المشاهد نت

الأمم المتحدة تحتاج معجزة لاستعادة الأمل بالسلام في اليمن

عبدالعالم بجاش

عبدالعالم بجاش

كاتب صحافي يمني


بينما كان وزيران بحكومة الشرعية ومحافظ عدن، صحبة قائد قوات التحالف العربي بعاصمة اليمن المؤقتة، يطلقون الحمام، صباح الأحد، ثالث أيام العام الجديد 2021، إيذانًا باستئناف العمل في مطار عدن الدولي، بعد 4 أيام على تعرضه للقصف، كانت سفارة إيران وجماعة الحوثيين في صنعاء، تحتفلان بالذكرى السنوية الأولى لرحيل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي قُتل بغارة جوية أمريكية في العراق، العام الماضي.
رسالتان متباينتان.. فبينما كان الخطاب من صنعاء تصعيديًا، يؤكد على واحدية معركة “محور المقاومة” بقيادة إيران في المنطقة، ويشدد زعيم الحوثيين على “عدم تجزئة المعركة”، كانت 4 من طيور الحمام ترفرف بأجنحتها في صالة مطار عدن الدولى، الذي استقبل أول رحلة لطيران “اليمنية”، ومن خلف الحمام بدت آثار الهجوم الذي أودى بحياة 27 شخصًا، 14 منهم من موظفي المطار، وإصابة 110 آخرين، معظمهم مدنيون.
وبين صنعاء التي رفعت صورًا ضخمة لسليماني في شوارعها، وعدن التي أعلنت استئناف حياتها وعودة عمل مطارها الدولي، يبدو أن العام الجديد سيكون وقتًا إضافيًا لجولة أخرى وأعنف من النزاع والاقتتال في اليمن، مع بروز دور إيراني يتجه إلى وضع مخطط تصعيدي موضع التنفيذ، انطلاقًا من الأراضي اليمنية على وجه الخصوص.
مخطط هدفه معلن من جانب إيران والمليشيات الموالية لها في العراق وحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، بعنوان واحد، وهو إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، كجزء من الانتقام لسليماني.
هدف إيراني، سيؤثر قطعًا على اليمن عبر إطالة أمد الحرب، وتعطيل السلام، يورط البلاد أكثر كساحة حرب بالوكالة ترى فيها إيران أفضل مكان للحرب بالوكالة نظرًا لموقعها الاستراتيجي الهام.
وما كان ممكنًا للأمم المتحدة عمله، والتحرك ضمنه في مساعيها لإنهاء الحرب في اليمن، صار الآن مستحيلًا، فإيران تبدو مصرة أكثر من أي وقت على إظهار اليمن رأس حربتها، وإثبات ذلك عمليًا.
لا موعد للسلام في اليمن في 2021، ولا فرصة صغيرة، فاليمن باتت لإيران “القلب النابض لمحور المقاومة وذراعها الطولى”، وفقًا لتصريحات سفير إيران بصنعاء غير المعترف بمشروعية عمله دوليًا.
بهكذا رسالة اختتمت إيران عامًا، ودخلت عامًا جديدًا.
على العكس من تطلعات ودعوات مارتن غريفيث، المبعوث الأممي، توحي تصريحات إيران أنها في حالة من الجاهزية للقيام بأفعال مقلقة في المنطقة، تحت يافطة الانتقام لمقتل سليماني، خلال المرحلة المقبلة، وأن اليمن رأس حربة مشروعها بالمنطقة.
هذا ما أفصحت عنه مؤخرًا طهران.. الخطاب المتصدر منها يوحي أن لدى الإيرانيين خطة جاهزة تتضمن اليمن واستخدام أراضيه ومياهه الإقليمية كساحة ومنطلق.
هناك مؤشرات قوية على تحضير إيراني على أكثر من مستوى، ونشاط في النقاط الرئيسية لنفوذ إيران بالمنطقة، بخاصة في اليمن والعراق، إلى جانب غزة ولبنان، في مضمون الخطاب الإيراني الموجه.
