المشاهد نت

من لم يمت بالحرب مات بغيرها!

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

د. سامية عبدالمجيد الأغبري

أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام - جامعة صنعاء

تعد الحرب والصراع الدائر في اليمن، سواء بفعل القوى الداخلية أو الخارجية، من أسوأ الكوارث الإنسانية التي حلت بنا منذ العام 2015م. فالمشكلة لم تعد في الحرب ذاتها فحسب، وإنما بما تخلفه من ضحايا مدنيين يفوقون من حيث العدد المقاتلين في مختلف جبهات القتال.
في بداية الحرب كان الضحايا المدنيون من جراء الحرب والصراع الدائر وقصف طيران التحالف والقناصة في كافة مناطق اليمن، يفاجئهم الموت دون أن يتوقعوه أو يحتاطوا له.
ومع استمرار الحرب والصراع الذي دخل عامه السادس، ازدادت معاناة المواطنين من نتاج الحرب والفساد، حيث تفشت الأمراض الوبائية بشكل مخيف ومرعب، وبخاصة بين المواطنين محدودي ومعدومي الدخل، وهم الغالبية العظمى من المواطنين.
فبدءاً بالكوليرا والتيفوئيد والملاريا، ومروراً بحمى الضنك وإنفلونزا الخنازير والمكرفس، وانتهاءً بالأمراض النفسية والجلطات الدماغية والقلبية… حصدت تلك الأمراض عشرات الآلاف من الأشخاص، نتيجة لعدم سرعة إسعافهم، أو عدم القدرة في الحصول على العلاج المناسب، وفي الوقت المناسب، للكثير من المواطنين، فالعلاج وإن وجد فسعره مرتفع جداً لا يتناسب مع ظروف المواطنين المادية المتدهورة.

توفي رجل وزوجته التي نقلت له العدوى بمرض إنفلونزا الخنازير، وظلت الجثتان لمدة يومين، دون أن يتجرأ أحد من الأهل أو الجيران على غسلهما ودفنهما، خوفاً من العدوى، إلى أن جاءت ممرضة بعد أن أخذت احتياطاتها الصحية، فغسلت الجثتين، وتم بعد ذلك الصلاة عليهما، ودفنهما.


فمثلاً في حالة إنفلونزا الخنازير، ستجد المستشفى الحكومي الأبرز في صنعاء لا يمكنه إنقاذ الحالات التي تصل إليه، حيث لا تتوفر الأدوية والحقن اللازمة لإسعافهم، فلا يوجد سوى غرفة عزل لا تتسع إلا لأعداد محدودة جداً، يتم فيها عزلهم دون أن تتوفر لهم أبسط مستلزمات الرعاية الصحية، حتى الممرضون والممرضات يرفضون القيام برعايتهم خوفاً من العدوى، كأن الهدف من عزلهم دون توفر أدنى رعاية صحية، هو التخلص منهم، كأنهم كلاب ضالة أو مسعورة، فبعضهم يموتون كمداً وقهراً، والبعض منهم يجد من أهله من يخرجه من الموت المحقق إلى مستشفيات خاصة، لعله ينقذ حياته، ويظل أهله يبحثون عن الحقن، وحين يجيدونها يفاجؤون بارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه يصل إلى 30 ألف ريال يمني للحقنة الواحدة، فيضطر بعضهم لرهن ما يمكن رهنه أو بيع ما أمكن بيعه من أدوات، ببخس التراب، أو يستلف إن وجد من يسلفه، وقد يموت قريبه قبل أن ينقذه بحقنة الحياة.
ففي سعوان مثلاً، توفي رجل وزوجته التي نقلت له العدوى بمرض إنفلونزا الخنازير، وظلت الجثتان لمدة يومين، دون أن يتجرأ أحد من الأهل أو الجيران على غسلهما ودفنهما، خوفاً من العدوى، إلى أن جاءت ممرضة بعد أن أخذت احتياطاتها الصحية، فغسلت الجثتين، وتم بعد ذلك الصلاة عليهما، ودفنهما.
ونسمع كل يوم في صنعاء والحديدة وغيرهما من المناطق، عن إصابات جديدة لمواطنين، بعضهم من الأهل، والبعض الآخر جيران أو أصدقاء، وآخرين لا نعرفهم، داهمهم المرض على غفلة منهم، وخصوصاً إنفلونزا الخنازير ومرض المكرفس.
لم يفرق مرض المكرفس بين الصغار والكبار، ففجأة يشعر المصاب بألم شديد في المفاصل وإسهال وحمى، ونتيجة لنقص المناعة عند الكثير منهم لا يتمكن من الوقوف على قدميه، ويصبح في حكم المشلول إذا لم تتم معالجته سريعاً.
ففي محافظة الحديدة، تنتشر بشكل كبير أمراض المكرفس وحمى الضنك والملاريا، ويتم إسعاف الحالات لمستشفى الثورة العام، الذي لا يتمكن من استيعاب كل الحالات، فيحدث ازدحام شديد، فيضطرون للذهاب لمستشفيات خاصة، وبعضهم قد يواجه الموت نتيجة لذلك.
ففي حارة المغتربين بمحافظة الحديدة، ينتشر الوباء بشكل كبير، حيث عاد الكثير من المغتربين الذين اشترى العديد منهم أراضي، وقاموا ببناء عشوائي، وساءت حالتهم المعيشية، ففتكت بهم الأمراض، ولم يلقوا أدنى عناية من الجهات المعنية، وظلوا مغتربين داخل أسوار الوطن الشائكة.
وجاء انقطاع الرواتب التي لا تفي سوى بأدنى المتطلبات الضرورية للمعيشة، ليفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير.
وكل ما تفعله الجهات المعنية، ممثلة بوزارة الصحة، هو إرسال رسائل نصية عبر التلفون المحمول، تحذر من انتشار المرض، دون أن توفر وسائل الوقاية منه، والأدوية التي يمكنها معالجته.
ولعل المثير للسخرية والتندر أن يتم نشر موضوعات توعوية صحية عن الأمراض الوبائية الأكثر انتشاراً في الحديدة وصنعاء، كحمى الضنك والمكرفس في الحديدة، وإنفلونزا الخنازير في صنعاء، حيث تنصح المواطنين بالاهتمام بالغذاء الصحي من خضار وفاكهة وبروتين و… وغيرها، فيما أغلب المواطنين لا يجدون ما يسدون به الرمق، فلو توفرت لهم أبسط الإمكانيات، واهتمت الجهات المعنية بنظافة الشوارع، وردم المستنقعات، والتخلص من القمامة في الأماكن المخصصة لها، وإيجاد وسائل النظافة، لما انتشر المرض الوبائي.

الأكثر قراءة