المشاهد نت

خُمس​ بني هاشم:​ هل سيكرر اليمن خطأ التاريخ؟

منى صفوان

منى صفوان

صحافية وكاتبة يمنية

أردناكم مواطنين، وأرادكم الحوثيون فوق المواطنة المتساوية، لانكم​ هاشميون، وفي اليمن جُرح مفتوح تسبب به حكم الهاشمية. جُرح عميق في الجسد والذاكرة اليمنية، حيث انتهى حكمها بثورة دموية في الستينيات، بسبب التمييز العنصري، لوصف الهاشمي مواطناً درجة أولى، وهو ملف أغلقه اليمن، وأعاد الحوثي فتحه.
​ما حدث لم يتركه الحوثيون يمر في التاريخ ليُنسى، ونتفرغ​ لمشاكلنا​ الجديدة، ففجأة ترك اليمن كل حروبه، وعاد في منتصف 2020 إلى القرون المنصرمة إبان حكم الإمامة.
لقد​ انفجر غضب عارم ضد ديباجة قانونية حوثية تخص “بني هاشم” بخُمس ثروات ومقدرات اليمن في البر والبحر، وفي هذه اللحظة الفارقة، عاد الزمن إلى الوراء، تغيرت الملامح، المفردات، تصدعت الكلمات لتخرج من بين الحروف حقد وخوف السنين… عاد اليمن إلى عصر كنا نظن أنه انتهى.​
قبل 6 عقود أنهى اليمن حُكم الإمامة الزيدية في الشمال، التي حكمت 1000 عام، والتي أعطت امتيازات خاصة لبني هاشم، بوصفهم مواطنين درجة أولى، امتيازات مالية واجتماعية، ليس لشيء، إلا لسلالتهم.
في العام 1962 نجحت المحاولة الأخيرة للثورة الجمهورية، بدعم من الجيش المصري، بقيادة جمال عبدالناصر، لتضم الجمهورية الجديدة كل أبناء اليمن تحت مسمى المواطنة المتساوية.
حاول اليمن، منذ فجر الستينيات، أن يتقن لعبة الجمهورية، لعبة الدولة والمواطن، ويروض ثقافته القبلية، بأننا في دولة يحكمها قانون، وليس هناك سيد وعبد، ولا شيخ وراعايا، بل مواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
إنها المهمة الأكثر صعوبة في مجتمع قبلي، ينقصه الوعي، لذلك كان التوجه المدني في السبعينيات مدعوماً بثورة تصحيحية قادها ضابط كبير في الجيش، هو ابن القبيلة الواعي، الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي يكن له اليمنيون كافة، بمن فيهم الحوثيون، شعور الامتنان بأنه عمل على تغيير الواقع، ولو بالقوة.

ساعد الحمدي اليمنيين على التعافي، وشجع ظهور الهاشميين الوطنيين، واعتمد عليهم في مفاصل حكمه الجمهوري العسكري، ولمعت أسماء قادة عسكريين وسياسين محسوبين على الأسر الهاشمية.​

كلنا يمنيون

لقد ساعد الحمدي اليمنيين على التعافي، وشجع ظهور الهاشميين الوطنيين، واعتمد عليهم في مفاصل حكمه الجمهوري العسكري، ولمعت أسماء قادة عسكريين وسياسين محسوبين على الأسر الهاشمية.​
وبدأ الهاشميون يشكلون جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني الاجتماعي،​ متساوين في الحقوق والواجبات.​
في فجر الألفية الثالثة في القرن الحادي والعشرين، تطل حركة مؤدجلة مسلحة برأسها، في زمن الحرب ووضعية التمزيق، وتقول بكل ليونة راقص على المسرح، سنُقر قانوناً يحصل به بنو هاشم على حقهم المالي من الزكاة والركاز والثروة!
الصدمة أنتجت رد فعل عاصفاً، كان أقوى من أن تتحمله الجماعة المسلحة “جماعة أنصار الله الحوثية”، التي ظنت أن الحكم استتب لها في شمال اليمن، وأن حكم الإمامة الزيدية يمكنه أن يناسب العصر الحديث أيضاً، وأن أحداً لن يمنعها من الاستيلاء على الثروات (أسرة الحوثي مؤسس الحركة الحوثية من أسرة هامشية)​.
لن ندخل في جدل فقهي وقانوني، فالنص الذي استند عليه الحوثيون في قفزتهم، يتحدث عن غنائم الكفار في​ الحرب التي يحق لأقارب الرسول أن يأخذوا خُمسها، فهل اليمن غنيمة وأهل اليمن كفار؟ والسؤال الأهم هل أنتم بنو هاشم، أم أنتم مواطنون يمنيون؟

إنهم يحرضون ضد بقية الأسر الهاشمية التي اندمجت في المجتمع، وصارت جزءاً من نسيجه وسياقه ومستقبله.​


