المشاهد نت

حلم الهجرة إلى الغرب يغزو عقول الشباب اليمني من الجنسين

د. . سامية عبدالمجيد الأغبري

د. . سامية عبدالمجيد الأغبري

أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام - جامعة صنعاء

منذ حوالي سنة دعاني مجموعة من طلابي وطالباتي الذين تخرجوا من كلية الإعلام – جامعة صنعاء، للاحتفال بالسنة الجديدة، لبيت دعوتهم -رغم مشاغلي- بكل ترحاب، فقد كانت فرصة ذهبية كي أتلمس عن قرب همومهم وتطلعاتهم وطموحاتهم.
وكان اللقاء في أحد الكافيهات بحدة، ظهراً، وبعد أن سألت عن أحوالهم، وماذا يعملون، وما يواجهون من صعوبات لا حدود لها، خطرت ببالي فكرة أن أسألهم عما يطمحون إليه في المستقبل القريب.
فقال أحدهم: طبعاً أنوى الهجرة إلى الغرب بلا رجعة! وتتالى الحماس من الكل حتى الصحفيات -اللاتي وجدن فرص عمل معقولة مقارنة بأخريات- أكدن أن الهجرة هي الحلم الذي يسعين لتحقيقه.
حاولت أن أشجعهم وأقنعهم بأن البلد بحاجة للموهوبين أمثالهم/هن، لكن الكل كانوا يرون في الهجرة الملاذ والمنقذ لهم من حالة الشتات والضياع، فكان مبررهم أن الوضع المعيشي صعب جداً، ولا يمكنهم العمل في بيئة لا تشجع على الإبداع، وأن مساحة الحرية تضيق إلى أبعد حد.

لم تعد الأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية، هي التي تدفع الشباب من الجنسين للهجرة إلى الخارج، وبخاصة الغرب، وحسب، بل برزت إلى جانبها أسباب اجتماعية وثقافية مرتبطة بالتخلف الاجتماعي والثقافي، وأحياناً التشدد الديني في الواقع المعاش، جعلت الشباب ينفرون من هذا الواقع، بعد أن أضحت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها عبر العالم الافتراضي تنقل لهم عوالم أخرى أكثر انفتاحاً وتقدماً في مجالات مختلفة.