فإيران ركزت حديثها في الأيام الماضية، حول أن صواريخها جاهزة في غزة ولبنان على حدود إسرائيل، وصعدت مؤخرًا لهجتها وأفعالها في العراق ضد السفارة الأمريكية، مما تسبب بأزمة حادة بعد إطلاق صواريخ نحو السفارة.
وفي اليمن أيضًا، عبر سفيرها لدى جماعة الحوثيين، استغلت طهران مناسبة تنظيم فعالية بسنوية سليماني في صنعاء، لإطلاق خطاب جديد يحضر اليمن لمزيد من التحكم الإيراني بقراره الداخلي، باعتباره إحدى دول محور المقاومة، وأهمها.
وقال حسن إيرلو، سفير إيران لدى جماعة الحوثي، في فعالية صنعاء، إن “اليمن اليوم تعتبر القلب النابض في جبهة المقاومة، واليد العليا في محور المقاومة”.
وأضاف أن “اليمن بفضل تضحيات شعبها، تتحول إلى قوة إقليمية كبرى”، وأن “محور المقاومة لم يضعف بمقتل سليماني والمهندس”، وأن “على أمريكا أن تفهم أن وجودها في المنطقة انتهى”.
الطريقة التي جرت عليها مناسبة الذكرى السنوية لسليماني بصنعاء، ورفع صوره في الشوارع، يعطي النفوذ الإيراني مركز تموضع مريح لطهران ربما أكثر من العراق نفسه الذي يشهد معارضة قوية لنفوذ إيران المتغلغل في مفاصل الدولة.
هذا الامتياز يظهر قوة نفوذ وهيمنة إيرانية على صنعاء ونصف اليمن بما فيه الحديدة على البحر الأحمر، وهنا مصدر القلق الدولي والإقليمي.
الحكومة الشرعية اليمنية انتقدت إقامة جماعة الحوثي فعالية بصنعاء بذكرى مقتل سليماني الذي قُتل بغارة أمريكية في العراق، العام الماضي.
وقال وزير الإعلام في الحكومة معمر الإرياني، إن إيران تعمل على تحويل اليمن إلى منطلق لاستهداف دول الجوار، ونشر الفوضى والإرهاب في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة والمصالح الدولية.
وأضاف الإرياني أن الحوثيين ينفقون مئات الملايين للاحتفاء بـ”رموز إيرانيين أياديهم تلطخت بالدماء في العراق وسوريا ولبنان واليمن”، حسب تعبيره، معتبرًا إقامة فعالية سليماني بصنعاء “تأكيدًا على التبعية والانقياد الحوثي الكامل لنظام الملالي في إيران، ومساعي طهران تحويل الأراضي اليمنية إلى مقاطعة فارسية”.
وما تراه الحكومة الشرعية تبعية جماعة الحوثي لإيران، اعتبره زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، التزامًا بـ”الأخوة”، ونهج محور المقاومة.
وفي خطاب له بمناسبة سنوية سليماني، أعلن الحوثي ما يشبه التزام جماعته ضمن ما وصفه بـ”محور المقاومة” في المنطقة، المناهض لإسرائيل والتواجد الأمريكي.
الحوثي أكد “عدم تجزئة المعركة”، وقال إنه وجماعته “معنيون بتعزيز حالة التعاون والتآخي مع أبناء الأمة لدحر العدو الإسرائيلي والقواعد العسكرية الأمريكية من المنطقة”.
في اليوم نفسه، قال رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، وقائد جماعة بدر، المواليان لإيران، في ذكرى مقتل سليماني، إن إخراج القوات الأجنبية والقواعد الأمريكية من المنطقة لا مساومة عليه.
وقبل يومين، خاطب قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، برلمان بلاده أن التواجد الأمريكي في المنطقة سينتهي قريبًا.
