المشاهد نت

مفاتيح الحل السياسي للأزمة اليمنية

عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

كاتب صحافي يمني

عبدالله الدهمشي

تحولت الحروب في اليمن إلى مأساة إنسانية متزايدة وغير مسبوقة في التاريخ المعاصر، وبالتالي وجب العمل إنسانياً على وقف الحرب، والبحث عن صيغ واقعية لمقاربتها بحلول سياسية ترفع المعاناة والويلات اليومية عن حياة ملايين اليمنيين.
تبدأ حتمية الحل السياسي للأزمة اليمنية من استحالة الحسم العسكري للصراعات الدامية، ومن التداعيات المأساوية لاستمرار الحرب دون حسم. وعليه فإن البحث عن مقاربات واقعية للأزمة يصبح ضرورة إنسانية ومصلحة وطنية يتوجب تحقيقها سلمياً، ومن خلال المفاوضات التي تفضي إلى سلام دائم وشامل وعادل.
غير أن المقاربات الواقعية للأزمة ليست ميسورة، خصوصاً إذا كانت بهدف البحث عن حلول سياسية، لذلك وجب التنبيه على أهمية الوعي بتعقيدات الأزمة الراهنة، وإدراك خطورة ما يترتب على تداعياتها المأساوية من نتائج مدمرة لمقومات الوجود المستقبلي للهوية الوطنية وكيانها الاجتماعي على الجغرافيا السياسية، وبالصورة التي لا تتيح فرصة الاستمرار حتى للأطراف المتصارعة الآن.
تقتضي المقاربة الواقعية للأزمة اليمنية أن نحدد عوامل انغلاق الصراع السياسي بين جميع الأطراف على دوامة المآسي المتجددة، مع إصرار هذه الأطراف على الركون إلى قوتها المسلحة بعيداً عن الأرضية الوطنية والأفق المفتوح على مقتضيات السياسة والسلام. ولذلك تأخذها الحسابات الخاطئة إلى مزيد من الغرق في دوامة الصراع المدمر للذات قبل الخصوم. ويمكن إيجاز عرض هذه العوامل في ثلاثة أسس رئيسة هي:
الأول: تغييب الوطنية اليمنية:
وذلك من خلال خروج أطراف الصراع عن مقتضيات الانتماء الوطني، واستبداله بانتماءات طائفية ومناطقية تؤجج الصراع بين الإتجاهات الانعزالية بما فرضته من حدية تستدعي إلغاء الآخر وإقصاءه عن الشراكة الوطنية

المقاربة الواقعية للأزمة المركبة من الطائفية والمناطقية، تقتضي استعادة الوطنية اليمنية للبناء السياسي على تجسداتها الجغرافية والمجتمعية. وبعبارة أخرى استعادة الكيان السياسي للجمهورية اليمنية، والتحرك من خلاله نحو مداخل وآليات عملية لإدارة الصراع على أساس الشراكة والأطر المؤسسية للمشاركة السياسية.

والمشاركة السياسية. فالحوثيون الذين انعزلوا عن الوطنية إلى طائفية استعلائية، لا يمكنهم القبول بالوطنية وشراكتها، ولا بالسياسة ومشاركاتها، باعتبارهم الأحق دينياً بالسلطة والثروة وولاية الحكم والإدارة. والمجلس الانتقالي بانعزاليته المناطقية في جغرافيا الجنوب، لن يسمح أن يتجه الصراع نحو الخيار السياسي حتى على الجغرافيا الجنوبية وحدها، ناهيك عن الصراع مع الشمال. وتحالف الشرعية يسهم بقوة في تغييب الوطنية اليمنية بما يستدعيه من أبعاد طائفية في صراعه مع الحوثيين في الشمال، واتجاهات مناطقية في صراعه مع المجلس الانتقالي في الجنوب.
والمقاربة الواقعية للأزمة المركبة من الطائفية والمناطقية، تقتضي استعادة الوطنية اليمنية للبناء السياسي على تجسداتها الجغرافية والمجتمعية.

ينبغي على تحالف الشرعية والتحالف الداعم له بقيادة السعودية، تسوية الصراع مع المجلس الانتقالي بالروح الوطنية المتحررة من الانعزالية المناطقية والتراكم التاريخي لصراعاتها في الجنوب، ليؤسس بذلك البناء الوطني الواسع والقادر على إجبار الحوثيين على التخلي عن الهوية الطائفية .

