المشاهد نت

حرب الكلاب في صنعاء

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام - جامعة صنعاء

تُعد مشكلة تكاثر وانتشار الكلاب الضالة والمسعورة في صنعاء من أسوأ وأخطر المشكلات التي تؤرق المواطنين، وتقلق راحتهم، بل تهدد حياتهم. ورغم التصريحات المتتالية من الجهات المعنية في صندوق النظافة وما شابه ذلك، بأنها قد أبادت الآلاف من الكلاب الضالة والمسعورة، إلا أن الواقع الفعلي يؤكد أن هذه الكلاب قد تحولت لظاهرة اجتماعية مستعصية على الحل الجذري لها، بخاصة في ظل التصريحات الرسمية التي تؤكد عدم توفر الأدوية والوسائل التي يمكن من خلالها إبادة تلك الكلاب.
ولعل ما دفعني للكتابة عن هذه الظاهرة المقلقة للمواطنين، هو زيادة الضحايا من المواطنين، الذين يتعرضون للعض والإصابة ويتم إسعافهم، وتنقذ حياتهم في آخر لحظة، ولكنها تخلف لديهم -وخصوصاً الأطفال- مشاكل نفسية وعقدة خوف من الخروج للشارع العام.
وكنت قد كلفت، السنة الماضية، إحدى طالباتي في سنة رابعة صحافة، إعداد تقرير صحفي مفصل عن مشكلة الكلاب، فرصدت حالات عديدة لمواطنين تعرضوا لهجوم سافر من قبل الكلاب المسعورة تجاههم، ولم يجدوا دواء سعار الكلب في المستشفيات إلا بصعوبة، وبمبالغ كبيرة لا يقدرون على دفعها.
ومن أكثر الحالات التي تأثرت بها وأصابتني بالهلع، شاب عضه كلب مسعور، ولم يكن يمتلك مالاً لكي يسعف نفسه للمستشفى، أو يأخذ الحقن الخاصة بالسعار، فتطورت حالته الصحية، وبدأ يعوي كالكلب، ويجري باتجاه المارة كي يعض من يقابله، وتم تقييده بعد جهد كبير، وإسعافه للمستشفى، لكن حالته كانت مستعصية على العلاج، وتوفي إثر ذلك.
وهناك طفل عضه الكلب في أذنه، وتم إسعافه، وجمعت تبرعات للحصول على قيمة الدواء المعدوم أصلاً، والذي لا يوجد إلا بشق الأنفس… وآخر حالة أثارت في نفسي الاستياء والقلق الشديد، تعرض ابن أحد الزملاء الإعلاميين للقتل غير العمد بسبب الكلاب، فقد عاد الفتى الذي لم يتجاوز الـ16 من عمره، إلى بيته، وهو آمن، وفجأة اخترقت رصاصة صدره بالخطأ، وذلك لأن جارهم انزعج من الكلاب في حارته، فأخذ مسدسه الشخصي، وأطلق النار تجاه الكلب، لكن الكلب تمكن من الفرار لتستقر الرصاصة القاتلة في صدر ذلك الفتى الصغير، وترديه قتيلاً.
خيم الحزن ليس فقط على عائلة الفتى المقتول عوضاً عن الكلب، وحسب، وإنما على كافة من عرف الفتى، ومن لم يعرفه، فكل العائلات أضحت قلقة على أبنائها وبناتها من تلك الكلاب المميتة… ولا يدري أياً منا سيكون فريسة قادمة لكلب مسعور.
فبالرغم من المحاولات الرسمية والشعبية لمواجهة الكلاب الضالة والمسعورة بين الفينة والأخرى، سواء من خلال قتلها أو مطاردتها من حي لآخر، إلا أن المشكلة تزداد سوءاً، فلا يكاد حي من أحياء صنعاء يخلو من كلاب ضالة أو مسعورة.
وفي اعتقادي، لا يمكن حل مشكلة انتشار الكلاب الضالة والمسعورة من خلال حملات الإبادة بين الحين والآخر، بخاصة أن وجود الكلاب ليس مشكلة بحد ذاتها، لأنها تحقق التوازن البيئي، ولكن الكلاب الضالة والمسعورة لم تأتِ من فراغ، وإنما لانتشارها، وبهذا الشكل المقلق، أسباب عديدة، أهمها الحروب والصراعات وآثارها الكارثية على البلد، وإهمال النظافة العامة، حيث إنه لا تتوفر في الأحياء براميل كافية للقمامة، وبعض الأحياء لا توجد فيها أصلاً، ويتم رمي القمامة في أكياس بلاستيكية، ويخلط فيها بقايا الأطعمة مع بعض الخردوات من قوارير وعلب فارغة سواء بلاستيكية أو زجاجية وغيرها… فيأتي المهمشون ينبشون فيها يميناً ويساراً، ويأخذون حاجتهم، ويتركونها للرياح تتقاذفها في كل الزوايا والأركان، ويكمل الكلاب بقية المهمة في الأكل من تلك البقايا، وأحياناً تكون هناك مأكولات متعفنة وجيف يلتف حولها الكلاب في حلقات، ويتم قذفهم بالحجارة من قبل المهمشين، ويعلو صوت الكلاب ليرعب أطفال الحارات، ويحد من خروجهم للعب معاً.
ولكي نقضي على الكلاب الضالة والمسعورة لا بد من حملات رسمية وأهلية، ودعم من منظمات المجتمع المدني بشكل مكثف ومستمر، على أن يتم قبلها توفير وسائل الإبادة لتلك الكلاب المسعورة، وبأسعار مناسبة. وتتم التوعية من خلال وسائل الإعلام في كيفية مواجهة تلك الكلاب، من خلال النظافة المستمرة للأحياء، وتوفير براميل ومستلزمات النظافة من خلال الجهات المعنية.
والأهم من وجهة نظري، أن نتخلص من الثقافة الموروثة والسائدة بأن الكلب نجس، ونتركه تبعاً لذلك يعبث بالقاذورات، ولا نهتم بإيجاد أماكن خاصة لهم، فأي كائن حي يخلقه الله له فائدة ما لخلقه، والكلب بقدر ما يوصم بأنه نجس، فهو أيضاً وفي وحارس أمين… فهل الحل في نظركم أعزائي القراء وعزيزاتي القارئات، هو الإبادة التامة للكلاب، أم نظافة الأحياء، أم هناك حلولاً أخرى ترونها؟

الأكثر قراءة