المشاهد نت

التصدع المأساوي لتحالفات الحرب في اليمن

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب صحافي يمني

اندلعت حروب اليمن، العام 2015م، على أساس التناقضات القائمة بين تحالفات ثنائية ابتدأت داخلياً بالصراع الدامي بين تحالف التمرد الانقلابي (تحالف الحوثي صالح) وتحالف الحكومة الممثلة بالرئيس هادي وحلفائه السياسيين من أحزاب وقوى مختلفة.
هذه الثنائية في الداخل امتدت نحو الخارج بثنائية الصراع بين الرياض وطهران، ومن خلال التحالف الذي أنشأته وقادته السعودية لدعم الحكومة اليمنية، وقطع اليد الإيرانية في اليمن والمنطقة العربية. لكن هذه الثنائية في التحالفات الداخلية والخارجية، لم تتآلف مكوناتها في أنساق سياسية واضحة في تحديد مرجعيات التوافق والاختلاف، وفي أسس إدارتهما في مستويات التنسيق والصراع مع الخصوم.
لهذا، لم تستمر هذه الثنائية طويلاً، حيث ابتدأ تصدع تحالفاتها من تحالف الحكومة التي أخرجت خالد بحاح من موقعه نائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً للوزراء، واستبدلته بالفريق الأحمر نائباً للرئيس، وبن دغر رئيساً للوزراء، واستمر بعد ذلك تصدع التحالفات رغم كل محاولات إنكارها أو تعزيزها بأطر سياسية قابلة للإدارة المشتركة بين مكونات كل تحالف. لذلك لا بد من رسم خارطة لهذا التصدع، بغية الوصول إلى تفسيره ومعرفة عوامل تحوله إلى واقع مأساوي مفتوح على التجدد والاستمرار.
بداية من تحالف الحوثي -صالح، الذي قيل إنه تحالف الانتقام من شركاء الانتفاضة على حكم الرئيس صالح في 2011م، أو تحالف الانقلاب على الشرعية والتوافق السياسي في اليمن، غير أن الرئيس صالح قال عنه إنه تحالف فرضته السماء، قاصداً بذلك التدخل العسكري لطيران تحالف دعم الشرعية في اليمن، الذي ابتدأ عملياته العسكرية في 26 مارس 2015م.
حاول علي عبدالله صالح، من خلال المؤتمر الشعبي العام، صياغة إطار سياسي لتحالفه مع الحوثيين، باتفاق يوليو 2016م، وما نتج عنه من مجلس سياسي أعلى وحكومة إنقاذ تجسد قدراً من الشراكة في القرار والإدارة، وتوفر قدراً من الشرعية للمؤسسات السياسية.
اصطدمت محاولات صالح بالخلافات التي تزايدت حدتها، وتحولت إلى مواجهات إعلامية ساخنة، ثم مواجهات دامية سريعة وخاطفة انتهت بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، في 4 ديسمبر 2017م. غير أن هذا التصدع في تحالف الحوثي – صالح، لم ينتهِ بمقتل صالح، حيث لاتزال بوادر الاختلاف بين مكوناته تظهر من حين لآخر، بين الحوثيين أنفسهم، وبينهم وبين بقايا حزب المؤتمر المعروفين بمؤتمريي الداخل.
أضاف تصدع تحالف الحوثي – صالح، تفككاً مضافاً في حزب المؤتمر الشعبي في الخارج، ونشأت منه قوة عسكرية جديدة في خارطة الصراع المتزايد داخل تحالف الشرعية، حيث أضيفت الوحدات العسكرية التي يقودها العميد طارق صالح في الساحل الغربي، إلى قوام القوات الموالية للإمارات، في مواجهة حزب الإصلاح وشركائه المحسوبين على محور قطر – تركيا.
لم يستمر تماسك مكونات تحالف الحكومة طويلاً، بعد إزاحة بحاح، إذ سرعان ما بدأت الخلافات تعصف بهذه المكونات، وتنحدر بها إلى الاقتتال، قبل اكتمال المواجهة مع الحوثيين، وبخاصة في تعز والمحافظات الجنوبية، ثم انشطر تحالف الشرعية إلى جبهتين، هما الإصلاح من جهة، وكل من السلفيين في تعز والمجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية من جهة أخرى، حيث تستمر المواجهات دون أرضية متاحة لأي تفاهمات.
قد يكون الوضع في تعز مؤشراً دالاً على الوجه المأساوي لتصدع تحالفات الحرب في اليمن، فرغم السيطرة الكاملة نسبياً لحزب الإصلاح على المناطق المحررة في المحافظة، إلا أن الباب لايزال مفتوحاً للاقتتال، رغم خسارة المكونات المعارضة لسيطرة الإصلاح بعد استشهاد العميد عدنان الحمادي، ومع ذلك فإن التوترات تتزايد مع التواجد القوي للوحدات العسكرية التابعة للعميد طارق صالح، على سواحل تعز بين المخا وباب المندب.
وفي المحافظات الجنوبية تتقاسم قوات المجلس الانتقالي والقوات الموالية للرئيس هادي وحزب الإصلاح، السيطرة على الأرض، في ظل فشل المحاولات السعودية المستمرة لتنفيذ اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية، الموقع في نوفمبر 2019م. ومع هذا الفشل تتواصل الاستعدادات لخوض جولة جديدة من الحروب العبثية بين الطرفين.
ولا يتوقف الأمر عند تصدع تحالفات الحرب في الداخل، بل يمتد إلى الخارج، فتحالف دعم الشرعية الذي أنشأته وتقوده السعودية، ابتدأ حربه في اليمن موحداً في مواجهة التمدد الإيراني، لكن العام 2017م أعاد إلى الواجهة أزمة قطر مع كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، وهي الأزمة التي نتج عنها زيادة في عدد دول التجاذبات الخارجية المؤثرة في الساحة اليمنية، حيث دخلت عمان التي كانت محايدة في أول الحرب، على خط التجاذب القطري بين إيران وتركيا، لمواجهة التهديد الإماراتي السعودي لعمان من حدودها الغربية في محافظة المهرة اليمنية. ولايزال الغموض يلف العلاقة بين السعودية والإمارات، وينذر تحالفهما بالتصدع أيضاً.
يمكن القول إن هذا التصدع حتمي بالفراغ الذي يتسيد المجال العام في اليمن، والناجم عن التناقض الكبير بين الوطنية اليمنية وتجسداتها السياسية والاجتماعية، وبين المشاريع الانغزالية طائفياً وجهوياً لكل تحالفات الصراع المأساوي المستمر والمتجدد بتوالي التصدعات في الداخل ومن الخارج.