قاآني ليس المسؤول العسكري الإيراني الوحيد الذي ظهر مؤخرًا يطلق التهديدات، الرئيس الإيراني نفسه حسن روحاني، هدد بقطع رجل أمريكا في المنطقة.
ومن لبنان، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله، في خطابه بذكرى مقتل سليماني والمهندس، إن “شعار إخراج أمريكا من المنطقة، ما كان ليصبح شعارًا سيتم العمل به لولا حادثة اغتيال الحاج قاسم سليماني”.
هذا الخط التصعيدي، خطه المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، الذي قال إن إيران ستنتقم لمقتل سليماني.
أما كيف ستفعل ذلك؟ وأين؟ فإن تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني بذكرى سليماني، خلال اليومين الماضيين، تتكفل بالرد. ووفق هذه التصريحات فإن:

  • إيران هي من تحدد أين ومتى وكيف يكون الانتقام؟
  • “صواريخ غزة ولبنان كلها من دعمنا، وهي خطنا الأمامي”.
  • “اليمن تعتبر القلب النابض في جبهة المقاومة، واليد العليا في محور المقاومة”.
    هكذا تحدد إيران مناطق تمركزها، فلبنان وغزة من وجهة نظرها خطها الأمامي مقابل إسرائيل، وجماعة الحوثي القلب النابض لمحور المقاومة وذراعها الطولى في المنطقة والعالم، وذلك إشارة إلى التمركز على البحر الأحمر وباب المندب، وقرب المناطق الحيوية في السعودية والمنطقة.
    رغم النغمة العالية لتصريحاتها، تهديدات إيران وراءها قلق من ضربة أمريكية محتملة، دفع قاآني إلى التهديد بعمليات انتقامية من داخل الولايات المتحدة.
    وسط أجواء يسودها التوتر في المنطقة، قالت جماعة الحوثي إن التحالف العربي شن 6 غارات جوية في الحديدة ثاني أيام العام الجديد، واعتبرت ذلك خرقًا لاتفاق ستوكهولم، وحملت الأمم المتحدة وبعثتها في الحديدة المسؤولية.
    تشكو الجماعة من تصعيد التحالف العربي في الحديدة، بينما ينطلق خطاب تصعيد إيراني من منصة صنعاء عبر السفير الإيراني لدى جماعة الحوثي، كما لم يحدث في أي وقت مضى.
    خطاب زعيم الحوثيين نفسه تضمن إشارات قوية إلى أن 2021 سيكون عامًا آخر من أعوام الحرب، وليس السلام.
    فقد دعا المواطنين في مناطق سيطرة جماعته، إلى مزيد من الدعم لجبهات القتال، ومزيد من التضحيات، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه الحكومة اليمنية الشرعية استئناف العمل بمطار عدن الدولي، بعد توقف لـ4 أيام، إثر هجوم قالت الحكومة إنه تم بصواريخ موجهة أطلقتها جماعة الحوثي، بمساعدة من خبراء إيرانيين.
    في خطابه الذي تضمن هجومًا على السعودية والإمارات والسودان والمغرب، قال عبدالملك الحوثي: “نأمل مواصلة دعم الجبهات بالمال والرجال والعناية”. وأضاف: “كلما قدمنا قوافل الشهداء، فإن الله سيحقق الانتصار لأمتنا”.
    ومثل هذا الخطاب يبتعد عن السلام، ويبدو لمن يراقب، متناغمًا مع الخطاب الإيراني، ويطابق خطاب جماعات موالية لطهران في العراق ولبنان، ويفرض مزيدًا من التحديات أمام جهود السلام في اليمن.
    ما يعني أن العام الجديد 2021، لن يكون عامًا للسلام يمنيًا، كما كان مارتن غريفيث، المبعوث الأممي، يأمل.
    وكان غريفيث أدلى بتصريحات لمجلة إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، التابعة للأمم المتحدة، دعا فيها إلى إنهاء الصراع القائم في اليمن بشكل كامل، خلال العام 2021.
