المشاهد نت

مآسي المسارات المعطلة في الأزمة اليمنية

عبد الله الدهمشي

عبد الله الدهمشي

كاتب صحافي

لا ينفتح الإنجاز المحدود للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيت، في جنيف، بملف الأسرى، على نافذة واعدة بتحريك مسارات الأزمة نحو انفراج ممكن أو محتمل في المستقبل، إذ لاتزال مأساة الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً، قضية عالقة عند جميع صناع المأساة الإنسانية في الجمهورية اليمنية.
وعندما تكون جميع أطراف الأزمة اليمنية في الداخل والخارج، مرهونة للمعادلة الصفرية التي تجعل الجميع في حالة إصرار مستمر على الاقتتال فقط، فإن الأوضاع العامة تؤكد عبثية الحرب المفتوحة على التكاثر والاستمرار في أفق مسدود.
وقبل أن يتم تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، ذهبت أطراف الحرب إلى إجراءات يترتب عليها تعاظم ويلات المأساة الإنسانية، وتزايد تعقيدات أوضاع النزوح والإفقار والتجويع والانتهاكات المستمرة للحقوق والحريات.
والمعادلة الصفرية التي تصر عليها أطراف الصراع المدمر في الداخل ومن الخارج، تتمثل في التماثل بين طرفين أحدهما مواصلة الاقتتال واستمراره في جغرافيا متناثرة بين المليشيات المسلحة، والآخر تزايد ويلات الوضع المأساوي شدة وحدة، وبما كشفته الإجراءات التي اتخذتها مؤخراً أطراف الصراع بكل الوضوح الظاهر في تدهور قيمة العملة الوطنية، وتفاوت سعر صرف العملات الأجنبية بين المحافظات، والزيادة الكبيرة في أجور التحويلات الداخلية، واختلاق مشكلة التعامل بالأوراق النقدية بين الطبعات القديمة والجديدة.
ومع هذا يقف غريفيث، ومعه جيش المنظمات الدولية المعنية بالإغاثة والمساعدات الإنسانية، في مواقع الحرص على بقاء ميزانية مهمة المبعوث، ومصادر تمويل المنظمات التي اتخذت من الأوضاع المأساوية تجارة تنحصر فوائدها المالية بينها وبين وكلائها المحليين، بينما يتجرع ملايين اليمنيين ويلات الفقر والمجاعة والأمراض وانعدام الأمن والخدمات.
وتتوقف معارك الجبهات عند مسار معطل تماماً عن التحرك باتجاه الحسم العسكري، حيث المعارك في الجبهات المشتعلة بمأرب والضالع والبيضاء وتعز والساحل الغربي، تجسد استراتيجيات المعادلة الصفرية في البحث عن مصادر تمويل التشكيلات المسلحة، وعن الوهم الجاذب للمخدوعين للبقاء في الجبهات ومواصلة الاقتتال.
وفي المسار العسكري أيضاً، تتعطل الرؤية الاستراتيجية بتناثر الجبهات وتعدد المعارك بين الحلفاء من جهة، ومع الخصوم من جهة أخرى، حتى حين تعطل المسار العسكري بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الرئيس هادي وحلفائه، باتفاق الرياض، لم تتوقف خيارات الاقتتال بين الطرفين، واستمرت المعارك مفتوحة على كامل المحافظات الجنوبية وحتى سقطرى.
وحين يكون مسار الحرب في الحوبان بتعز بين الحوثيين والشرعية، معطلاً عن الحركة باتجاه أي إنجاز، فإن الاقتتال بين مكونات الشرعية يتواصل داخل أزقة مدينة تعز، ويمتد منها إلى التربة، ومثل ذلك في جبهة الساحل الغربي التي أخمدها اتفاق ستوكهولم نهاية العام 2018، بقيت مفتوحة على الاقتتال المتقطع بين الطرفين، وعلى تعاظم ويلات الوضع المأساوي.