وبعبارة أخرى استعادة الكيان السياسي للجمهورية اليمنية، والتحرك من خلاله نحو مداخل وآليات عملية لإدارة الصراع على أساس الشراكة والأطر المؤسسية للمشاركة السياسية.
وهنا ينبغي على تحالف الشرعية والتحالف الداعم له بقيادة السعودية، تسوية الصراع مع المجلس الانتقالي بالروح الوطنية المتحررة من الانعزالية المناطقية والتراكم التاريخي لصراعاتها في الجنوب، ليؤسس بذلك البناء الوطني الواسع والقادر على إجبار الحوثيين على التخلي عن الهوية الطائفية، أو على الأقل توحيد القوى الوطنية في جبهة الصراع مع الطائفية الاستعلائية للحوثيين.
الثاني: عسكرة الصراع السياسي:
فرضت الانعزالية الطائفية والمناطقية على جماعاتهما الخروج عن الأطر السياسية إلى البناء العسكري وتشكيلاته المسلحة بدافع الاستيلاء على السلطة بالقوة وحدها، وفرض الإمامة على الشعب من قبل الحوثيين، وفك الارتباط مع الشمال من قبل المجلس الانتقالي.
والحق أن العسكرة المنظمة للصراع السياسي لصيقة بجماعة الحوثي، باعتبارها من حيث البنية والوظيفة جماعة سرية عقائدية مسلحة منذ ظهورها العلني على الساحة الوطنية منتصف العام 2004، بينما الحراك الجنوبي في سياق ظهوره العام مطلع 2007، كان سلمياً، وإلى العام 2015، حين فرض التمدد الحوثي نحو الجنوب نشوء مقاومة مسلحة مدعومة من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، ربيع العام 2015، ثم ظهور التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي، في 2017، وبدعم إماراتي، لخوض الصراع مع الحوثيين ومع تحالف هادي-الإصلاح في إطار تحالف الشرعية.
والحق هنا أن الخروج عن الأطر المؤسسية إلى أطر مناطقية وحزبية في مجالات بناء القوات المسلحة والأمن، من قبل الرئيس هادي والإصلاح، باعد بين أطراف الصراع والحلول السياسية، وفرض للحل السياسي شروطاً تتحدد بأولويات لا بد منها للتأسيس لعملية إعادة بناء الدولة الوطنية ابتداء من المؤسستين العسكرية والأمنية، وذلك بتخلي الرئيس هادي عن مناطقيته في الجنوب، وتخلي حزب الإصلاح عن أذرعه في الجيش والأمن، لصالح هيئة انتقالية من ذوي الكفاءات الوطنية والأهلية العلمية والعملية ذات الصلاحيات الواسعة في مسار إعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية على أسس علمية ووطنية.
الثالث: تبعية القوى الخارجية:
وإذا كانت تبعية الحوثيين ظاهرة في الصبغة الطائفية والسياسية للجماعة، فإن هناك تبعية سائدة لدى التيار الأبرز في تحالف الشرعية، خصوصاً منذ اندلاع الأزمة الرباعية مع قطر، وهو ما أدخل الصراعات الدامية في اليمن في دوامة تجاذبات خارجية جديدة أضرت بالعلاقة بين الأطراف اليمنية من جهة، ومن جهة أخرى بينها وبين دول تحالف دعم الشرعية، وتحديداً بين حزب الإصلاح والإمارات.
ولا بد هنا من التأكيد على ضرورة تحرير الإرادة السياسية اليمن من التبعية التي حولت أطراف الصراع الدامي على السلطة في اليمن، إلى وكلاء مرتهنين بالمطلق للتجاذبات الخارجية، وهو التحرير الذي يقتضي إعادة بناء تحالف الشرعية بما يفضي إلى دمج التشكيلات العسكرية لحزب الإصلاح وحلفائه والمجلس الانتقالي وحراس الجمهورية، في أطر وطنية، ضمن سياق عام يؤسس للدولة، ويشرعن عمليات استعادتها من قبضة الحوثيين على المسارين: السياسي والعسكري.
لعل هذه المقاربة الواقعية لتعقيدات الأزمة اليمنية، تقودنا إلى مفاتيح الحل السياسي الممكن لإنقاذ الشعب اليمني من ويلات وكوارث استمرار الحرب وإبقاء اليمن ساحة مفتوحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية على المصالح والنفوذ. وهذه المفاتيح تتخذ من ويلات الواقع، ومن تداعيات استمرار الحرب، عنوانها الأبرز في ثلاثة أبعاد هي: الوطنية اليمنية، والمشروع السياسي، والإرادة المستقلة عن تجاذبات الخارج، وبما يعني أن الحل السياسي يبدأ -وهو هنا في مواجهة الاستعلاء السلالي للطائفية الحوثية- من وطنية تؤسس مشروعها السياسي على الشراكة والمشاركة، وبما يحقق مبادئ أساسية في استعادة الدولة من قبضة الحوثيين، وإعادة بناء مؤسساتها على الوطنية أولاً، والجمهورية ثانياً، والديمقراطية ثالثاً. وباختصار إعادة بناء المشروع الوطني كما حددته منجزات النضال في الثورة والوحدة.

الأكثر قراءة