بعيداً عن اتفاقنا أو اختلافنا السياسي مع جماعة أنصار الله الحوثية، فإن قفزتهم التي ظنوا أنها بخفة ورشاقة راقص ماهر، أكدت غرورهم الذي جعلهم يقفزون على الواقع.​
بل إنهم يحرضون ضد بقية الأسر الهاشمية التي اندمجت في المجتمع، وصارت جزءاً من نسيجه وسياقه ومستقبله.​
بالعودة لبعض أدبياتهم السياسية التي ظهروا بها خلال السنوات الـ10 الأخيرة، كانوا يتحدثون عن الدولة المدنية والمواطنة المتساوية، وهذا خلق حالة لبس في الوسطين السياسي والإعلامي، هل أنتم جماعة مؤدجلة دينية، تعتنق الفكر والمذهب الزيدي،​ أم جماعة سياسية مدنية تناضل للحصول على حصتها في اللعبة السياسية بجانب بقية الأحزاب والمكونات، في بلد يتيح التنوع والمشاركة والديمقراطية بحسب دستور الجمهورية الثانية جمهورية الوحدة 1990؟
جاءت الحرب لتوقف الجدل الفكري واللبس السياسي حول الموضوع، باستيلاء الحوثيين بالقوة على حكم صنعاء، بالتعاون مع قوة وجيش علي عبدالله صالح، في 2014.
​ويتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، ويشن حرباً مدمرة دموية وعدواناً خارجياً على​ اليمن، أخرجت مسار اللعبة المحلية إلى حيزها الإقليمي، بوصفه يحارب التواجد الإيراني في اليمن، بسبب تحالف الحوثيين مع إيران، وتفاقم الوجع اليمني.
حالياً، لا يحكم صنعاء ومناطق الشمال إلا الحوثيون وحدهم لا شريك لهم، وأصبح هناك حروب كثيرة في اليمن شمالاً وجنوباً، متداخلة، تجعل من أية وقفة سياسية ترفاً لا تتحمله المرحلة​.
ولكن وقع الراقص، وانكسرت قدمه، بمجرد أن أعلن عن ديباجته التي تخصص بني هاشم في كل فقرة، الزكاة والثروة في الأرض والبحر​ لفقراء اليمنيين وبني​ هاشم.

المرشال العسكري للسلام الوطني الجمهوري يعزف الآن بحزن وأسى، على عمر اليمنيين الذي ذهب سدىً، وهم يحاولون التحول إلى دولة حديثة، دولة لا تفرق بين يمني ويمني، دولة للحوثي، وللإخواني، لليساري، والسلفي، دولة لأبناء الشمال، وأبناء الجنوب


مع أن المواطنة المتساوية تحتم عليك ألا تحتاج لتخصيص فئة بعينها وأنت تتحدث عن عموم المواطنين. حالة غضب وإحباط وألم عمت معظم اليمنيين، 60 عاماً من عمر الجمهورية، والدساتير الوطنية، والانتخابات النيابية والرئاسية، ذهبت هدراً.
​المرشال العسكري للسلام الوطني الجمهوري يعزف الآن بحزن وأسى، على عمر اليمنيين الذي ذهب سدىً، وهم يحاولون التحول إلى دولة حديثة، دولة لا تفرق بين يمني ويمني، دولة للحوثي، وللإخواني، لليساري، والسلفي، دولة لأبناء الشمال، وأبناء الجنوب…​
لم يقرأ الحوثي طبيعية اليمن، مازال وهم الماضي متجذراً بفكر جماعة تقود حرباً شرسة ضد خصومها في الداخل والخارج،​ وتتحدث عن تقديم آلاف الشهداء من خيرة شباب اليمن.
هل كل هذه الخسائر لتعيد حكماً عفا عليه الزمن، وإن لم تكن ثورة مسلحة قد قامت ضده في فجر الستينيات، لكان قد توارى واندثر من تلقاء نفسه بفعل عوامل الزمن، وبفضل تطور المجتمعات، وكنتيجة حتمية لصيرورة التاريخ.
لقد نكأ الحوثيون جرحاً غائراً في الذاكرة والجسد والهوية اليمنية، لكن ردة الفعل كانت قوية، كانت حالة توحد لليمنيين على مختلف توجهاتهم، كمن تعيد شد الجسم اليمني المترهل والممزق، مما جعل عدداً قليلاً من عقلاء الحوثيين، يتحدثون على استحياء، بأن قانون الزكاة والركاز عليه ملاحظات، لكن الحقيقة فرضت نفسها، إننا أمام جماعة عنصرية، لا ترتكب أخطاء جديدة، بل تصر على تكرار الأخطاء القديمة.
من يحكم اليمن، أو حتى يريد أن يشارك في حكمه، عليه أن يفهم طبيعية وصيرورة التاريخ، وطبيعية وهوية الشخصية اليمنية،​ وأن يتعامل مع الحاضر بعيون المستقبل، هذا على الأقل ما ينتظره اليمن،​ عدا ذلك فنحن أمام بوابة جديدة للصراع تجر أحقاد الماضي… بوابة ليس في آخرها منفذ مكتوب عليه “خروج”.

الأكثر قراءة