المشاهد نت

بريطانيا وتسويق وهم السلام في اليمن

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

صحافي يمني

“نحن نريدهم أن يكونوا جزءاً من اليمن، وليس جزءاً من إيران”؛ بهذه العبارة لخص نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ما يدور حالياً في الكواليس بشأن جماعة الحوثيين والملف اليمني.
في كل مواقفها تترك المملكة الباب موارباً، لكنها تؤكد أن الحوثيين إحدى أذرعة إيران في المنطقة.
لازالت المواقف الدولية تراوح مكانها، تحت تأثير بريطاني جلي متحمس لفكرة إمكانية عزل الحوثيين عن إيران.
والآن يتركز الضغط البريطاني لإرغام الحكومة اليمنية الشرعية على الذهاب لمشاورات حل سياسي شامل، دون قيد أو شرط.
بينما قال خالد بن سلمان، المسؤول عن الملف اليمني، في آخر حوار مع موقع أمريكي بثته قناة “العربية”، إن الحل الوحيد في اليمن سياسي، لكنه يمر عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦، وهو قرار ينص على إنهاء الانقلاب واستعادة الحكومة كامل سلطاتها في البلاد.
يتطابق الموقفان السعودي والبريطاني في ضرورة أن يتحول الحوثيون إلى حزب سياسي، لكن بريطانيا متساهلة تجاه إعطاء الحوثيين ما يريدونه، وهو الذهاب إلى مشاورات حل شامل تضمن إشراكهم في الحكومة (شرعنة انقلابهم وفق رؤية الحكومة)، بحسب ما يراه الموالين للحكومة، قبل الخوض في تسليم السلاح الثقيل.
بمعنى أنهم ليسوا مستعدين لتقديم أية قطعة سلاح أو القيام بأية خطوة قبل تلبية شروطهم.
بينما تقول السعودية إن الكرة في ملعبهم، وإن عليهم الاختيار بين أن يكونوا جزءاً من اليمن أو جزءاً من إيران، وعليهم التحول إلى حزب سياسي وتسليم السلاح.
وزير الشؤون الخارجية عادل الجبير، قال إنه من غير المقبول تسليم اليمن لأقلية.
على أن بريطانيا تبدو أقرب ما تكون كوكيل لجماعة الحوثيين، وليست طرفاً محايداً، رغم ما قاله السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، من أنهم ليسوا محايدين، وأنهم يقفون إلى جانب الحكومة والشعب اليمني.
تصريحات سياسية بريطانية لا تتطابق مع حقيقة التوجه البريطاني الذي يبدو داعماً بقوة ومكر لجماعة الحوثيين، ومنسقاً الخطوات معهم خطوة تلو أخرى.
أما المؤشرات على صحة هذا، فعديدة، بدءاً بتصريح مبهم للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، البريطاني الجنسية، في آخر إحاطة قدمها في مجلس الأمن الدولي، وأعلن فيها العمل على ترتيبات لجولة مشاورات تحت مسمى الحل الشامل، قائلاً إن 2020 هو عام إنجاز المهمة.
كأنها خطوة في سيناريو معد سلفاً، فوجئت البلاد بتطورات عسكرية دراماتيكية في جبهات نهم ومأرب والجوف، لصالح تقوية المركز التفاوضي لجماعة الحوثيين.
وليظهر بعدها سفير بريطانيا على شاشة قناة “الحدث” الإخبارية السعودية، ومواقع إخبارية، متحدثاً أن الظروف باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى، للذهاب إلى مشاورات حل شامل، تتجاوز اتفاق السويد، وأن هذا الاتفاق لم يعد هاماً.
ورداً على إعلان المتحدث باسم الحكومة اليمنية عن تجميد اتفاق السويد، رداً على تصعيد الحوثيين في نهم، مال السفير آرون إلى التقليل من شأن الحكومة وموقفها، وقال إن اتفاق السويد حقق غرضه، ولم يعد هاماً، وإن أشياء كثيرة حدثت بعده، منها أن الإمارات انسحبت، ولم تعد موجودة في الميدان، وإن الصراع انفجر في عدن، وجاء اتفاق الرياض.
إن الخطاب البريطاني والدور الذي تقوم به بريطانيا يتجاوز كونها الدولة التي تمسك بالملف اليمني في مجلس الأمن الدولي، إلى مسألة أكبر تضع فيها نفسها كوصي على اليمن، وصاحب الكلمة العليا في اتخاذ القرار وتحديد التوجهات والأدوار داخل اليمن وعلى دول محيطه.
