملية إعادة بناء الدولة وتفعيل مؤسساتها، وخصوصاً الخدمية والإنمائية، وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، ابتداء من صرف الرواتب وتنظيم آلياتها بغير توقف وانقطاع.

3-   تفعيل وتنشيط الرقابة الرسمية والشعبية على السياسات والأداء الحكومي، من خلال دور فاعل لمجلس النواب وحرية الإعلام المتسلحة بوعي المخاطر المحدقة بالحاضر والمستقبل وإدراك للتحديات بروح المسؤولية الوطنية.

لا شك أن تشكيل الحكومة بمقتضيات أهمية دورها، وفي موعده المحدد باتفاق الرياض، هو التحدي الشكلي الأبرز من حيث صلته بتحديات روح ومضامين الاتفاق، وهي التحديات التي يتوجب على طرفي الاتفاق من جهة، وعلى رعاته من جهة أخرى، مواجهتها بروح المسؤولية المدركة لما يترتب على فشل الاتفاق من مآسٍ وويلات.

تحديات الدولة

وتعتبر التحديات المندرجة تحت عنوان استعادة الدولة اليمنية وإعادة بنائها، أهم وأخطر التحديات التي تواجه التزامات الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بتنفيذ اتفاق الرياض، ذلك أن الدولة وما يترتب عليها من تحديات، هي أس الأزمة اليمنية، وأساس تداعياتها المأساوية على كل الأصعدة.

واختصاراً، يمكن تحديد ركائز تحديات الدولة، وفقاً لمعطيات الواقع وتحركات الوقائع، كالآتي:

أولاً: الملشنة: ولا تتوقف” الملشنة ” عند التشكيلات العسكرية دون الدولة، وإنما هي عقلية تتجسد في كل تصرف خارج الأطر المؤسسية للدولة، أو باستخدام هذه الأطر للأغراض الفئوية النفعية الخاصة. وعليه، فإن حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي معنيان بدرجة أولى بهذه” الملشنة”، وتحديات الخروج منها إلى رحاب الدولة القادرة على تجسيد المواطنة دستورياً ومؤسسياً.

ثانياً: المحاصصة أو التقاسم الفئوي للوظيفة العامة: وهذه المعضلة تضمنتها نصوص اتفاق الرياض، بما تضمنته من تحديد المناصفة بين الشمال والجنوب، ونسب معينة لكل طرف في المواقع القيادية للهيئات الحكومية، لكن التنفيذ إما أن يذهب بها إلى الشراكة المقبولة، أو يبقيها في دائرة التقاسم، فيذهب كل طرف بنصيببه بعيداً عن دولة الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية.

ثالثاً: الارتهان الخارجي: وقد لعبت الحرب وانهيار الدولة دوراً محورياً في تحول الجماعات السياسية والعسكرية إلى وكلاء الخارج، بعيداً عن الوطنية اليمنية الجامعة على الحقوق والمصالح المشتركة، وبعيداً عن الإشارة إلى وكلاء الصراع بين قطر والإمارات، فإن على السعودية أن تركز على أولويات الدولة، وما تقتضيه من أعمال وأطر مؤسسية تحفظ للبلدين المصالح والأمن المشترك.

فإذا ما تجاوزنا هذه الركائز إلى العوائق التي قد تعطل الالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض، فإننا سنجد تحديات هذا الالتزام موجزة ومركزة في الآتي:

تحديات الإرادة والبناء:

وهي التحديات التي يفرضها الهدف الجوهري لاتفاق الرياض، وتتجسد في توافر الإرادة السياسية الصادقة في عزمها على إسقاط التمرد الحوثي واستعادة الدولة اليمنية، ابتداءً من بناء مقومات هذه الدولة في المناطق المحررة، انطلاقاً من العاصمة المؤقتة عدن.

إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام في اليمن، يقتضي أولاً استعادة الدولة، وإنهاء كافة التكوينات التي تنازعها احتكار القوة المسلحة وشرعية استخدامها وفقاً لسيادة القانون، ومن أجل هذا، وفي سبيله، لا بد أن تتوافر سلطة الدولة في المناطق المحررة، وأن تبدأ منها حركة البناء والإعمار

وهذا يعني أن على الحكومة المزمع تتشكيلها وفقاً لاتفاق الرياض، العمل على صياغة استراتيجية متكاملة سياسياً وعسكرياً، انطلاقاً من كون هذه الحكومة تمثل الدولة اليمنية، وتعبر عنها من خلال المهام المنوطة بها دستورياً وقانونياً، وفي كل المجالات داخلياً وخارجياً.

وباختصار، فإن إنهاء حالة الحرب وإحلال السلام في اليمن، يقتضي أولاً استعادة الدولة، وإنهاء كافة التكوينات التي تنازعها احتكار القوة المسلحة وشرعية استخدامها وفقاً لسيادة القانون، ومن أجل هذا، وفي سبيله، لا بد أن تتوافر سلطة الدولة في المناطق المحررة، وأن تبدأ منها حركة البناء والإعمار، بالكيفية التي تجعل من الحل السياسي متجسداً بسلطة الحكومة على الجغرافيا وبين الناس.

  تحديات الأمن والاستقرار:

وهي التحديات التي يفرضها تنفيذ اتفاق الرياض في ما يخص وحدة القوة المسلحة والأجهزة الأمنية تحت قيادة كل من وزارتي الدفاع والداخلية، بحيث تنتهي كافة التشكيلات المسلحة، وينتقل الصراع السياسي من ويلات العنف إلى رحاب الديمقراطية والسلام.

وتكمن أهمية الأمن والاستقرار في ضرورته الحيوية لوقف الانهيار الاقتصادي، والبدء في إعمار اليمن انطلاقاً من العاصمة المؤقتة وبقية المناطق المحررة، ذلك أن توحيد كافة الجهود لمواجهة التمرد الحوثي المدعوم إيرانياً، يقتضي بناء مقومات القوة والقدرة الكاملة على فرض منطق الدولة وإخضاع مليشيات الحوثي للسلام ومتطلباته العملية.

وأياً يكن حجم التحديات التي تواجه أطراف اتفاق الرياض للالتزام بمضمونه وتحقيق أهدافه وجوهره، فإن الإرادة الصادقة في تعبيرها عن الوطنية اليمنية ومصالحها العليا في دولة ديمقراطية، تفتح الباب واسعاً في إمكانية الدخول من اتفاق الرياض إلى رحاب السلام.

الأكثر قراءة