    لكن دعوته تتلاشى، في ظل زيادة حضور مباشر لنفوذ إيران في اليمن، وتطابق منظور إيران وجماعة الحوثي للحرب في اليمن كجزء من معركة في المنطقة بين محور المقاومة بقيادة إيران، ومحور آخر تقوده أمريكا وإسرائيل ودول المنطقة.
    ووفق هذا المنظور، تبدو جماعة الحوثي أكثر تحمسًا لـ”عدم تجزئة المعركة”، كما جاء على لسان عبدالملك الحوثي.
    وهو منظور يفرض بالضرورة أن فرص السلام في اليمن، خلال العام الجديد، باتت مفقودة بالكامل، ودون أي أمل أكثر من الأعوام السابقة، ما يخرج الأزمة من كونها حربًا أهلية يمنية داخلية، إلى نزاع إقليمي دولي مزمن ومعقد دون حدود يمتد من أزمة الاتفاق النووي الإيراني وأزمة الصواريخ الإيرانية، إلى قضية فلسطين، إلى صراع النفوذ الإيراني لتطييف المنطقة بالكامل.
    وعليه، تكون طهران أغلقت، وبشكل كامل، الباب في وجه مساعي السلام في اليمن، التي تعمل عليها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
    وبهذا الصدد، رسالة إيران للعالم كانت واضحة من قلب صنعاء، والفعالية الضخمة بالذكرى السنوية الأولى لسليماني.
    الرسالة الإيرانية، وعلى لسان سفيرها حسن إيرلو، مفادها أن اليمن الشمالي مركز نفوذ مطلق لإيران، وأن اليمن رأس حربة المشروع الإيراني والذراع الطولى لها في المنطقة والعالم.
    تتجه الأنظار صوب ما تحضر له إيران باستخدام أراضي وسواحل اليمن، وقد يؤدي ذلك إلى استئناف الغارات الجوية في الحديدة بشكل أوسع، لأن تهديدات إيران جدية، فيما ستواجه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي صعوبة أكبر في التعامل مع هذه التهديدات، خصوصًا وأن طهران تعقد الأمور، وتبرز أكثر من أي وقت أكبر عائق أمام تحقيق السلام في اليمن، لسبب بسيط، وهو أن استراتيجيتها باتت معتمدة أكثر على اليمن كأكبر ورقة تهديد ومساومة في صراعها مع العالم.
    المخاوف حقيقية مما تحضر له إيران عبر اليمن، بخاصة بعد الهجوم على مطار عدن، والذي عزز المخاوف من وجود قدرات نوعية خطيرة مصدرها الصواريخ الموجهة الدقيقة، والتي تشكل مصدر تهديد فعلي على مستوى دولي.
    الهجوم على مطار عدن قد يكون رسالة في هذا الإطار، رسالة تهديد إيرانية لدول الجوار والمنطقة وللمجتمع الدولي بأسره، قوبلت برد فيه نوع من التحدي، من خلال قيام وزيري الداخلية والنقل بالحكومة اليمنية ومحافظ عدن وقائد قوات التحالف العربي في عدن، بإعادة افتتاح المطار، وتدشين العمل فيه.
    وقد قام المسؤولون الأربعة، ومن أمام الفتحة التي أحدثها القصف في صالة مطار عدن، بإطلاق الحمامات التي رفرفرت في الصالة.
    لا يعني ذلك بالضرورة أن الشرعية والتحالف العربي أو المجتمع الدولي سيرضخون للتصعيد الإيراني في المنطقة، بالذات في اليمن، ومنه، بدليل أن التحالف شن غارات جوية على مواقع حوثية قرب ميناء الحديدة وفي منطقتي الصليف وباجل، في رسالة تحذيرية على ما يبدو من أي تحركات للحوثيين.
    ولكي لا تتعطل جهود السلام الدولية تمامًا، الأمم المتحدة بحاجة إلى معجزة لتحويل الموقف الإيراني من دور معرقل إلى دور مساند في اليمن.
الأكثر قراءة