وبالطبع، لا أثر يذكر للولايات المتحدة الأمريكية، والإدارة الأمريكية سلمت الملف اليمني لبريطانيا بالكامل، حتى إن مارتن غريفيث كلما أراد الضغط على الحكومة أو على المملكة العربية السعودية، حمل حقيبته، وهرول إلى واشنطن، ليظهر بعدها إلى جانب وزير الخارجية الأمريكية، أو وزير الدفاع، وهما يعلنان حرفياً الموقف الأمريكي.
ويبدو أن هذا الموقف تقرره وتكتب نصه الخارجية البريطانية والمبعوث الأممي غريفيث، إذ إنه لم يخرج قيد أنملة عما يريده غريفيث وبريطانيا.
تحولت الولايات المتحدة بخصوص اليمن، إلى مجرد عصا غليظة في يد بريطانيا.
ولكن، لماذا تبدي بريطانيا كل هذا الاهتمام والإصرار على تمرير وفرض جولة مشاورات نهائية، رغم فشل جميع الجولات السابقة؟
الإجابة تكمن في أن الصراع في اليمن يجري تخطيطه مسبقاً بحسب ما تقتضيه مصالح بريطانيا أولاً، ومصلحة بريطانيا العليا كامنة في عالم المحيطات والبحار والهيمنة على السواحل والموانئ.
ولا تمتلك رؤية بريطانيا فرصة حقيقية للنجاح، فهي تستبعد إيران إلى حد كبير، ولا تعتبر أجندة طهران وأولوياتها في اليمن بالحسبان.
وهي بذلك تتغاضى عن وقائع كثيرة أثبتت فيها طهران هيمنتها على قرار جماعة الحوثيين في أعقاب كل جولة مكثفة من التحركات البريطانية الأمريكية، لعزل جماعة الحوثيين عن إيران.
هذا الأمر يجعل بريطانيا تبني استراتيجيتها على تسويق أوهام بشكل ممنهج ومتعمد، لتحقيق أغراض أخرى تتصل بالنفوذ البريطاني في البحار والتجارة البحرية، ووضع اليد على السواحل والموانئ اليمنية، وتطويع المجموعات المتصارعة في الداخل كحراس في خدمة تحالف البحار الذي تقوده بريطانيا.
إن فرص نجاح مشاورات الحل الشامل ضئيلة أو منعدمة، لعدم توفر الإرادة الدولية الفعلية لتحقيق السلام في اليمن، وبسبب التلاعب البريطاني الذي ينحو إلى تحقيق الأطماع الامبراطورية البريطانية في الهيمنة المطلقة على البحار، وبعث الماضي الامبراطوري العالمي لبريطانيا سيدة للبحار كما كانت قديماً امبراطورية عظمى على اليابسة.
كما يعد هروباً من قبل السياسة الخارجية البريطانية عن مواجهة الحقيقة، وخشية خروج الأمور عن السيطرة في البحر الأحمر وباب المندب.
إن تفجر الصراع في هذا الممر الحيوي شديد الضرر بالنسبة لبريطانيا التي تم اعتمادها في يونيو 2017، كمركز رئيسي لتحالف المحيطات، الذي يعد أكبر اتفاق تشغيلي بين شركات النقل البحري، ويستخدم الممر التجاري بين آسيا وأوروبا.
تراهن بريطانيا على أن لديها ما تغري به الحوثيين لدفعهم للعمل لمصلحتها وضمن استراتيجيتها، في مقابل تمكينهم من الحصول على شرعية عبر مفاوضات حل شامل وحصة أكبر في حكومة وحدة وطنية، دون أية ضمانة بتنفيذ مقرراتها أو نقض الحوثيين فوراً لنتائجها بمجرد إضفاء الشرعية على انقلابهم.
مغامرة كسابقاتها تصب في صالح إيران بنهاية المطاف، فيما لا تعبأ بريطانيا بتمكين الحوثيين وإسنادهم، وتلبية اشتراطاتهم طالما تعتقد أن بوسعها الحصول على ما تريده في الساحل الغربي وموانئ البلاد.
ويصر المبعوث غريفيث والسفير آرون أن مفاوضات الحل الشامل هي المخرج الوحيد لليمن بأكمله، وأن اتفاق السويد لم يعد هاماً؛ كونه اتفاقاً جزئياً يخص الحديدة وتعز، لكنهما لم يقدما أية إجابة حول ما يضمن تنفيذ الحوثيين لحل شامل إذا كانوا نقضوا اتفاقاً جزئياً، وما ضمانات التزام الحوثيين بالاتفاق الشامل وعدم نقضهم له فور توقيعه ما إن يفوزوا بمكاسب فورية لمصلحتهم ومصلحة إيران.
وفي مقابل الضغط البريطاني الشديد الذي تجيده الحكومة البريطانية على طرف الحكومة ، والعمل باستمرار على تصفيتها وإضعافها، وتقوية تشكيلات مسلحة خارج إطارها، ينطوي القفز إلى جولة مشاورات تحت مسمى الحل الشامل، على انقلاب الموازين بحيث يصبح “الانقلابيون “هم الشرعية، وتغدو الحكومة في إطار حكومة الوحدة الوطنية، أشبه بمجموعة انقلابية منعزلة وذات حصة أقل ومركز أدنى.

الأكثر قراءة