المشاهد نت

عن سلبيات الدور الأممي في الأزمة اليمنية

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب صحافي يمني

في أبريل 2011م، أصبح الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر، مبعوثاً أممياً إلى اليمن، لتسوية الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد حينها، تحت مرجعية ما بات يعرف بالمبادرة الخليجية التي أصبحت محل تفاوض بين أطراف الأزمة حتى التوقيع عليها في الرياض في نوفمبر من العام نفسه.
فشل بن عمر في صناعة انتقال سياسي للسلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو الفشل الذي كلف اليمن انهيار الدولة والدخول في حروب داخلية وخارجية فرضت عليه الاستقالة وتعيين الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، خلفاً له، في 25 أبريل 2015م.

تحولت الأزمة السياسية في اليمن، إلى مأساة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ العالم، وأسهم الدور الأممي، قصداً أو جهلاً، في صناعة هذه المأساة، وفي استمرارها، من خلال آليات صنعت الفشل وسعت إليه بالدور الذي أداه كل مبعوث في فترته الزمنية.


سعى ولد الشيخ لإنهاء الحرب من خلال مفاوضات جمعت أطراف الحرب في جنيف والكويت، لكنها لم تنجح في صناعة السلام، فاستقال ولد الشيخ بعد رفض الحوثيين التعامل معه، في فبراير 2018م، فأخذ البريطاني مارتن غريفيث دوره في الوصاية على اليمن، في 16 فبراير 2018م.
تحولت الأزمة السياسية في اليمن، إلى مأساة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ العالم، وأسهم الدور الأممي، قصداً أو جهلاً، في صناعة هذه المأساة، وفي استمرارها، من خلال آليات صنعت الفشل وسعت إليه بالدور الذي أداه كل مبعوث في فترته الزمنية.
عمل جمال بن عمر، خلال فترة وصايته على الأزمة اليمنية، على تمكين الحوثيين من استخدام قوتهم المسلحة على الدولة والمجتمع، من خلال الاستجابة لمطالب وشروط الحوثيين، والتغاضي عن قوتهم المسلحة، وتشكيلاتهم العسكرية، وعملياتهم القتالية التي بدأت من السيطرة على محافظة صعدة.
ولقد كانت خطيئة بن عمر في التسهيلات التي قدمها للحوثيين، والعمل على إرضائهم للقبول بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بما في ذلك القبول بدخولهم المسلح إلى العاصمة صنعاء، تحت ذريعة الحراسات الأمنية والمرافقين لمكتبهم السياسي ومؤسساتهم الإعلامية في العاصمة.

كان ولد الشيخ حريصاً على إرضاء الحوثيين، وعلى عدم التفريط بمرجعية القرار 2216، لكنه عمل على أن تكون المساعدات الإنسانية مظلة حوثية تبقي على قوة الحوثيين المالية، وتفتح لهم قنوات تواصل مع الخارج، ومع إيران بالتحديد.


