المشاهد نت

في ذكرى الاستقلال

عبدالباري طاهر

عبدالباري طاهر

نقيب الصحفيين اليمنيين الاسبق

في الـ30 من نوفمبر 2019، مرت الذكرى الـ52 لذكرى الاستقلال المجيد (30 نوفمبر 1967)، وبلادنا تعيش أسوأ وأقسى حياة يعيشها الإنسان في القرن الحادي والعشرين. فالحرب الأهلية الإقليمية المدعومة دولياً، حولت اليمن كلها إلى أسوأ كارثة على وجه الأرض؛ فقرابة الـ30 مليوناً رهن الموت والهلاك، والقتلى أكثر من 100 ألف، بينما تصر وكالات الأنباء على تقليل العدد؛ لتبييض صفحة مقترفي جرائم الحرب. أما المشردون داخل الأرض اليمنية، فأكثر من 3 ملايين لا تصل إليهم المعونات أو المساعدات الدولية؛ بسبب الحصار الجائر على البلاد، وتسيُّد مليشيات الحرب وفسادها.

محنة اليمن كبيرة، وتجار الحروب، وسماسرة الموت يوغلون في تدمير الكيان اليمني، وتمزيق نسيجه المجتمعي، وتهديم تراثه وتاريخه؛ لقد حولت الحرب المأجورة اليمن إلى “سلخانة”، وحولت أعيادنا الوطنية إلى مآتم، وحياتنا إلى جحيم


تنتشر الأوبئة الفتاكة في هذا البلد المنكوب؛ فالكوليرا والملاريا وحمى الضنك والدفتيريا تجتاح وتستوطن 4 محافظات: حجة، والحديدة، وتعز، وبعض مناطق عدن، وتتنافس المجاعة والحرب على تقتيل الأطفال والعجزة والفقراء؛ فنسبة المجاعة -حسب تقارير دولية- تتجاوز 80%.
محنة اليمن كبيرة، وتجار الحروب، وسماسرة الموت يوغلون في تدمير الكيان اليمني، وتمزيق نسيجه المجتمعي، وتهديم تراثه وتاريخه؛ لقد حولت الحرب المأجورة اليمن إلى “سلخانة”، وحولت أعيادنا الوطنية إلى مآتم، وحياتنا إلى جحيم؛ فالمرتبات مقطوعة، والقتل هو الحاكم بأمره، والمليشيات المحتكرة للعنف هي السيد المطلق، وحكام الأمر الواقع شمالاً وجنوباً، وشرقا وغرباً، يتبارون ويتسابقون على الإمعان في اقتراف الجرائم، ويتنافسون على أيهما يكون الأكثر فساداً وسوءاً.
النخب السياسية توزعت ومنحت ولاءها وتأييدها لقادة الحرب، والدول الضالعة في الحرب حولت الأرض اليمنية كلها إلى ساحات حرب وميادين قتال، وتحول اليمنيون إلى أدوات للصراع الإقليمي: الإيراني- السعودي- الإماراتي، والدولي أيضاً؛ فالحرب في اليمن حرب بالوكالة، حتى بين السعودية والإمارات.
شُنت الحرب لعودة الشرعية، وتنفيذ مقررات مجلس الأمن ومخرجات الحوار أكذوبة؛ فحرب الخمسة أعوام فضحت زيف كل أطرافها في الداخل والخارج، ولم يعد مجدياً البكاء على أطلال الاستقلال الذي ضاع أكثر من مرة، أو الاكتفاء بلعن المؤامرة، وشتم المتآمرين، أو استمرار تبرئة الذات، وقذف المسؤولية على أعداء الثورة؛ فما فعله الثوار بأنفسهم وبالشعب أقسى وأفظع مما عمله أعداء الثورة والتحرر.

النخب السياسية توزعت ومنحت ولاءها وتأييدها لقادة الحرب، والدول الضالعة في الحرب حولت الأرض اليمنية كلها إلى ساحات حرب وميادين قتال، وتحول اليمنيون إلى أدوات للصراع الإقليمي: الإيراني- السعودي- الإماراتي، والدولي أيضاً


المتظاهرون السلميون في لبنان يختزلون الأمر في شعار “كلن يعني كلن”، ويبدو أن الشعار ينطبق على الحكام والنخب السياسية في الأرض العربية من الماء إلى الماء.
في تونس انتصرت إرادة الحياة، وقال التوانسة كلمتهم، وفي السودان تظهر الخطوات واعدة وواثقة باتجاه المستقبل بعد إسقاط حكم وحزب البشير والجبهة المتعددة الوجوه والأسماء، وفي الجزائر تتكشف الأقنعة الزائفة للشرعية الثورية وحكم العسكر، وتغيب في مصر سلمية 25 يناير 2011، أما العراق فاحتاج إلى أكثر من 400 شهيد وآلاف الجرحى للحصول على وعد باستقالة رئيس الوزراء المعين من زعماء تكتلات طائفية تدعي دعم الانتفاضة، ويدور في سوريا ما يشبه الحرب الكونية المصغرة، والهدف منها تفكيك سوريا وتمزيقها، ويتشارك الحكم وتركيا وإيران وإسرائيل وروسيا وأمريكا وأوروبا في تسعير هذه الحرب الممولة من دول الخليج، أما الفلسطينيون، فهم من بدأ ثورة أطفال الحجارة عام 1987، وهي الثورة التي تنبأ بها ناجي العلي، وأنجزت خلال بضعة أشهر ما عجزت عن تحقيقه الجيوش العربية في 3 حروب، وسنوات من الكفاح المسلح. لقد جرى الالتفاف على هذه الانتفاضة باتفاقات مدريد وأوسلو، وعسكرة الانتفاضة الثانية.
مسيرة العودة في غزة منذ أكثر من عام، تتواصل، وتكشف الطبيعة النازية لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الوجه القامع، لكن كعب أخيل في المسيرة الكبرى هو الانقسامات في الصف الفلسطيني، وأدلجة وأسلمة الحياة في غزة، ومهادنة السلطة، وميوعة موقفها.
يصر العسكر في الجزائر على إجراء انتخابات هي استمرار للعهدة الخامسة التي يرفضها الشارع الجزائري الحريص على الخلاص من سلطة الجيش وجبهة التحرير (ممثلي الشرعية الثورية) الرافضة التحول إلى الشرعية الديمقراطية: المطلب الأساس للاحتجاجات التي رفضت إعادة انتخاب البوتفليقة؛ وهي الاحتجاجات التي ترفض اليوم انتخاب بعض رموز حكمه في ظل استمرار سيطرة نظام بوتفليقة.
الوجه الدموي يبرز بصورة مرعبة في العراق؛ فالأحزاب الطائفية الموالية لإيران، وبتدخل مباشر من إيران، تقوم مليشياتها بقمع المحتجين السلميين.
الصراع في الوطن العربي كله يدور حول الخلاص من حكم الفساد والاستبداد، والتأسيس لشرعية ديمقراطية حقيقية لا يحكمها العسكر، ولا الأسر الوارثة المستندة إلى الغلبة والقوة.

الأكثر قراءة