المشاهد نت

هل انتهى حكم الاخوان

منى صفوان

منى صفوان

كاتبة صحافية يمنية

يتم خلع حزب الإصلاح من نِقاط ارتكازه، ومواقعه. هذا ملخص ما يحدث في اليمن عموماً، وقد بدأ الخلع من صنعاء، ومنها إلى تعز، التربة، مأرب، حضرموت، وامتد إلى المهرة وسقطرى.

هل انتهى حلم وحكم الإخوان

‏80 عاماً من الحُلم، والتخطيط للوصول إلى السلطة، وكانت الحصيلة: لم يستمر حُكم حركة الإخوان إلا عاماً واحداً في مصر، عامين في تونس، وفشل في الوصول في سوريا، وأخذ نصف سلطة في ليبيا، إلى جانب تنكيل واعتقال واغتيال في السعودية، حظر في الأردن، وانقلاب في السودان.

 أما في اليمن، فلم يظهروا بشكل مباشر بعد 2011، لكن استمرت الحكومة الموالية لهم عام ونصف حتى انقلاب الحوثيين، وبعدها تم إخراجهم من المشهد السياسي، والآن يتم خلعهم بالقوة من الموقع العسكري.

توقع الإخوان (حزب الإصلاح) أن أمور الحكم استتبت لهم بعد ثورة 2011، لكن انقلاب الحوثيين غير المشهد، ليتجدد الأمل مع عاصفة الحزم، وهي الحرب التي توقع الإصلاح أنها ستعيده لموقعه في السلطة، لكن ما يحدث أن تحالف الحزم السعودي الإماراتي لا يعمل لإعادة الإصلاح، بل يعمل على خلعه وإبعاده من المشهد، فلماذا؟

صراع المحاور

في عالم صراع المحاور، لن يسمح المحور السعودي/ الإماراتي، بانتصار القطري/ التركي عليه، وتربعه على عرش الشرق الأوسط.

لذلك يسعى القطبان الخصمان  التركي والسعودي، إلى المنافسة على مقعد الحليف الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة، والذراع القابضة، لاسيما في اليمن، وهذا سبب تخلي السعودية عن الإصلاح لأنه محسوب على حركة الإخوان المسلمين المتحالفة مع تركيا أردوغان، ففي دعم السعودية/ الإمارات للإصلاح، انتصار للمنافس التركي/ القطري.

هذه هي قصة مأساة الإصلاح في اليمن، إنه ضحية صراع المحاور، واختياره المحور الخطأ في التوقيت الخطأ.

حبال الإصلاح الأربعة

فلم يستطع الإصلاح أن يلعب على الحبال الأربعة، بأن تبقى القيادة في الرياض، والعلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي، والطاقم السياسي في الدوحة، والنشاط الإعلامي في إسطنبول.

كان عليه الفصل والاختيار، لكن اختار توزيع الأدوار، فسقطت حيله، وانقطعت حباله.

لا يمكن إقناع السعودية وحليفها الإماراتي، أن تمكين الإصلاح من المواقع الاستراتجية والثروات والجزر والموانئ اليمنية، واعتباره شريكاً موثوقاً به لا يعني تمكين الخصم التركي القطري.

لا يمكن إقناع السعودية وحليفها الإماراتي، أن تمكين الإصلاح من المواقع الاستراتجية والثروات والجزر والموانئ اليمنية، واعتباره شريكاً موثوقاً به لا يعني تمكين الخصم التركي القطري.

لذلك يتم خلعه من هيكل الشرعية، فعشية زيارة رئيس الحكومة الشرعية إلى القاهرة، أطلق اتهاماً هو الأول من نوعه ضد قطر ودورها المشبوه في اليمن بدعم الحوثيين، وهو ما استنفر وزارة الخارجية القطرية للرد بشكل غير محترف، على اتهام الحكومة اليمنية.

الاتهام اليمني الرسمي، أرسل رسالة سعودية لتركيا من مصر، بأن اليمن ليست ليبيا، وأنها ستبقى بعيداً عن تأثير المحور القطري التركي، وأن الحكومة التي كانت تُحسب على الإصلاح لم تعد كذلك.

كان لافتاً أن يتحدث رئيس الوزراء الصامت المحايد، الذي لا علاقة له بالسياسة، ليتذكر الجميع أنه ليس أبكم، وأن السعودية يمكنها التحدث بأكثر من طريقة، وإحداها عبر معين عبدالملك.

الرسالة السعودية وصلت، والرد أيضاً وصل، فلا مجال للإصلاح إلا المقاومة، ومنع حلفاء السعودية الجدد من الاستئثار بالمواقع اليمنية، لذلك سيحارب الإصلاح المجلس الانتقالي وقوات طارق (ولاحظ أنه مازال يحارب باسم الدولة والجيش الوطني).

إن مهمة خلع الإصلاح من مكانه لن تكون مهمة سهلة على السعودية والإمارات، فالجماعات والمليشيات التي كونتها لتكون في مواجهة الإصلاح، مازالت خارج إطار الدولة والشرعية، سواء قوات طارق أو قوات المجلس الانتقالي.