وأدى هذا التغاضي إلى تعزيز التواصل والتنسيق بين الحوثيين وكل من إيران وحزب الله، حيث تمكن الحوثيون من تعزيز قدراتهم العسكرية وتنمية مهاراتهم الأمنية من خلال الدورات التدريبية المكثفة لعناصرهم في الضاحية الجنوبية ببيروت وطهران.
استخدم بن عمر عصا العقوبات الدولية ضد من يراهم هو معرقلين للفترة الانتقالية، وذلك لإسكات صوت المعارضة لخطواته التي مكنت للحوثيين حتى وصلت قواتهم إلى مشارف العاصمة، بعد استيلائهم على محافظة عمران، وأسهمت عوامل الصراع والحسابات الخاطئة بين شركاء الحكومة التوافقية، في تعزيز قوة الحوثيين التي تمكنت من الاستيلاء على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، والانزلاق إلى حرب أهلية من خلال تمدد قوات الحوثيين إلى كل المحافظات اليمنية شمالاً وجنوباً.
لم تفلح العقوبات الأممية التي شملت الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقائد الحوثيين عبدالملك الحوثي، في ردع الحوثيين من التقدم العسكري وفرض الحرب في الداخل ومع الخارج، فانتهى دور بن عمر عملياً، بعد فشله في الوصول بأطراف الأزمة إلى مخرج عملي بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية بعامين.
جاء إسماعيل ولد الشيخ إلى فشل سلفه بن عمر، من بوابة الحرب التي خاضها تحالف عسكري بقيادة السعودية، وشرعن لها مجلس الأمن بالقرار 2216 حول اليمن.
واصل ولد الشيخ سيرة سلفه بن عمر، في الاستجابة لشروط ومطالب الحوثيين، طمعاً في قبولهم الانخراط في مفاوضات الحل السلمي للأزمة اليمنية، التي دعا إليها ورعاها في كل من جنيف والكويت، وتغاضى ولد الشيخ عن فساد المنظمات الأممية التي مكنت الحوثيين من المساعدات الإنسانية، واستخدامها في مجهودهم الحربي.
حاول ولد الشيخ، في نهاية فترته، الضغط على الحوثيين، وإجبارهم على قبول ما حدده قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، لكن نجاح الحوثيين في الانفراد بالقرار، وتمكنهم من قتل حليفهم الوحيد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، منحهم القوة لحصار ولد الشيخ وتهديده بالقتل في العاصمة، ورفض التعامل معه كمبعوث أممي.
كان ولد الشيخ حريصاً على إرضاء الحوثيين، وعلى عدم التفريط بمرجعية القرار 2216، لكنه عمل على أن تكون المساعدات الإنسانية مظلة حوثية تبقي على قوة الحوثيين المالية، وتفتح لهم قنوات تواصل مع الخارج، ومع إيران بالتحديد.

استغل الحوثيون الرغبة الأممية في إرضائهم للقبول بالتعامل مع المبعوث الأممي وأطروحاته للتفاوض مع الحكومة الشرعية، للضغط على المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث، الذي عينه مجلس الأمن خلفاً لولد الشيخ، في 16 فبراير 2018م.


ومع ذلك، فقد فشل ولد الشيخ في تحقيق أي تقدم على مسار التسوية السياسية، أو على مسار تعزيز قوة الشرعية المدعومة دولياً بالاعتراف السياسي والتحالف العسكري. وأسهم فشله في تردي الأوضاع، وانهيار الاقتصاد وانعدام السيولة النقدية وتوقف صرف مرتبات الموظفين.
استغل الحوثيون الرغبة الأممية في إرضائهم للقبول بالتعامل مع المبعوث الأممي وأطروحاته للتفاوض مع الحكومة الشرعية، للضغط على المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث، الذي عينه مجلس الأمن خلفاً لولد الشيخ، في 16 فبراير 2018م.
رفض الحوثيون الذهاب إلى جنيف في سبتمبر 2018م، قبل الاستجابة لشروطهم التي ذهبت حداً بعيداً في التعنت، مما اضطر المبعوث الأممي إلى الموافقة على شروطهم، في تجاوزات غير مسبوقة مثلت موقفاً عملياً سلبياً من القرار 2216، والتعامل مع الحوثيين كسلطة أمر واقع، بعيداً عن كونها تمرداً على شرعية سياسية قائمة.
ومارس غريفيث ضغوطاً على الحكومة الشرعية، لوقف كل عملياتها العسكرية الهادفة إلى تحرير الساحل الغربي ومدينة الحديدة من سيطرة الحوثيين، حتى تمكن في ستوكهولم من فرض اتفاق أوقف العمليات العسكرية، لكنه لم يتوصل إلى حل سياسي.
اعتمد غريفيث استراتيجية تجزئة ملفات الأزمة اليمنية، لكنه فشل حتى الآن في إنجاز أي ملف، سوى ما أخذه من الحوثيين من تأمين الملاحة الدولية في المياه اليمنية على البحر الأحمر، لكنه قدم المزيد من المشروعية للحوثيين، وتواطأ في تبديد المساعدات الدولية، وتكريس هامشية الحكومة الشرعية.
وإجمالاً، فإن غريفيث قد أكمل مهمة من سبقوه في فرض الحوثيين كسلطة قائمة في الواقع، وفي صعود الجماعات المسلحة، ابتداءً من جمال بن عمر الذي فرض مقاربات خاطئة لكل من ملف صعدة والقضية الجنوبية.

الأكثر قراءة