ومثل المسار العسكري، تعطلت حركة المسار السياسي بعد ستوكهولم، حيث عجز غريفيث، ومعه أطراف الأزمة اليمنية داخلياً وخارجياً، عن مقاربة الأوضاع المأساوية بأي تصورات جزئية تسهم في تخفيف معاناة الشعب اليمني، إن لم تستطع مقاربتها بتسوية كلية ونهائية.
ولم تفلح محاولات غريفيث حول الإعلان المشترك الذي يتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار، ويقدم معالجات للاقتصاد المنهار والوضع الإنساني، في فتح باب التفاؤل بتحرك المسار السياسي نحو معالجات جزئية تمهد الأجواء للحل السياسي الشامل والنهائي. ذلك أن أطراف الصراع تحرص على بقاء الأوضاع كما هي مفتوحة على استمرار الاقتتال، وما يتحقق به من استمرار تدفق التمويل القادم من نهب الموارد المحلية واستقبال التمويل القادم من الخارج بعد دخول عواصم أخرى إلى جانب الرياض وطهران، منها أبوظبي ومسقط والدوحة وأنقرة.
ومنذ 6 سنوات تقريباً، فقدت القوى السياسية اليمنية وأحزابها القدرة على تحديد أفق سياسي للصراع، مفتوح على الوطنية اليمنية، ومنفتح بها على التصورات السياسية للأزمة والحلول الممكنة لمآسي حروبها العبثية وكالةً للخارج وارتهاناً لتمويلاته المالية المقتصرة على إمداد المقاتلين بلوازم الاستمرار على حساب أولويات المواطن الحياتية والمعيشية.
ربما يكون مخجلاً لأولئك الذين لديهم بقية من ضمير وطني أو إنساني، أن توظف الموارد المالية، سواء تلك التي تأتي من الثروات الطبيعية أو من الحركة التجارية، لصالح أولويات الاقتتال، وأن يستمر توقف صرف رواتب الموظفين لأكثر من 4 سنوات متتالية، ولكن أطراف الصراع في الداخل ومموليهم من الخارج لا يملكون هذا الضمير، لذلك تتعطل مسارات حل الأزمة اليمنية بحسم عسكري أو تسوية سياسية، وتتزايد حدة المأساة الإنسانية.
ولا بد أمام تعطل مسارات الأزمة اليمنية من استجابة عملية عاجلة تقف على أرضية الوطنية اليمنية، وتنطلق منها نحو آفاق سياسية جديدة مفتوحة على التصورات العقلانية للأزمة وسبل الخروج من ويلاتها الإنسانية بآليات قابلة للتحقق في الواقع المتاح للفعل السياسي وتجسداته التنظيمية والحركية، وهنا لا بد للقوى السياسية اليمنية، وبخاصة أحزابها القائمة، أن تتجه سريعاً إلى الرأي العام اليمني برؤى سياسية تجاري واقع الأزمة، وتنطلق منه نحو الانفراج الممكن والمتاح.
ولا بد بد هنا أن تبدأ الحكومة الشرعية بمعالجة عملية وسريعة للوضع المأساوي، تنطلق من أولويات إنعاش الاقتصاد المعيشي وانتظام صرف المرتبات ومعالجة ما ترتب على انقطاعها خلال السنوات الماضية، وبحيث يقترب المواطن اليمني من أرضية تقبل تحركه الاحتجاجي على فساد المليشيات المسلحة وتسلطها، وتعزز انتصاره لحقه في استعادة الدولة وبقية مطالبه الحقوقية.
ربما صار لزاماً أن نبدأ من أولوية وقف التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، ورفع الوصاية الأممية على مسارات الأزمة الوطنية، وفتح كل الأبواب أمام أطراف الصراع لرؤية الواقع المأساوي للحرب، وضرورة الخروج من هذا الواقع إلى تسوية تاريخية تجنب اليمن مآسي المسارات المعطلة سياسياً وعسكرياً للأزمة اليمنية.

الأكثر قراءة