فالإصلاح استهلك عقوداً ليكون جزءاً أصيلاً في هيكل الدولة والجيش، ويبني تحالفات عميقة، ويوطد علاقات قبلية، ويوجد له حاضناً شعبياً، ولا تنس طالما هناك ممول، فمازال بإمكانه التحرك وإقامة المزيد من التحالفات والعلاقات.

التحالف  المستحيل

واحد من سيناريوهات الإصلاح المطروحة لمواجهة التجريف السعودي الإماراتي له، هو تحالفه مع الحوثيين، لكن هذا التحالف النفعي البراجماتي مستحيل.

فضد من سيتحالف الخصمان؟ هل سيتحالفان ضد السعودية؟ الحوثي لا يريد التخلص من السيطرة السعودية على اليمن، فبقاء السعودية بقاء له، بدون ذريعة العدوان والاحتلال، لا قيمة لوجود الحوثيين.

إذن، هل يتحالفان ضد الإمارات؟ هذا الأمر أيضاً ينطبق على الإمارات، فحتى الإصلاح لا يود إخراج السعودية والإمارات من المشهد، ولا “تحرير اليمن”، هو فقط يريد منهما القبول به كشريك وحليف محلي، مع بقاء السيطرة الخارجية.

ففي خروج الإمارات والسعودية، أو بالأدق بخروج اليمن من تحت تأثيرهما، لن يتمكن الإصلاح من مواجهة الحوثيين، وطارق والجنوبيين.

إن بقاء العنصر الخارجي عامل توازن مهم لحزب له خصوم كثر في الداخل، خصوم يمكنهم الانقضاض عليه بدون رادع، لبدء حرب لا تنتهي، بينما ما يحدث الآن هي معارك تدار تحت السيطرة السعودية، أقل وحشية وشراسة مما لو تركت دون إشراف خارجي.

لذلك ليس للحوثي والإصلاح أية مصلحة بالتحالف معاً لتحرير اليمن من المشرف والمايسترو الخارجي، لن يكتب لهما النجاة في حالة تحرير اليمن.

وقتها سيدخل الجميع بحرب ضد الجميع، حرب في الجنوب والشمال لا يوقفها أحد.

‏السؤال الآن: لماذا وصل الإصلاح لهذه المرحلة أساساً؟ لماذا فشل الإخوان بعد أن كان الربيع العربي فرصتهم، التي ضاعت من أيديهم؟

‏السبب الوحيد هو “شراهتهم للسلطة”، بما يعينه إقصاء الآخر، والإقصاء يعني أن كل تحالفاتهم وقتية، فهم لم يؤسسوا للاستمرار، مع بقاء الآخرين، بل بفناء وإقصاء كل الشركاء المحليين.

ما هو مستقبل الإصلاح؟

يبدو أننا سنبدأ قريباً بالتعاطف مع “مظلمة الإصلاح”، والتعامل معه كفئة مضطهدة، لا أتوقع أن ينجو من المصيدة، فعملية تفكيك الإصلاح عسكرياً تتم دون توقف، ‏فقد بات يُجرد من المميزات التي حصل عليها خلال عقود، إنه يُخلع من مكانه المفضل كحزب مسيطر، بات يقترب من كونه حزباً بلا نفوذ، بلا مواقع استراتيجية، ولا موانئ، ولا سُلطة، بعد فشل خطة التخفي خلف طاقم سياسي لا ينتمي للجماعة.

محاولة خلع الإصلاح من مواقعه المهمة في تعز والساحل ومأرب والجنوب (المهرة وحضرموت وشبوة)، وخلخلة نقاط الارتكاز للإصلاح، سوف تتم طالما لم يحدث شيء يقلب المعادلة، كتدخل خارجي تركي في اليمن يقلب موازين القوى، وهذا مستبعد لحد الآن، ولكن كل شيء ممكن.

هل تتدخل تركيا؟

فنقطة الارتكاز الأقوى هي محافظة تعز، ليس فقط المدينة، بل المحافظة برمتها، وبعدها تأتي مأرب، وشبوة، ثم حضرموت والمهرة وهما الأكثر ضعفاً، فإن تم إضعافهم في تعز سينتهي تواجدهم في المهرة، وتأثيرهم في حضرموت، فإن لم يصمدوا في التربة، لن يصمدوا في الغيضة، لذلك يبقى أملهم الوحيد بتدخل خارجي جديد، ينقذهم من التدخل الخارجي القديم.

الأمل الإصلاحي هو تدخل تركي في اليمن ضد التدخل السعودي، لذلك تُطلق الحملات الإعلامية الإصلاحية (غير العفوية) لتطالب بتدخل أردوغان.

ولكن، كما قلنا في بداية المقال، السعودية أرسلت رسالتها من القاهرة، عبر الحكومة اليمنية، لأردوغان وحليفه القطري.

وهذا يعني أن تركيا ستفكر ملياً قبل التورط في مواجهة مع السعودية في اليمن، بخاصة أنها لم تحسم بعد معركتها مع مصر والسعودية، في ليبيا.

الأكثر قراءة