لا تتوقف خطورة التصدع في تحالفات الحرب في اليمن، عند غياب الأفق السياسي وهيمنة وهم القوة المسلحة فقط، بل تزداد هذه الخطورة حدة وشدة بالارتهان الخارجي، حيث تتبادل جميع قوى الصراع الاعتقاد بأن العمل لصالح قوة خارجية يعزز قوتها المسلحة بالعناد والتمويل، ويوفر لها الغطاء السياسي الذي تفتقده في الداخل


تبرز المشاريع الانغزالية في كيانات وهويات طائفية مضادة للوطنية اليمنية، ومفتوحة على التصدع المأساوي الذي يتجاوز ثنائية سنة – شيعة، إلى صراعات بعناوين دينية متعددة في السلفيين والإخوان والتطرف والاعتدال وولاية الفقيه في طهران وأوهام الخلافة في أنقرة، وتوحدها جميعاً على الإقصاء والإلغاء ومفاهيمه الدالة على القطيعة والاحتراب بين كفار ومؤمنين، وبين منافقين ومخلصين… وهلم جرا.
وقريباً من الطائفية تأتي الانغزالية الجهوية حاملة للتصدع في مشاريع مناطقية تبدأ من قوى الانفصال في جنوب اليمن، ولا تتوقف عند الحراك التهامي والنعرة التعزية. ورغم خطورة القوى الانفصالية في المحافظات الجنوبية، إلا أن تكوينها مفتوح على التصدع بعيداً عن ثنائيته الظاهرة بين شمال وجنوب.
تأتي مأساوية التصدع في هذه الكيانات الانعزالية، من غياب الأفق السياسي الذي يصل بهذه الأطراف إلى تحالفات مستقرة على الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية في القرار والإدارة، ولذلك يتغلب وهم القوة المسلحة على واقعية القبول بالاختلاف وإدارته سلمياً في نظام ديمقراطي ليمن اتحادي جديد.
ولا تتوقف خطورة التصدع في تحالفات الحرب في اليمن، عند غياب الأفق السياسي وهيمنة وهم القوة المسلحة فقط، بل تزداد هذه الخطورة حدة وشدة بالارتهان الخارجي، حيث تتبادل جميع قوى الصراع الاعتقاد بأن العمل لصالح قوة خارجية يعزز قوتها المسلحة بالعناد والتمويل، ويوفر لها الغطاء السياسي الذي تفتقده في الداخل، وبما يمكنها من هزيمة الخصوم. وهذا الاعتقاد هو الذي وصل بالجميع إلى العجز التام عن الحسم العسكري أو التوافق على تسوية سياسية.
وهكذا تستمر مآسي الحروب التي تتجدد بتصدع تحالفاتها وتعدد ارتهاناتها الخارجية، لتكون في السباق العام مأساة مفتوحة في الزمان والمكان، على الويلات التي تفتك بملايين اليمنيين، وتدمر مقومات وجودهم على جغرافيا الوطن، ولا تحمل معها وعداً بالوصول إلى نهاية ممكنة بالاحتمال أو الإرادة السياسية، لغياب الأساس الوطني الذي يحدد للانتماء وجهته السياسية ومتاحات الوصول إليها بسلام.

الأكثر قراءة