والأسوأ أنه لم تعد الأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية، هي التي تدفع الشباب من الجنسين للهجرة إلى الخارج، وبخاصة الغرب، وحسب، بل برزت إلى جانبها أسباب اجتماعية وثقافية مرتبطة بالتخلف الاجتماعي والثقافي، وأحياناً التشدد الديني في الواقع المعاش، جعلت الشباب ينفرون من هذا الواقع، بعد أن أضحت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها عبر العالم الافتراضي تنقل لهم عوالم أخرى أكثر انفتاحاً وتقدماً في مجالات مختلفة.. فمثلاً بالنسبة للشباب مازال الزواج واختيار شريكة الحياة من أهم المعوقات التي يعانونها، إذ يعد المهر وتكاليف الزواج، وتدخل الأهل السافر في تحديد الزوجة المناسبة، وتحمل الرجل كل أعباء الحياة الزوجية دون وجود مجال للعمل المناسب، من أهم الأسباب.
كما أن الاختلاط بين الجنسين في مؤسسات التعليم الجامعي، يتم تقييده، ومعاقبة الشباب من الجنسين، ومحاصرتهم، وكذلك في الأماكن العامة.
كما أن تقييد الفتيات، ومحاولة كبح طموحاتهن في التعليم الجامعي ونوعيته، وفي العمل، وفرض الزواج الإجباري عليهن من الرجل الذي يختاره الأهل، وكذا فرض النقاب عليهن دون قناعة منهن، دفعهن إلى محاولة البحث عن منفذ للهروب من هذا الواقع الذي يضيق الخناق عليهن.
وبدأ الكثير من الشبان والشابات بالفعل يتعلمون اللغة الإنجليزية، ويراسلون أصدقاءهم أو أقاربهم الذين سبقوهم للهجرة، ويوجهون كل تفكيرهم، وطاقتهم النفسية والذهنية، باتجاه البحث عن مخرج إلى الغرب، فقد بلغ بهم اليأس والإحباط حد اللامبالاة بما يحدث من حروب ودمار في البلد.
فأصبحت دول الغرب بالنسبة لهم تعني الحياة الكريمة، والحرية، وتنمية قدراتهم، وصقل مواهبهم، بل العيش حياة خالية من المعاناة والألم، كأنها الجنة الموعودة بالنسبة لهم.
كنت أظن حينها أن حلم الهجرة يراود فقط شبان وشابات الإعلام من الخريجين، الذين اصطدموا بصخرة الواقع الذي لا يتيح حرية العمل للصحفيين والإعلاميين، ويحد من نشاطهم الصحفي، بعد أن أضحى العمل الصحفي كأنه جريمة تستحق العقاب، ويُنظر إليه بعين الشك والريبة، ولكنني بعد ذلك أدركت أنها ظاهرة عامة تشمل الغالبية العظمى من الشباب اليمني من الجنسين.
فقد ظلت قضية هجرة الصحفيين، وبخاصة المبدعين، تؤرقني، ولكني لم أكتب عنها، لأنني بررت للصحفيين احتياجهم للهجرة، خصوصاً أن زملاء سابقين لهم تعرضوا للاختطاف والسجن والتعذيب، وبعضهم تحول لعمل غير إعلامي، ولكن هاجس الهجرة مازال مسيطراً على تفكيرهم.
ومنذ فترة قصيرة خطرت لي فكرة كتابة منشور استطلاعي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، كي أستطلع آراء الشباب اليمني من الجنسين، حول مدى رغبتهم في الهجرة، وأسباب ذلك، لأجد الكل تقريباً، في ما عدا نسبة لا تعد، كانوا من المتحمسين جداً للهجرة دون رجعة.
فلم تعد الهجرة بالنسبة لهم مجرد اغتراب مؤقت لتحسين أوضاعهم المادية، وتنمية قدراتهم العلمية والمهنية، بل إن الهجرة أصبحت تعني لهم نظام حياة، وعالماً آخر تُحترم فيه إنسانيتهم كما يعتقدون. بالرغم من أن الكثير منهم تابعوا الأحداث المأساوية لبعض الشباب اليمني الذين جازفوا بالهجرة غير الشرعية؛ بعضهم توفوا أو عانوا من الويلات، ومنهم من انتحر أو تعرض للسرقة والنصب، وبعضهم يعمل في مجالات متدنية لا تفي بمتطلبات حياته المعيشية الضرورية.
ولذلك، فإن أغلب الشباب يقضون معظم وقتهم في مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع أخرى في الإنترنت، يبحثون بكل جهدهم عن شخص أو جهة ما تساعدهم على الهجرة والرحيل إلى غير رجعة.
لم يعد هناك القدوة الحسنة التي تحببهم في الوطن، وتدفعهم للتفكير في حلول للواقع المعاش، فجيل آبائهم وأجدادهم يعبرون لهم عن ندمهم لأنهم لم يهاجروا وهم في سن الشباب.
كما أن الغالبية العظمى من مسؤولي البلد من كافة أطراف الصراع في اليمن، أخرجوا أبناءهم للغرب أو دول أخرى، سواء تحت مبرر منح دراسية لا يستحقونها، ويحرم منها الشباب المثابر والمبدع، أو من خلال تعيينهم في مناصب تتبع البلد في السفارات أو المنظمات الدولية، أو تهريب أموال البلد التي تمت سرقتها وعمل مشاريع لأبنائهم في الخارج.
أما غالبية الشباب اليمني من الجنسين، والذين يمثلون الطبقات الاجتماعية المسحوقة، ولا يحصلون على قوت يومهم إلا بشق الأنفس، فإنهم كالغريق الذي يبحث عن قشة لتنقذهم من وضعهم البائس.
كانت الهجرة منذ زمن بعيد مقتصرة على الشباب، وأحياناً العائلة كاملة، أما حالياً فقد برزت ظاهرة هجرة الفتيات وهن مازلن في ريعان الشباب، وقلة منهن توفق لأسباب خاصة كوجود أهل أو أقارب أو صديقات يستضفنهن، ويساعدنهن في الحصول على الإقامة واللجوء ثم الدراسة والعمل، أو برفقة أزواجهن، فيما غالبيتهن يتعرضن للتحرش بهن، ومضايقتهن، ويتعبن حتى يتمكنّ من الاستقرار في بلد الاغتراب.
وينبغي على الجاليات اليمنية في الخارج، أن تكون عوناً للمغتربين في البلد الذي تتواجد فيه، وتتحول إلى جالية ذات طابع نقابي، وليس سياسياً، بحيث تتعامل مع كل أبناء البلد القادمين إليها بدون تحيز للبعض منهم بسبب القرابة أو المصلحة أو التوجه السياسي.
فبالرغم من وجود جاليات يمنية كبيرة في دول العالم، وخصوصاً في دول الغرب، إلا أن تلك الجاليات مازالت بحاجة لتنظيم نفسها، وتحديد مهامها، والقيام بها على أكمل وجه، كأن تقوم بنشر كل ما يتعلق بواقع الحياة في الغرب، وتقدم الإرشادات الضرورية في كيفية الهجرة بشكل صحيح، على أن تكون هجرة منظمة ومؤقتة تدر على البلد دخلاً، وتدفع الشباب إلى حلم العودة للوطن مستقبلاً.

الأكثر قراءة